عن ثورة 30 يونيو.. وتداعياتها على السوريين ـ سامي حسن
لم يكن هتاف «هما اتنين مالهمش أمان… حكم العسكر والإخوان» مجرد كلمات صدحت بها حناجر المتظاهرين المصريين. بل تعبيراً عن إدراكهم لحقيقة هذين الفريقين، ودعوة صريحة لعدم الثقة بهما. بعد ثورة 25 يناير وإزاحة حسني مبارك، وسيطرة المجلس العسكري على السلطة، استمرت تظاهرات المصريين من أجل استكمال أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لكن تحالف الإخوان مع العسكر، أعاق ذلك. حيث لم يكتف الإخوان بعدم المشاركة في التظاهرات المناوئة لحكم العسكر، بل أدانوها. ولاذوا بالصمت حيال استشهاد العشرات، ومنهم أولئك الذين استشهدوا في الاعتصام ضد السفارة الاسرائيلية بمصر؟
بعد فوزهم، بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، تركزت جهودهم على أخونة الدولة والمجتمع، والاستئثار بالسلطة واستبعاد الآخرين، بما في ذلك القوى الشبابية التي فجرت الثورة. ولم يفعلوا شيئاً لتحسين ظروف حياة الناس المعيشية، التي ازدادت سوءاً. وبدلاً من الوفاء لأرواح شهداء الثورة، والإسراع بمحاكمة رموز النظام السابق، ومعاقبتهم العقوبة التي يستحقونها، شهد حكمهم سقوط شهداء جدد. لذلك، لم يكن مستغرباً، أن تتراجع شعبية الإخوان في الشارع المصري، الذي عقد العزم على القيام بثورة جديدة، لكن هذه المرة ضد حكم الاخوان، وهذا ما حصل في الثلاثين من يونيو بنزول ملايين المصريين إلى الميادين، مطالبين بإسقاط الرئيس محمد مرسي. فكان لهم ما أرادوا. لن ندخل في نقاش في ما إذا كان تدخل الجيش انقلاباً أم لا؟. فما يعنينا هنا، والآن، هو مسألتين، الأولى تتعلق بالثورة المصرية ومستقبلها، والثانية، تداعياتها على السوريين. لابد من التنبيه إلى خطورة تنامي دور العسكر في الحياة السياسية، وضرورة ألا تنساق جماهير ثورة 30 يونيو، وقواها الثورية، وراءهم. وأن تقف ضد الممارسات القمعية التي ترتكب بحق المصريين أياً كانت انتماءاتهم. كما لا بد من أخذ الحيطة والحذر من رجالات نظام مبارك التي بدأت تطل برؤوسها. إن الرد على منطق الإخوان وأسلوبهم في الحكم، لا يكون بالتشبه بهم، بل بالتفوق الأخلاقي عليهم، والابتعاد عن منطق الثأر، وإيصال رسالة مفادها أن ثورة 30 يونيو هي امتداد لثورة 25 يناير، وهي ثورة من أجل كل المصريين. من هنا، فإن المهمة الملحة اليوم، هي العمل على وقف العنف وتداعياته، في الشارع المصري. والحيلولة دون اختطاف الثورة مرة أخرى، والمضي قدماً في طريق استكمال أهدافها. الأمر الذي يتطلب من الجموع الثائرة وقواها الشبابية، امتلاك زمام المبادرة عبر تنظيم نفسها، والتقدم بخطاب عناوينه الرئيسية، لا مساومة على هدف الحرية والديمقراطية. ما يعني لا مكان للعسكر في المشهد السياسي، لا مساومة على مطلب دستور عصري، يقوم على مبدأ المواطنة والفصل بين السلطات، وصون الحريات. لا مساومة على مطلب العدالة الاجتماعية، ما يعني، المطالبة بخطوات عملية، اقتصادية واجتماعية وقانونية، لصالح الطبقات الشعبية والمفقرة، كرفع الأجور، وصياغة نظام ضريبي عادل، وتحسين الضمانات الاجتماعية، ومكافحة الفساد. بهذه اللاءات، وبها فقط، تضع الثورة قدمها على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهدافها.
بالانتقال إلى تداعيات ثورة 30 يوليو على السوريين، نقول لقد شكلت مصر قبل هذا التاريخ، ملجأ آمنا للسوريين الهاربين من جحيم النظام وحربه الهمجية. وكان لثورة 25 يناير الفضل، في التسهيلات التي قدمت لهم. لكن فجأة، ودون مقدمات واضحة تحول السوريون، رغماً عنهم، إلى طرف في الصراع السياسي الذي تشهده مصر. حيث عمل كل من الإخوان والعسكر على استغلالهم كورقة في هذا الصراع. هنا، لا بد من التذكير بالخطوة المفاجئة التي كان الرئيس مرسي قد أقدم عليها قبل ثورة 30 يونيو بفترة وجيزة، ونعني دعوته للجهاد في سوريا، وقراره إغلاق السفارة السورية في مصر.
بغض النظر عن دوافع هذه الخطوة، فإنها لم تكن في صالح السوريين ولا في صالح ثورتهم. فلم يعد خافياً الضرر الكبير الذي ألحقه بالثورة السورية، أمثال هؤلاء المجاهين المتواجدين في سوريا اليوم. سواء من ناحية تشويه صورة الثورة أمام العالم وحرفها عن أهدافها، أو لجهة تشتيت قواها، وتخويف بعض قطاعات المجتمع السوري منها. أكثر من ذلك، فقد انتقلت هذه الجماعات الجهادية إلى خندق الثورة المضادة، من خلال دخولها في معارك مع الجيش الحر، واغتيالها لقادته، واعتقالها للناشطين المدنيين.
أما إغلاق السفارة، فقد أدى إلى إلحاق الأذى بالكثير من السوريين، الذين يحتاجونها لانجاز معاملاتهم. في أعقاب ثورة 30 يونيو، ومقابل رفع الإخوان لعلم الثورة السورية في ميادينهم، أعلنت السلطات المصرية عن اعتقال سوريين يمارسون العنف ضد الشعب المصري. الأمر الذي يذكرنا بادعاءات النظام في بداية الثورة السورية، وتصريح بثينة شعبان بأن مسلحين فلسطينيين هم المسؤولون عن مقتل المتظاهرين السوريين. وبالتوازي مع الحملة االمسعورة واللا أخلاقية التي أطلقها بعض الإعلاميين، قامت السلطات المصرية بسلسلة من الإجراءات بحق السوريين وصلت حد اعتقالهم والتهديد بترحيلهم، وتعقيد إمكانية وصول مهجرين جدد.
لقد أدرك السوريون في مصر أن هناك محاولات لاستثمارهم، لذلك، ولأنهم يرفضون أن يكونوا ورقة في يد أي كان، وانطلاقاً من ظروفهم الخاصة، فإنهم، وباستثناء أفراد معدودين، لم ينزلوا إلى الميادين ولم يشاركوا في التظاهرات، لا المؤيدة ولا المعارضة. إن خطورة الإجراءات التي أقدمت عليها السلطات المصرية لا تكمن فقط في تداعياتها السلبية على حياة السوريين في مصر، بل في الأسئلة التي تثيرها، حول ثورة 30 يونيو وأهدافها ومآلاتها.
إن الثورة، كل لا يتجزأ، ولا يمكن لمن ثار على الظلم وطالب بالحرية والكرامة، أن يمارس عكس ما طالب به تجاه الآخرين، وعليه وكي تكون ثورة 30 يونيو هي الوجه الآخر والناصع، لثورة 25 يناير فإن من واجبها بل ومن مصلحتها، إعادة الاعتبار للسوريين المتواجدين في مصر، والعودة عن الإجراءات التي اتخذت بحقهم، وكشف دوافع من قام بالتحرض عليهم.
وإذا كان النظام السوري، قد حاول إظهار ما حصل في مصر وكأنه انتصار له، فإن على قوى الثورة، أن ترسل برسالة قوية مفادها أن الثورة المصرية تقف بلا تردد مع الثورة السورية. وأن كلا الثورتين، تخوضان معركة واحدة، هي معركة التحرر من الاستبداد، وإعلاء قيم الديمقراطية والعدالة والمواطنة وحقوق الإنسان.