نظام الأسد بين سندان طهران ومطرقة تل أبيب

 

على الرغم من العزلة الطويلة، إقليمياً ودولياً، ولأكثر من عشرة أعوام، حافظ النظام السوري على الحد الكافي من التماسك في محيطه الإقليمي وفي علاقاته الدولية، وعلى الرغم من عدم شمول سيطرته على الأرض السورية جميعها، وهشاشة هذه السيطرة في بعض المناطق، فإنه تجاوز أوقاتاً أو محطات حرجة أولها عام 2013 نتيجة تهديد خارجي بعد استخدام الكيماوي للمرة الأولى، وثانيها نتيجة تهديد داخلي عام 2015، الحليف الإيراني كان موجوداً دائماً، لكن الدور الحاسم في الحالتين، سياسياً وعسكرياً، كان للحليف الروسي.
وعندما بدأت معركة “طوفان الأقصى” كان واضحاً منذ البداية أنها ستغرق أصحابها، وربما مؤيديها، دون أن تستطيع إجبار خصمها على أي تنازل سياسي، حتى لو تسببت بتكبيده خسائر غير معتادة. وقد أدرك النظام السوري ذلك بامتلاكه لغريزة البقاء في السلطة، التي لم تخنه أبداً طوال فترة حكمه والتي ورثها مع السلطة باعتبارها من تركات الأب المؤسس.
التزم النظام بالبقاء بعيداً عن أجواء المعركة مع تحفظ سياسي وإعلامي واضح، وقدر الحلفاء ظرفه، واعتبروا سلوكه نوعاً من تقاسم الأدوار فهو، بحكم موقعه، قد شكل ويشكل المعبر والمستودع للسلاح القادم من إيران، أو المصنَع في سورية بإشراف إيران، بواسطة المصانع ومراكز البحوث السورية التي أصبح لإيران فيها نفوذ ينتشر في أرجاء الجغرافية السورية، كما شكلت الأرض السورية ملاذاً لكوادر محور دول الممانعة وميليشياتها، كان الظن أن هذا الملاذ آمن، وإن كان يتم خرقه بين فترة وأخرى، ولكن لم يتصور أحد أن وصفه بالآمن لم يكن دقيقاً أو معبراً عن واقع الحال.
بعد نجاح إسرائيل في القضاء على القوة الضاربة لحماس في غزة انتقلت إلى نمط جديد في مواجهة حزب الله بعد تجاوز قواعد الاشتباك التي استمرت حوالي سنة، ونظراً للتشابك المعقد بين كل من حزب الله وإيران والنظام السوري وقرب الأخير من ساحة المعركة فإنه لا يستطيع العمل بالطريقة الإيرانية بالردود المدروسة جيداً أو بعدم الرد أحياناً، دون أن نتعرض الآن لجدوى هذا الرد، كما أن قدرات النظام العسكرية هي أضعف من أن تجعله يفكر بالرد الذي قد يحول تماسكه النسبي إلى هشاشة خطرة، وهذا ما يدركه جيداً الحليف الروسي الذي لا يمكن أن يفكر بدعم النظام عسكرياً في مواجهة إسرائيل، بغض النظر عن انشغاله في الحرب مع أوكرانيا.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فإسرائيل تدرك جيداً الترابط الموضوعي والفعلي بين الساحات، بغض النظر عن تقاسم الأدوار، ولم يعد كافياً القبول السلبي للأعمال العسكرية على الأرض السورية ضد كوادر ومستودعات حزب الله أو أي تنظيمات أخرى تنتمي إلى محور الممانعة، بل أصبح مطلوباً، ليس فقط اسرائيلياً بل أمريكياً وغربياً وعربياً، التخلص من أسس ومرتكزات النفوذ الإيراني في سورية، وربما في جميع أماكن تواجده، هنا يصبح النظام أمام الخيار الصعب، إن لم يكن المستحيل، فعدم الاستجابة لهذا المطلب تبقي الأرض السورية دريئة للسلاح الإسرائيلي، وعلى هذه الأرض يتداخل بنك الأهداف الإسرائيلية بين ما يخص النظام وما يخص إيران وما يخص حزب الله والميليشيات الأخرى، وهذا التداخل ليس عسكرياً فحسب بل يرتبط أيضاً باختصاصات أخرى ميليشياوية كالأتاوات وتهريب المخدرات …الخ. وفي حال الاستجابة للضغوط الإقليمية والدولية فإن النظام يضع نفسه في مواجهة حليف، ليس فقط في محور الممانعة، بل في المحافظة على السلطة والدفاع عنها باعتبارها شريكة في مشروع نشر وتعميم الفكر الشيعي، باعتباره المشروع التوأم للمشروع الفارسي في المنطقة. من الواضح أن النظام لم يقرر بعد الخروج من محور المقاومة، لكن إحصاء القواعد العسكرية والمصانع والمستودعات ومراكز البحوث المشتركة والمراكز الثقافية وأماكن الدعوة ومناطق التجمع الطائفية، كل ذلك يوضح الصعوبة والكلفة العالية المترتبة على اتخاذ مثل هذا القرار، حتى بافتراض وجود تململ سوري واضح في مناطق تواجد النفوذ الإيراني والميليشياوي الممتدة تقريباً على معظم الجغرافية السورية.
أخيراً إذا كان النظام يستطيع التخلص من تلك الاختيارات الصعبة، والركون في منطقة ما، منطقة وسطى، وربما حتى تحسين وضعه، فسيكون ذلك بفضل التغييرات التي ستطال المنطقة بكاملها، ومن ضمنها النظام الإيراني الذي بدأ يدرك أن الحفاظ على دولته وإخراجها من عزلتها الدولية وأزمتها الاقتصادية، وهو الهدف الأسمى لإيران، يقتضي إحداث تحول جذري في طبيعة محور الممانعة، دون التخلي عن المشروع الفارسي-الشيعي، وربما يضمن له هذا التوجه الجديد نفوذاً هاماً في سورية، لكنه أبداً لن يكون نفوذاً عسكرياً.
إن الترويج لقرب التغيير في سورية لا يزال تعبيراً عن رغبة أكثر مما هو تحليل للتطورات الحاصلة رغم أهميتها، مع ذلك فإن بداية تفكك سردية محور الممانعة سيضع السوريين أمام أوضاع جديدة ربما تسهل عملهم باتجاه تحقيق حلم التغيير والانتقال السياسي من خلال القرارات الأممية وصولاً إلى سورية الديموقراطية دولة المواطنة الضامنة للحقوق الفردية والجماعية لمواطنيها.

تيار مواطنة – مكتب الإعلام

19 تشرين الثاني-نوفمبر 2024

Loading

Author : Majeed aboud

Majeed aboud

RELATED POSTS

One thought on “نظام الأسد بين سندان طهران ومطرقة تل أبيب”

  1. المقدمة الكبرى تحتوي على نتيجة لا تتسق مع الاستنتاج الذي وصل إليه كاتب المقال؛ فإن ركن النظام ودُجن الوحش الإيراني أو بالأحرى التزم المستوحش الإيراني بالتعليمات ولم يخرج عن السيناريو، كما سبق وفعل وحاول الحصول على حصة أكبر من المسموح له بها؛ فالأرجح أن حافظ بن بشار بن أنيسة سيكون الرئيس التالي لسوريا وبنفس الشروط والظروف – إن بقيت سوريا كيان واحد-. أما إذا تم تقسيمها إلى كانتونات تأخذ تعليماتها من تل أبيب – إن بشكل مباشر أو غير مباشر، إن علنًا أو من تحت الطاولة؛ فالأمر سيختلف مظهره لكن الجوهر واحد… يعني نفس الـ… بس غير ريحة.
    فالج لا تعالج.

Leave A Reply