أنا صحافية سورية.. سأكتب عن المكياج-هنادي الخطيب
عندما أتعرف على أناس جدد، وبعد أن أقول أسمي، أردف أنني صحافية سورية.
أنا صحافية سورية بلا أي قيمة في عالم لا يحتاج للصحافة، ربما يجدر بي أن أتفرغ للكتابة عن المكياج والموضة، فأتحول لصحافية تجد من يسمعها على الأقل بين النساء.
أنا صحافية سورية من بلد الموت، أجلس مع معارضين، فيتباكون على مؤتمرات وصلوا لتوهم من مقراتها، ويتشاكون من شعب لا يتفق إلا على أن لا يتفق، فأخفض بصري وأفكر بالموت من الجوع في حمص والمعضمية ومضايا وداريا والغوطة، ولا أحاول أن أقطع سلسلة أفكارهم، فأفكارهم أثمن من أن تُقطع من أجل خبر عن بضعة شهداء.
أنا صحافية سورية، أقرأ مقالاً للمعارض المسيحي ميشيل كيلو يتباكى فيه على الطائفة المظلومة بعد 5 سنوات من الثورة والموت، هو نفسه ذلك الذي تغنى بالنصرة ذات يوم، وتفنن بإحداث بلبلة ضمن ما يسمونه “الائتلاف السوري المعارض”، وأما أن تكون الطائفة مظلومة أم ظالمة فهو حديث آخر له مكان وزمان آخرين، وأما لمن يتوجه كيلو بمقاله “اللاطائفي”، فبالتأكيد ليس لنا كسوريين ولا كصحافيين، ربما يكمل مسيرة التسول على أبواب الدول الغربية لحجز مكان مناسب له.
التباكي، موضة العصر لمعارضين سوريين حملوا صفة “سياسيين” غدراً وعدواناً، فتلخصت إنجازاتهم ببعض التباكي والكثير من المؤتمرات، والغياب التام عن سوريا والسوريين.
أنا صحافية سورية، أتابع غياب الهيئة العليا للمفاوضات التي تتحدث باسمنا، وغياب الائتلاف عن كل ما يأتي تحت بند الإعلام، وفي حالات الاستيقاظ النادرة، يصدر عنهم بيان أو محضر جلسة لاجتماع بلا لون ولا نكهة، وكأنهم يتابعون المسيرة الخشبية البعثية إعلامياً وسياسياً، وعلي أنا كصحافية سورية أن أبقى متفرجة على تخبطهم وتخشبهم صامتة انطلاقاً من ضرورة وحدة الصف..لكن أي صف؟
أنا صحافية سورية، طالبت باستبعاد قيادي جيش الإسلام من هيئة التفاوض، على خلفية الاقتتال بين كتائب الغوطة، والتورط بدم سوري مدني، فاستقال الرجل، وعلق استقالته باحتجاجه على عدم جدوى المفاوضات، ليخرج منتصراً على كل السوريين، وأول انتصاراته كانت على الهيئة نفسها التي ارتبكت وتخبطت، وباركت وصفقت، وكأنها تقول “هو شريف ونحن لسنا كذلك”، فأي صحافة سأكتبها مع وعن هؤلاء.
أنا صحافية سورية، تلقيت خبر دعوة بثينة شعبان المنغمسة بدم السوريين للمشاركة بندوة صحافية أمريكية عن الإرهاب، ممثلة إرهابيين تحاضر عن الإرهاب في عقر دار أعداء الإرهاب، تابعت تصريحاتها المتماهية مع تصريحات الأسد، وإنكارها لوجود الجوع في سوريا، وقرأت الصحافة الأمريكية المنقسمة ما بين شجب وتنديد، وأخرى مديح، لسلاطة لسان شعبان ولوقاحتها، وفتشت عن امرأة سورية معارضة واحدة يمكنها أن تواجه الإعلام الغربي بحقائق ما يحدث في بلدي، أن تقف أمام كاميراتهم، تروي لهم قصة أم سورية واحدة، تريهم صور داريا ومضايا وحلب، فلم أحظى بأكثر من سهير أتاسي وسميرة المسالمة وفي أحسن الحالات خطرت ببالي ريما فليحان، وجميعهن غائبات عن الحدث السوري على الأرض حاضرات في البيانات والفيسبوك.
أنا صحافية سورية، أتخذ موقفاً من الصحافة العربية والغربية على حد سواء، أعرف أن بضاعتي من الكلمات لا سوق لها ضمن الأخبار الترويجية لمسابقات ملكات الجمال، ولتأفف أوروبا من اللاجئين السوريين، وللاتفاق التركي الأوروبي الذي حكم بالإعدام علينا، ولتصريحات كيري التي لا تنتهي، ولاحتساب النظام أخيراً كمحارب للإرهاب في صف واحد مع أميركا، بعد أن مللنا وحفظنا وكررنا مطالبات أمريكا بإسقاط الأسد، الذي يجلس اليوم على أحضانها أمامنا نحن السوريين.
أنا صحافية سورية، أستمع لمخططات أمريكا وروسيا حول بلدي، يتملكني شعور بأن هذا الكلام لا يعنيني، سيسقطون المساعدات جواً؟ لا أنتظر جواباً لأنني لا أسأل ولا أجيب، فلا مساعدات ستصل، ولا أمم متحدة ستتابع، ولا أطفال سيبقون على قيد الحياة، وإن بقوا، فلن يكونوا أكثر من أجساد تهيم، وأرواح تبكي على ذل لم يعرفه القرن الواحد والعشرين.
أنا صحافية سورية اليوم بقلم مكسور، أستمع لنشرة الأخبار وأعيد على مسامع التلفزيون “الذي لا يسمعني” المعلومات الناقصة “التي لن يعلنها”، أفكر أن أخترع كذبة تلهيني عن بلدي، ربما أشتري خاتماً غاليا “حتى لو استدنت ثمنه”، لإقناع الجميع أن حبيبي أهداني خاتماً، وعندما سيسألني أحدهم عن عملي وجنسيتي، سأقول له “جنسيتي هناك بين أهلي في بلد اسمه سوريا”، وأما عن الغصة فأعرف تماماً أن جميع كتب التاريخ لن تذكرها، ولن يعرف أحد أن ثمة صحافية سورية ماتت كمداً وخوفاً وشعوراً بالذنب على أناس يموتون من الجوع في بلدها، بينما العالم يتراقص على دمهم، ومعارضتهم تأبى إلا أن تكون خرساء لا تجد لنفسها محل من الإعراب.
اورينت-14/6/2016