هل نحن بحاجة لجيش في سوريا؟؟؟/بسام جوهر

مقالات 1 admin

عندما كنت شاباً صغيراً ذهبت إلى الشام كي أعمل في إحدى مشاريع إدارة الهندسة العسكرية، حيث كان أحد أقربائي ضابطاً مسؤولاً عن المشروع. لكن ما أثار استغرابي ودهشتي هو دخول أحدهم إلى مكتب قريبي، يحمل صفت حلوى ويلبس لباساً مدنياً أنيقاً والابتسامة العريضة تعلو محياه، أخذ يقدم الحلوى لجميع الموجودين في المكتب، أنا الوحيد الذي قلت له شكراً أما الباقي فقد رشقوه بكلمات: ألف ألف مبروك والحمد لله على السلامة. فهمت بعد برهة أنه يقدم الحلوى لأنه أنهى خدمته العسكرية أي تسرّح من الجيش.

كان ذلك صدمة بالنسبة لي، أنا القادم من مدرسة البعث والمشبع بالشعارات الرنانة عن الوطن والجيش الذي يذود عن حياض الوطن، أنا الذي يحفظ عن ظهر قلب كل الدعايات التلفزيونية التي تدعو إلى الانتساب لهذا الجيش الباسل من أجل تحرير الجولان وفلسطين بالكامل من دنس الاحتلال الصهيوني الغاشم. في ذلك الوقت لم أفهم لماذا يباركون لهذا المجّند بالتسّريح من الجيش، لكن مع الأيام وبعد إدراكي لمهمة هذا الجيش ودوره في سوريا، وفي جميع الدول العربية، فهمت لماذا يقدم هذا المجنّد الحلوى عند تسّريحه وخلاصه من هذا الكابوس اللعين.

لا شك بأن السوريين يتذكرون تماماً مظاهر الحزن والخيبة التي تُخيّم على بيت كل عائلة يذهب أحد أفرادها إلى الجيش، كما يذكرون مظاهر الفرح والبهجة التي تنتشر في أرجاء بيت كل عائلة يعود أحد أبناءها مسرّحاً وسالماً من ذلك الجيش. وهذا الأمر له دلالته العميقة في وجدان السوريين.

طبعاً هناك قسم من السوريين لا يعرفون هذه المظاهر لأن أبنائهم لا تذهب الى الجيش وهم كبار التجار والصناعيين، حيث كان هناك مكتبان في دمشق، الأول تحت إشراف آصف شوكت، صهر العائلة الحاكمة، والثاني تحت إشراف ماهر الأسد، أحد أعمدة العائلة الحاكمة، هذان المكتبان كانا مركزان لتلقي الرشاوى الضخمة لكل من يريد أن لا يخدم في الجيش. وأذكر حادثة حدثت لأحد أصدقائي، أحد أبناء العائلات المعروفة في حمص، الذي دفع مبلغ كبير لمكتب آصف شوكت وتم إعفاؤه من التجّنيد، لكن وبعد مقتل آصف شوكت في حادث خلية الأزمة المفبرك، قام ماهر الأسد باستدعاء كل من دفع لمكتب أصف شوكت إلى التجّنيد، مما أجبر صديقي الحمصي على الدفع مرة ثانية ليتم إعفاؤه من جديد.

وهناك قسم أخر لا يعرفون مظاهر الحزن والفرح لأن أبناؤهم يخدمون الجيش في البيت، وهم أبناء الضباط الكبار وأصحاب الأوسمة البرّاقة والخُلّبية.

إذن الخدمة في الجيش السوري عمل مكروه في الذاكرة الشعبية السورية، لأنهم، أي السوريون، يعرفون الحقيقة ويدركون حجم النفاق والكذب في الشعارات والدعايات ومحاولة التمجيد والتطبيل لهذا الجيش( المغوار).

الدستور السوري لعام 1973، اعتبر أن القوات المسلّحة ومنظمات الدفاع الأخرى مسؤولة عن سلامة الوطن وحماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية، ولا ذكر هنا للشعب السوري، لكن دستور 2012 تدارك هذا الأمر حيث حذف عبارة حماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية وأضاف أن : الجيش والقوات المسلّحة مؤسسة وطنية مسؤولة عن سلامة أرض الوطن وسيادته الاقليمية وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني.

لكن هل فعلاً كان الجيش يقوم بحماية مصالح الشعب والدفاع عنه؟ أم أن ذلك مجرد كلام نظري وبعيد عن الواقع؟

إن جردة بسيطة لدور الجيش السوري، في عهد العائلة الحاكمة، وما قبل، توضح أن هذا الجيش ومنذ تأسيسه عام 1946 لم يحقق أي نصر في أي معركة خاضها ضد العدو: هزيمة حرب 1948، (والناس الذين تركوا بيوتهم يُسمّونهم: لاجئين)، هزيمة حرب حزيران 1967، (يُسمّونها نكسة، والناس الذين تركوا بيوتهم يُسمّونهم: نازحين)، هزيمة حرب تشرين 1973، (يُسمّونها انتصار، والناس الذين تركوا بيوتهم في هذا (الانتصار المزعوم)، لم يجدوا تسمية تليق بهم سوى: المتضررين بالنصر)، وهزيمة حرب 1982 ومحاصرة القوات السورية في بيروت. لكن انتصارات هذا الجيش على الشعب السوري والفلسطيني واللبناني واضحة وضوح الشمس ومجازره في عهد الأسد الأب لا يختلف عليه اثنان: مجزرة سحن تدمر عام 1980، مجزرة تل الزعتر في لبنان عام 1976، مجزرة حماه عام 1982، ومذبحة جسر الشغور في آذار عام 1980، وغيرها الكثير، أما مجازر الأسد الوريث خلال العشر سنوات الماضية فهي عصية عن العدّ، حيث لا يمكن إحصاء عدد المجازر التي قام بها الوريث ولا عدد الضحايا بسبب استخدامه لكافة أنواع الأسلحة بما فيها المحرّمة دولياً.

في كافة أنحاء العالم يتم تقيّم والحكم على مؤسسة الجيش من خلال التزامه بالدور المرسوم له في الدستور. من خلال ما تقدم نرى أن الجيش السوري خرج عن الغرض الذي اُنشئ من أجله وأصبح دوره محصور في حماية النظام وحاشيته، بل أن العقيدة العسكرية للجيش السوري تتركز في الولاء المطلق للنظام الحاكم، حيث يُختزل الوطن بالعائلة الحاكمة ويغدو الدفاع عنها هو دفاع عن الوطن حتى لو أدى ذلك لتدمير الوطن، وهذا ما حصل فعلاً.

إذن هل السوريون بحاجة لهكذا جيش يستهلك أكثر من 75 بالمئة من دخلهم ليعود في النهاية ليقتلهم ويقمعهم ويضحي بأبنائهم في حرب عبثية لا تخدم سوى ثلة من الزعران والقتلة؟؟

أعتقد أن هذا الجيش، (وكل الجيوش العربية)، هو وباء يجب التخلص منه بأية طريقة، كما أنه يقف حجر عثرة أمام كل تقدم يمكن أن يطال الشعب السوري وأمام نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. كفانا تجاهل أن هذا الجيش الذي استنزف كل خيرات سوريا تحت شعارات براقة، ما هو إلا أداة بيد عصابة حاكمة همّها الأول والأخير هو حكم الناس بالقوة وسلب أموالهم وقطع أي طريق يمكن أن يؤدي إلى نشر مبادئ الوعي بالحرية والكرامة والعيش بشكل آمن. والجميع يعرف حجم المعضلات السياسية والاقتصادية والأمنية في سوريا منذ وصول العسكر إلى الحكم والفشل الذريع في حل أي من هذه المعضلات.

لذلك أعتقد أن أولوية مهام الشعب السوري في المستقبل هو ليس إعادة هيكلة هذا الجيش بل حله، والاستعاضة عنه بتعزيز ودعم قوى الأمن الداخلي أي الشرطة، وذلك لحفظ الأمن ليس إلا. وهناك دول في العالم سبقتنا في الاستغناء عن الجيش والالتفات إلى التنمية وتعزيز الديمقراطية بعيداً عن تهديدات الجيش وفساده وتدخله بالسياسة.

هناك حوالي عشر دول ليس فيها جيش، أبرزها كوستاريكا التي عملت على تفكيك الجيش الذي كان يحكم البلاد، ومنذ ذلك الحين برزت هذه الدولة في مجال التنمية الاقتصادية وأصبحت من الدول المتقدمة في كثير من المجالات.

بسام جوهر

ضابط سابق ومعتقل سياسي سابق.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

1 تعليق على “هل نحن بحاجة لجيش في سوريا؟؟؟/بسام جوهر”

  1. عبد المنعم أحمد فريج

    الجيوش وجدت لحماية الحدود
    إلا في البلدان العربية فهي لإدارة البلاد .
    إذا كانت الحكومات المزعومة تعني الأوطان
    فتبا للاوطان

التعليقات مغلقة