”قانون قيصر“ والتغيير المنتظر…!

مقالات 0 admin

وقّع دونالد ترامب“ قانون سيزر لحماية المدنيين في سوريا نهاية العام المنصرم 2019، بعد أن أقره الكونغرس الأمريكي، وسُمّي القانون بالاسم الحركي للمصور العسكري المنشق سيزر، الشاهد الذي تمكن من تسريب 55 ألف صورة لـ11 ألف ضحية ممن قضوا تحت التعذيب في أقبية فروع مخابرات الأسد خلال أعوام الثورة الأولى.

ما قصة هذا القانون؟ ومن وراءه؟ وكيف اعتمد؟ ومن يستهدف؟ وما آثاره وردود الأفعال حياله؟

هذا القانون ق.س“ الذي قال عنه السيناتور جيم ريتش“: “إنه يرسل رسالة قوية لمن يريدون إعادة التأهيل أو التطبيع مع نظام الأسد المجرم“. كما صرّح عضو الكونغرس فرينش هيل“: ”إن حجر الأساس في هذا القانون، دعوة الحكومة الأمريكية لتجميع الأدلة ضد بشار الأسد بالاسم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية“.

كان قد بوشر بدراسة هذا القانون ق.س“ منذ 2014 وطُرح للتصويت عدة مرات، حيث طواه الرئيس السابق باراك أوباما“ في الدرج ضمن مساعيه لاحتواء إيران خلال مباحثات الاتفاق النوويولكنه صدر أخيراً ضمن مشروع قانون الموازنة الدفاعية الأمريكية لعام 2020، بعد جهود مضنية وإصرار من فريق سيزر” وعلى رأسهم قيصر“ نفسه وسامي“ قريبه الذي خزّن الصور في حاسوبه بسريّة وحذر خلال عامين ونيف قبل خروجهما معاً من سوريا، بالإضافة إلى السفير ستيفن راب“ وستيفن هايدمان“ ومكاتب محاماة تعاونت معهم، “ماثيوز وايت” و ميرا ريسنيغ” من الكونغرس و آلن مكمالن“. فضلاً عن الدور البارز لمنظمات أخرى (كالمنظمة السورية للطوارئ– والمجلس السوري الامريكي…) وبعض الناجين من سجون النظام.

في ندوة الحركة السياسية النسوية السورية“ التي عقدت في 19 كانون الأول 2019 قدّم عضوان من فريق سيزر معاذ مصطفى” و سوزان مريدن“ لمحة عن عملهم وتنظيم المعارض للصور المسربة (أشهرها في متحف المحرقة في واشنطنكما عُقدت الندوات لإيصال معاناة الشعب السوري إلى المجتمع الأمريكي، وأُجريت اللقاءات مع أعضاء بالكونغرس.

وكانت قد عُرضت صور من ملف (قيصرفي أنحاء أوروبا والعالم دون أن تتحول تأثيرات عرضها إلى مشاريع قوانين أو استدعاءات إلى محاكم حتى الوطنية منها، ولم تجد الصدى الكافي في المؤسسات الأوروبية، عدا بعض الحالات المنفردة كالسويد والنرويج وفرنسا التي فتحت تحقيقاً رسميًا ببعض الجرائم، إثر نشاط محموم لمحامين ومنظمات حقوقية سورية شجعت على الإدعاء لصالح الضحايا وذويهم.

لقد جاء ق.س“ كأول نص دولي من نوعه لمحاسبة نظام الأسد على الانتهاكات ضد المدنيات/المدنيين في سوريا، وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تتدخل عسكرياً لإسقاط النظام مباشرةً، لكنها تذهب بهذا القانون إلى فضحه وحصاره بشكل فعّال.

لقد أحيا ق.س“ الأمل بالدور الدولي– الذي طال انتظاره– لوقف المذبحة المستمرة منذ 2011، وسيدعم بالتالي نشاط الحكومة والمنظمات التي توثق الانتهاكات، ولأن الولايات المتحدة لم توقع اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية  لم يرد ذكر المحاكم في نص ق.س“، وجرى فرض العقوبات دون انتظار إقامة محاكم للمحاسبة وما تستجره من وقت وتأخير.

يتضمن القانون عقوبات صارمة وهو مفتوح على من يستهدفه من أفراد وشركات وبنوك وحكومات دعمت الأسد، وعلى تعقب مرتكبي جرائم التعذيب من أزلام السلطة، وهو يفرض حظراً على الداعمين (بالتكنولوجيا، الاقتصاد والمال، الاستشارات والمعلومات، والمليشيات كـ واغنر” الروسية والحشد الشعبي وحزب الله وغيرها…والمتعاملين معه من (شركات إعادة الإعمار الهندسية وقطاع البناء والتقانة وشركات الدعم بقطع غيار الطائرات الحربية والأسلحة والذخائرويحد أيضاً من التدفقات المالية إلى المصرف المركزي السوري (كالمساهمة بالقروض أو الائتمانات المقدمة، بما في ذلك ائتمانات التصدير، أو التمويل لتنفيذ نشاط موصوف…).

وعلى الإدارات الأمريكية المتعاقبة –وفق القانون– متابعة الأوضاع في سوريا لتقديم تقارير عن الإجراءات العسكرية أو غير العسكرية المتخذة لحماية المدنيينكما يُمنح رئيس الولايات المتحدة الحق باستثناءات مشروطة لخدمة الشعب السوري المكلوم بحيث تتحقق مساعدات لا يستفيد منها النظامحيث سمح ق.س“ بتدفق المساعدات الإنسانية، كما ركّز على استمرار توثيق انتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق السوريات/السوريين أينما كانوا، لفضح ومعاقبة كل من شارك أو ساعد على حصولها منذ 2011. ونص على إمكانية وقف بعض العقوبات في حال أوقفت الحكومة السورية الهجمات والانتهاكات ضد المدنيات والمدنيين، وفي حال التزمت بالمفاوضات من أجل تسليم السلطة لحكومة انتقالية، وتعزيز هذا الالتزام بالمشاركة الفعّالة في المحادثات وإحراز تقدم ملموس نحو إنشاء قضاء مستقل وإظهار احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها دولياً والامتثال لها واتخاذ خطوات للوفاء بالتزاماتها الدولية بما في ذلك اتفاقية الأسلحة الكيميائية وإيقاف تطوير ونشر الصواريخ الباليستية، واتخاذ خطوات يمكن التحقق منها لتسريح ومحاسبة المتورطين داخل أجهزة الأمن بالتعذيب أو بإعدام المدنيات/المدنيين، لتشمل أولئك الذين شاركوا في صنع القرار أو التنفيذ للانتهاكات.

تبلغ مدة تطبيق ق.س“ خمس سنوات قابلة للتجديد، ولا يسهل إلغاؤه من قبل أي إدارة أمريكية قادمة، ولهذا ستبقى مفاعيله مؤثرة لمدة ليست بالقصيرة طالما استمر النظام بشخوصه الحاليين، و تكاد تصل شروط رفع العقوبات إلى مستوى رحيل نظام الأسد نفسه بحيث يجري ذلك على مراحل بدلاً من أن يتم بالضربة القاضيةفهو لا يسوق المجرم إلى العدالة أو محكمة الجنايات الدولية مباشرة، وليس في نصه إحداث محكمة لتعقب مجرمي الحرب، ولكنه بمثابة حكم مبرم للمحاسبة، إذ يمتلك التفويض بصلاحيات استخدام القوة حين يتطلب الأمر حماية المدنيات/المدنيين، بعد إقرار الكونغرس.

لقد جاء ق.س“ في ظروف اقتصادية خانقة يعيشها السوريات/السوريون، راح فيها النظام يلاحق رجال الأعمال المحسوبين عليه ليوفر بعضاً من أعباء حربه المفتوحة، بالطبع سيكون التأثير على المواطن السوري كبيراً للأسف، لكن واقع تدهور الليرة السورية مستمر وسببه الحرب منذ تسع سنواتفالعقوبات بمثابة استخدام عقارٍ مرٍّ– لا مفر منه– قد يؤذي بعض الخلايا السليمة حين يواجه الخلايا السرطانية الخبيثة.

 

ولكن متى أسقطت العقوبات الاقتصادية نظاماً؟ إذ استمرت على كوبا عقوداً ولم تسقط كاسترو“، كما تعاقبت في العراق لأكثر من 12 عاماً ولم تسقط صدام“ إلا بالغزو المباشر عام 2003. علماً أن العقوبات الأمريكية على سلطة الملالي في طهران بدأت تؤتي أكلها، على الرغم من معارضة الأوروبيين والروس والصين لها، فلم يتمكنوا من إنقاذ الاقتصاد الإيراني المتهالك، كما يتعاظم تأثير ذلك في الحراك الشعبيوفشل عقوبات أمريكية تقليدية في تحقيق أهدافها كان سائداً، ولم تتحسن معدلات الديمقراطية والحريات بشكل عام في مناطق تنفيذها (كوبا – إيران – كوريا – العراق سوريافالأنظمة المارقة عرفت كيف تسوّق نفسها ببروباغندا إعلامية في مواجهة الإمبريالية الأمريكية“ وكيف تلتف على كثير من العقوباتولابد من الرهان على نمط ذكي منهابحيث لا تسمح للمعاقب بالتفلت ولا تترك آثاراً مبالغاً فيها على الشعوب المقهورةكحصار النفط مقابل الغذاء“ في العراق نهايات القرن المنصرم، وهكذا تضمن ق.س“ استثناءات للرئيس يمكنها تسهيل وصول المواد الأساسية للمناطق تحت الحصار، بينما ستطال مناطق سيطرة النظام المعاناة ضمن الحرص على عدم منح النظام أية فرص انتعاش وإعادة الإعمار.

لكن النتائج الأولية للقانون بدأت بالظهور، فمع خفوت تصريحات الخارجية الإيطالية والهنغارية حول ضرورة إعادة تأهيل الأسد أوروبياً من أجل البدء بمشاريع إعادة الإعمار، وكبح هرولة البحرين والإمارات وربما الأردن ومصر للتطبيع عربياً، وضبط حركة النفط والحبوب من مناطق شرق الفرات وغيرها، وكذلك وقف إجراءات شركات الروس لاستثمار ميناء طرطوس، فمع كل هذا أطاحت أمريكا بكل المراهنات لإعادة تأهيل الأسد وكل أشكال التطبيع معهمما يفرض على النظام السوري أحد احتمالين، إما جوع جمهوره وتلقي ردود أفعاله بحرب ناعمة تستنزفه، أو الرضوخ الفعلي لاستحقاق الانتقال السياسي، الأمر الذي قد يدفع بوتين أخيراً إلى تمرير الحل برحيل الأسد عن سدة الحكم في سوريا.

بالحقيقة جاء توقيت إصدار ق.س“ مع سلسلة إجراءات أمريكية لإجهاض مشروع المحور الإيراني وليس آخرها العملية الأمريكية الصريحة التي أهلكت قائد فيلق القدس“ قاسم سليماني ومن معه، قصد الحد من النفوذ الإيراني في دول الإقليم وإرغامها لتعديل سلوكها، والتضييق أيضاُ على بوتين“ وإفشال خططه في إعادة تأهيل الأسد سياسياً وتعطيل استثمار أي انتصار عسكري أو سياسيبحيث يعاد الاعتبار لقرار مجلس الأمن 2254 ومفهوم الانتقال السياسي.

كلمة لابد منهاإذ سيطر التشاؤم على معظم السوريات/السوريين إثر الصمت الدولي المريب وتأخر صدور ق.س“ طوال هذا الزمن، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي“، ومن وراء الرفض المطلق لأبواق السلطة السورية ودفن الرؤوس بالرمال يُستشف أهمية ق.س“، ولن تنفع ترويجات اليائسين وأصحاب نظرية المؤامرة لتشويه هذا الحدث الكبير، وعليه يتداعى مجموعات من نشطاء حول العالم لتأصيل هذا المبدأ في ملاحقة ومحاسبة الجناة بتوسيع فريق سيزر ليشمل إعلاميين وحقوقيين يمكنهم – بفعل هذا القانون– فرض واقع جديد، يتكلل بدور السوريين أنفسهم وحضورهم يتعقبون جلاديهم بالفضح والتوثيق والإدعاء على الانتهاكات، ولن يضيع حق وراءه مطالب.

وسيم حسان – 16-01-2020

موقع الحركة السياسية النسوية السورية

الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة