افتتاحية: كيف نذلل العقبات أمام عقد المؤتمر الوطني السوري؟
كيف نذلل العقبات أمام عقد المؤتمر الوطني السوري؟
عَنِيَت المؤتمرات السورية الوطنية، التي عقدت في النصف الأول من القرن الماضي، باستقلال سورية ووحدتها الداخلية، والمؤتمر الوطني المأمول في سورية، بعد سقوط نظام الأسد، هو معني أيضاً وقبل كل شيء آخر بوحدة وتماسك سورية داخلياً، ولكن أيضاً بسيادة دولتها بعد كل ما سببه النظام الطاغية للأسدين من تمزيق في لحمتها الداخلية وفي إضعاف لمكانتها الإقليمية والدولية.
إن مجرد التفكير بعقد هذا المؤتمر هو إعلان عن نيات طيبة لكنها لا تكفي لتحقيق الغاية المنشودة، وقبل التعرض لهدف وآليات التحضير لعقد المؤتمر وتركيبته وصلاحياته ومخرجاته لا بد من التفكير في الظروف العامة التي يحتمل أن يعقد في ظلها.
1- لا تزال سورية مقسمة إلى عدة مناطق تسيطر عليها قوى عسكرية بدرجات متنوعة من الإحكام ، لكن دون وجود أية طموحات تقسيمية عند أي طرف وحيث لا توجد أية إمكانات للاعتراف بأي انقسام مفترض، واثنان منها يخوضان صراعاً عسكرياً تغذيه دولة مجاورة، في حين تلتزم السلطة المركزية في دمشق جانب الحياد حتى الآن، وتتابع الاتصالات والحوارات بشكل مباشر أو عبر أطراف دولية مع قوات سورية الديموقراطية، ولسنا الآن في معرض تحليل التباينات والصراعات بين الأطراف المسيطرة على هذه المناطق لكن من حيث النتيجة يمكن القول إن سورية الموحدة سياسياً تتطلب سورية موحدة عسكرياً، أو على الأقل تحضر لتوحيد جيشها، أما الوضع الحالي فهو يعبر عن مناخ غير مناسب لتفعيل نقاش وطني إيجابي وفعال يتصدى لمهمات تتعلق بمستقبل سورية.
2- لا تزال مشكلة نزع سلاح بقايا نظام الأسد مطروحة ولم تنته بعد، وهي تجري أحياناً، وفي مناطق معينة، بطريقة آمنة وشبه قانونية في حين تجري أحياناً بالترافق مع تجاوزات قانونية وحقوقية، كما لا يزال بعض المجرمين الملاحقين يحاول شن ضربات يائسة لقوات الأمن هرباً من الاستحقاق المحتوم في القبض عليه ومحاكمته، كل ذلك يجري في مناخ شعبي إيجابي يريد الأمان والاستقرار لكنه يتوتر ويقلق عند مشاهدة أو سماع التجاوزات التي غالباً ما ترفضها القوات الأمنية النظامية وتحاول تعديل سلوك أجهزتها الأمنية، التي لا تزال تفتقر إلى الإمكانات المادية وإلى تطبيق الأنظمة الدولية المعروفة في العمل الأمني والقضائي، هنا أيضاً يمكن القول أن هذا المناخ يمكن أن يؤثر سلباً على أجواء النقاش التي يجب أن يتوفر لها الحد الكافي من الهدوء والشعور بالأمان لإشراك الجميع وفي جميع المناطق.
3- لا يزال المهجرون الذين عادوا إلى الوطن يعانون من مشكلة تأمين احتياجات الحياة الأساسية حيث البنى التحتية الأساسية مدمرة وهم منشغلون بتأمين المأوى وأساسيات الحياة، ولا يزال السوريون الآخرون في مواقع النزوح في سورية أو مواقع اللجوء في الدول المجاورة يعانون من أوضاع صعبة لا تسمح لهم بمشاركة حقيقية، فالموضوع لا يتعلق بإيفاد بضعة ممثلين عنهم، رغم أنه حتى هذا قد لا يكون سهلاً. اللاجئون في بلدان الاغتراب سواء كانوا سيعودون حالياً او لاحقاً أو ربما تغيرت ظروف حياتهم وربما لا يعودون، لكنهم سيبقون مواطنين سوريين ومن حقهم المشاركة في تقرير مستقبل بلدهم ويجب التفكير في الوسائل المناسبة لتحقيق ذلك وهذا ما يحتاج إلى جهد ووقت.
المؤتمر الوطني ضروري، باعتباره يحمل شرعية أكبر من تلك التي تتمتع بها شرعية سلطة الأمر الواقع، ليقوم أولاً بما هو “سلبي” أي إلغاء ” مجلس الشعب” المعتبر برلماناً، وإقامة حكومة انتقالية تعمل وفق إعلان دستوري مؤقت، فتحظى بدرجة من الشرعية الدولية التي تسمح بالحد الممكن من إلغاء العقوبات الدولية، وبالتالي بتلقي المساعدات الخاصة بإعادة البناء وليس فقط المساعدات الإغاثية كما تسمح لدول العالم، خاصة الدول العربية، بالتعامل مع الحكومة الانتقالية بصفتها تمثيلاً للشعب السوري وليس لِ “قوات ردع العدوان” التي أنجزت المهمة الكبرى في إسقاط النظام. وبالطبع بعد ذلك يبدأ التحضير لما هو إيجابي أي التحضير لإنجاز الدستور الدائم والتحضير لإجراءات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفق الشكل الذي يتواضع ويتوافق عليه السوريون.
كيف نوفق إذاً بين هذه الاستحقاقات الضرورية التي تتطلب سرعة انعقاد المؤتمر الوطني وبين المعيقات الثلاثة المذكورة أعلاه التي ذكرناها في البداية والتي تتطلب التمهل؟
لابد أن التحدي ليس سهلاً، لكن من حسن الحظ أن الخطوات التي يجب القيام بها للنجاح والتقدم داخلياً هي نفسها الخطوات التي يجب القيام بها للنجاح دولياً وإقليمياً، خاصة وأن المجتمع العربي والدولي يدرك أن عدم دعم عملية الانتقال السياسي في سورية يمكن أن يتسبب بأوضاع لا تخدم استقرار المنطقة، يمكن أن نقترح خطة تحاول التوسط بين هذين التصورين، أي السرعة والتمهل، تكون عناصرها كما يلي:
1- تشكيل لجنة عسكرية تتضمن مندوبين عن جميع القوى العسكرية الموجودة إضافة إلى مجموعة من الضباط المنشقين وبمشاركة عربية وأممية -أي بمشاركة الأمم المتحدة – ولا مانع من دور لقوى دولية تكون قادرة على التدخل الإيجابي بين جميع الأطراف. الهدف النهائي لهذه اللجنة هو الوصول الى جيش سوري موحد، ولكن تحقيق الهدف بشكل نهائي قد لا يكون ممكناً إلا بالترافق مع التقدم في المسارات السياسية المتعلقة بالفترة الانتقالية، والضمانة العربية والأممية، وربما الدولية، تكفل بأن لا يكون قبول الأطراف للاندماج في جيش موحد سبباً لإضعافهم سياسياً وإضعاف دورهم في الاستحقاقات الأخرى للمرحلة الانتقالية. إن الجيش الموحد والعلاقات الخارجية الموحدة والبنك المركزي الواحد هي عناصر أساسية في الدولة السورية القادمة، حتى لو تم الاتفاق على نوع من اللامركزية أو الفدرالية.
2- تشكل “قوات ردع العدوان” “لجنة تحضيرية مؤقتة” بالتشاور مع فعاليات سياسية وتمثيلات إثنية ودينية وقومية وعشائرية ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات نسوية وشبابية، ومنظمات مهنية، وغرف تجارة وصناعة تشمل كامل الجغرافية السورية. تكون وظيفة هذه اللجنة التنسيق والتحضير لعقد المؤتمر من حيث التوقيت والعدد وبرنامج العمل ومدة الانعقاد والنظام الداخلي وطريقة التعامل مع مخرجات المؤتمر ويمكنها الاستعانة بمنظمات سورية و/أو أممية مختصة.
3- من أجل ألا يكون العمل السياسي مقتصراً على العاصمة أو بعض المدن، تدعو اللجنة إلى عقد اجتماعات في مراكز المدن السورية، وعلى قوى الأمر الواقع في جميع المحافظات تسهيل عقد هذه الاجتماعات بحرية كاملة، لتنتهي هذه الاجتماعات باجتماع في مركز كل محافظة يصيغ اقتراحاته للمؤتمر الوطني العام وينتخب عدداً من المندوبين وفق ما تحدده اللجنة التحضيرية مع الأخذ بالاعتبار التمثيل السياسي والإثني والديني والطائفي. ويفضل أن تجري اجتماعات مشابهة في أماكن تواجد السوريين في المغتربات خاصة حيث توجد أعداد كبيرة من السوريين.
4- تبدأ اللجنة التحضيرية المؤقتة بتحضير مشاريع عن طريقة إعداد الدستور وعن طريقة تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وشكل الدولة القادمة والنظام البرلماني وذلك بالتشاور مع هيئات مختصة محلية وعربية ودولية، وترسل هذه المشاريع لمؤتمرات المحافظات لنقاشها ثم يتم عرض هذه المشاريع على أعضاء المؤتمر الذين يقترحون التعديلات وفق ما يحملونه من حصيلة النقاش في مؤتمرات المحافظات وذلك بهدف إقرارها.
5- يتوجب تشكيل اللجنة التحضيرية المؤقتة خلال شهر أي في الأمد الذي كان متوقعاً لعقد المؤتمر الوطني وفق التسريبات المعروفة. بعد ذلك لا توجد أي مشكلة في الوقت، ويمكن أن تستغرق هذه العملية تقريباً سنتين، أقل أو أكثر، تبعاً لإنجاز المهمات المطلوبة، وصولاً إلى عقد المؤتمر الوطني العام.
6- تحضر اللجنة التحضيرية المؤقتة إعلاناً دستورياً مؤقتاً ليغطي الفترة السابقة لعقد المؤتمر، يتضمن تعليق الدستور المعمول به وحل مجلس الشعب، كإجراءات مؤقتة بانتظار قرار المؤتمر الوطني العام، وتشكيل حكومة تكنوقراط بالتشاور بين اللجنة وقيادة “قوات ردع العدوان”.
7- تصدر اللجنة التحضيرية المؤقتة، بالتعاون مع “قوات ردع العدوان” قراراً مؤقتاً يخص الفترة الانتقالية، يسمح بحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات والحريات الإعلامية.
8- تبدأ الحكومة المؤقتة في التصدي للمشاكل التي تعيق عودة السوريين إلى وطنهم، وخاصة مشاكل البنية التحتية والخدمات والنقل، وكذلك الخدمات الإدارية خاصة منها ما يتعلق بتسوية أوضاع الملكيات والوثائق بما يسمح للجميع بالمشاركة في العملية الانتخابية القادمة.
إن الخطوات السابقة إذا نفذت ستكون كفيلة بإرضاء جميع الأطراف في سورية وستسمح بتفاعل إيجابي يسمح بإيجاد حلول لمشاكل الفترة الانتقالية وبإيجاد الحلول المناسبة لتوحيد الجيش الوطني السوري، كما ستكون كفيلة بتطمين المحيط العربي والإقليمي والدولي، وبالاستفادة من إلغاء العقوبات ومن الدعم الخاص بإعادة البناء.
مكتب الإعلام
تيار مواطنة
28.01.2025
احسان خداج
يسعد اوقاتكم !
تحليل موضوعي و دقيق للواقع الحالي. والحلول المطروحة أعجبتني، فهي رؤية ناضجة و نزيهة.
اريد ان اطرح باختصار وجهة نظري حول الوضع اذا اجزتم لي…….
الوضع السوري الحالي بعد خروجه من عنق الزجاجة، وهذه أصعب مهمة كانت تثقل كاهل السوريين، وتسبب لهم الاحباط احيانا نتيجة التجاذبات والمصالح الدولية والاقليمية المتنافرة.
ولكن المهمة التي بعدها هي برغم الفرحة العارمة التي نشعر بها، هي الخطوة الأهم والاعقد، فهي مرحلة حساسة جدا واي خطأ ممكن أن يكلفنا ضياع وطننا.
علينا جميعا أن نكون فاعلين و يقظين، لنساعد في تجاوز المرحلة الانتقالية نحو الاستقرار السياسي، الاقتصادي والمجتمعي، و ذلك باقرار دستور يرضي الجميع مبني على الحرية ،المساواة والعدالة على أسس علمية تضاهي التقدم السريع في جميع مجالات الحياة.
يجب أن نركز على ركيزة الأخلاق والمواطنة الصالحة، من خلال المناهج و الاعلام الوطني، المنطلقة من مراقبة ومحاسبة ذاتية اولا.
ندعو بالتوفيق لكم و كل مخلص في القضية السورية لإيصال هذا البلد العظيم لبر الأمان.