الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية

أخبار 0 admin

ها نحن في العام الحادي عشر للثورة السورية ولا نزال نتطلع نحو آفاق غامضة فيما يخص مستقبلنا كسوريين ومستقبل بلدنا. ورغم أهمية المناسبة، دعونا بداية نتجنب الاهتمام بالطقوس الاحتفالية وما يرافقها من الاختلاف المألوف حول التاريخ المحدد للثورة، وحول الأعلام والشعارات التي يتوجب رفعها، فكل ذلك مفهوم وحدث ويحدث في أكثر من مكان و زمان، ودعونا نهتم بجوهر الموضوع أهمية المناسبة الحقيقية، بما كانت عليه وبما آلت إليه، وأي مستقبل ينتظرنا، نحن الذين أملنا بها يوماً.

انطلقت الثورة السورية عفوية، متأثرة بثورات عربية عفوية هي الأخرى، لم تكن وراء جميع تلك الثورات أحزاب أو قوى منظمة، وبالتالي لم تحمل أية برامج سياسية، لم يكن لها علاقة بأية صراعات إقليمية أو عالمية، لم يكن همها الشعارات الوطنية، التي تعود عليها الشارع العربي، ذات المضمون المعادي للإمبريالية و اسرائيل. صفعة الحارسة التونسية للبائع المتجول فجرت التمرد على ذلك الذل اليومي الذي تعايش معه المواطن في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، فرغم تنوع الأنظمة، المسيطرة في تلك البلدان، كان يجمعها الطغيان وعدم السماح بالحدود الدنيا للحقوق السياسية بل لحقوق الإنسان الأساسية. هكذا بمقدار ما كانت العفوية عامل تجميع وتوحيد، فقد كانت مصدر ضعف سواء في الدول التي سقطت أنظمتها داخلياً بسهولة نسبية كتونس ومصر، أو التي سقطت بدعم خارجي كليبيا، أو التي لم تسقط أنظمتها كسورية واليمن، وأخذ الصراع فيها اشكالاً جديدة ارتبطت بظروف خاصة محلية وإقليمية ودولية.

انطلقت الثورة السورية سلمية، ولم يكن ذلك مجرد تأثرٍ بتوجه المعارضة السورية، رغم تنوعها الايديولوجي والسياسي، للتغيير السلمي والتدريجي ذي المضمون المعتدل، والبعيد عن أي تطرف، خاصة في السنوات العشرة السابقة للثورة، بل كان تعبيراً عن إدراك حقيقي للطبيعة المستبدة والمتوحشة للنظام وطغيان أجهزته العسكرية و الأمنية، وعن استيعاب للتجارب السابقة التي عاشها أو سمع بها السوريون، فيما يخص تعامل النظام مع اليمين واليسار، مع التطرف و الاعتدال، تلك التجارب التي شكلت جميعها وعياً، أو ربما  استبطنت اللاوعي الجمعي بالفظاعة المحتملة لرد النظام، فأصرت على اختيار التظاهر وكل أشكال النشاطات السلمية، لكن رد النظام لم يكن ليسمح باستمرار الحالة السلمية، فكان اللجوء للسلاح العفوي في البداية ثم المنظم ثم الاستحواذ على المواجهة المسلحة من قبل القوى الأكثر قدرة على التعبئة الجماهيرية، لأسباب لسنا الان بصدد بحثها. وفي جميع الاحوال لا يشكل اللجوء للعنف إدانة مسبقة، فمعظم ثورات العالم كانت عنيفة، أما المشكلة فهي في الأشكال التي يأخذها العنف وما يرتبط به من ممارسات تتشابه مع ممارسات النظام الذي ثار الناس ضده .

هل كانت الثورة السورية ثورة أم  تمرداً ام حراكاً، ليست التسمية مهمة كثيراً، نعم هي لم تحمل برنامج تغيير اجتماعي  سياسي يستطيع حل عقابيل عدم الإندماج الوطني، الذي يتحمل مسؤوليته الكبرى، النظام الذي استمر في حكم سورية أكثر من جميع من حكموا قبله منذ استولى على السلطة منذ 1963، وقطع صيرورة كل حراك سياسي واجتماعي بالقوة العارية، رغم أنه في البداية اعتمد حزباَ له تجربة فكرية وسياسية وبرلمانية وعلاقات جماهيرية حقيقية، وفي وضع كهذا كان من المستحيل استمرار وجود أحزاب وبرامج سياسية فاعلة، ولأن التغيير الاجتماعي لا ينتظر اراداتنا ولا يعمل وفق تصوراتنا دائماً، فقد بدأ السوريون ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة، التي لم تصل إلى أهدافها ، لكنها بالمقابل أنهت ذلك الرسوخ الاستبدادي وجعلته موضع شك ليس فقط من حيث شرعيته الحقيقية المفقودة بل من حيث شرعيته “الواقعية”.

أن محاولة فهم وإعطاء الثورة السورية أهميتها ومكانتها لا يمت بصلة، من قريب أومن بعيد، للخطاب الإنتصاري الذي يعتبر أن الثورة مستمرة، متجاهلاً المآلات الكارثية في الوضع السوري، ومكتفياً بإطلاق شعارات عامة، قد تؤمن الراحة النفسية لأصحابها، لكنها لا تعبر عن توجهات برنامجية ضرورية تنطلق من الوضع السوري بتعقيداته المحلية أولاً ثم الإقليمية والعالمية.

إن العمق الفكري لأي توجه برنامجي يتعلق بمستقبل سورية يجب أن ينطلق من ضرورة بناء سورية الوطنية، دولة المواطنة لجميع مواطنيها بغض النظر عن الدين والعرق والطائفة والجنس، وتحقيق الحقوق السياسية والثقافية  لمكوناتها القومية في سورية الموحدة . أما سياسياً، وفي هذه المرحلة من التوازنات الإقليمية والدولية،  فإن افق الحل هو الوصول إلى حل يؤمن عملية الانتقال السياسي عبر الإقرار بالقرارات الدولية خاصة 2254. لكن الوصول إلى هذا الحل ليس سهلاً وربما ليس مضموناً بدون عمل حقيقي يجب أن يقوم به جميع السوريين، أينما كانوا، وحيث تتوفر أية فرصة للعمل وفق خصوصيات أمكنة تواجدهم سواء في الداخل السوري حيث تتنوع أطراف سلطات الأمر الواقع المسيطرة، أو في المغتربات وأماكن اللجوء.

إن أفضل نتيجة يمكن تحقيقها، وهي قد تساعد على تسريع التوافق العالمي على البدء بالحل، تعتمد على قدرة السوريين على إنشاء كيان سياسي تحالفي مستقل عن الأجندات المفروضة من خارجه، وقادر على أن يقول للعالم هذه رؤيتي لمستقبل سورية الديموقراطية، سورية المواطنة، التي تبنى على مبدأ حيادية الدولة اتجاه الدين، مع تأمين حرية الإيمان و العبادة للجميع، سورية التي تؤمن جميع حقوق مواطنيها، سورية التي ترفض الاستبداد والتطرف الديني والقومي. وفي الأفق المنظور لا تبدو الظروف مناسبة لإنشاء مثل هذا الكيان بشكل فوري أو سريع، لكن يجب المبادرة لإقامة حوارات موسعة بهدف التفاعل الفكري والسياسي تمهيداً لإقامة  التحالفات الممكنة بين القوى المتقاربة برنامجياً والقيام بلقاءات موسعة تشمل أحزاباً وتنظيمات اجتماعية، خاصة نسوية وشبابية، ومهنية وحقوقية وبالطبع أشخاصاً مهتمين، بانتظار توفر ظروف مناسبة للعمل في جميع المجالات الشعبية وشبه الرسمية والرسمية للتسريع في بدء عملية الانتقال السياسي، التي ستكون شائكة ومعقدة وستستغرق مرحلة زمنية طويلة.

نحن في “تيارمواطنة-نواة وطن” كنا ولا نزال على استعداد للحوار والتواصل والبحث في أشكال العمل الممكنة مع جميع الذين يؤمنون بسوريا الديموقراطية، سورية المواطنة لجميع أبنائها.

تيار مواطنة- نواة وطن

مكتب الإعلام 13 آذار2022

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة