صورة متكاملة من دون «رتوش» ـ اياد ابو شقرا

مقالات 0 admin

الصورة تتكامل الآن من دون «رتوش»

أولا، تحييد مصر عن دورها القومي، الرافد الحيوي لأمتها العربية الجريحة، يسير بخطى حثيثة بعد الفشل المتوقع سلفا لتجربة «الإخوان المسلمين» في السلطة.

ثانيا، الإجهاز على سوريا مشروع يتسارع تنفيذه بخطى ثابتة على الطريق إلى إقراره رسميا في «جنيف 2»، بالتعاون والتضامن بين النظام ورعاته الإقليميين، وحلفاء رعاته الإقليميين (معلنين ومستترين)، والإدارة الأميركية التي يظهر أنها ما زالت ملتزمة بمخطط «الشرق الأوسط الجديد».. على الرغم من تغير الهوية الحزبية لساكن البيت الأبيض.

ثالثا، التصفية النهائية للقضية الفلسطينية بإنهاء فرص قيام «دولة فلسطينية قابلة للحياة» جارية على قدم وساق، بدليل وقوع الإدارة الأميركية على مارتن إنديك «وسيطا» جديدا في التفاوض العبثي بين الفلسطينيين وبنيامين نتنياهو. ولا بد أن البعض يتذكر أن باراك أوباما تراجع عن كل التزاماته الشرق أوسطية وخذل وسيطه الأول السيناتور جورج ميتشل عند أول «فيتو» رفعه بوجهه نتنياهو. وهذا، طبعا، من دون أن ننسى – ولو على سبيل حسن النية – استحالة توافر عنصر النزاهة عند «الوسيط» ما لم يكن على مسافة واحدة من طرفي النزاع.

رابعا، وصول ارتباك «الإسلام السياسي» إلى حالة من الضياع القاتل تتجلى من ناحية في الصدام الطائفي – المذهبي الذي عجل المشروع الإيراني في بلوغه، لا سيما أن تنامي الظواهر الجهادية التكفيرية بات أنجع استثمار لطهران في علاقاتها السياسية الدولية. وها هي طهران الآن تلوح بخطر هذه الظواهر أمام الدول الغربية بطريقة توحي بأنها تسعى إلى «تحالف» معها بذريعة التصدي للجهاديين والتكفيريين باعتبارهم عدوا مشتركا. وهكذا، تعيد طهران تأهيل نفسها ليس كقوة إقليمية يمكن التفاهم معها، بل تغدو حليفا لا مجال للاستغناء عن خدماته. ولعل مضمون كلام بشار الجعفري – وما أدراك من هو بشار الجعفري – المكرر في مجلس الأمن الدولي، بالأمس، لا يحتاج إلى شرح. المندوب السوري لدى الأمم المتحدة كان، بطريقته الخاصة، يعرض أمام المجتمع «صفقة» تعاون بل تحالف ضد من يسميهم الجهاديين والتكفيريين، مع أن ثمة مؤشرات على أن مجموعة من هذه الجماعات نشأت وتكاثرت تحت سمع نظام الأسد وبصره، وفي أحيان كثيرة تحت رعايته، ومن ثم أخرج قياديوها من سجونه – خصيصا للغرض الذي يسعى إليه الجعفري ورؤساؤه.

عودة إلى مصر، لماذا يتوجب على المواطن المصري المفاضلة بين أشكال مختلفة من «أنظمة الإمرة»، أي الأنظمة التي لا تستند في شرعيتها على الإرادة الشعبية.. الواعية والمسؤولة؟ إن سنة كاملة من حكم «الإخوان المسلمين» أثبتت بالدليل المحسوس أنهم لا يؤمنون بالتفاهم الوطني العريض (consensus) الذي يشكل الأرضية الضرورية لأي تجربة ديمقراطية. لا يقيمون وزنا للرأي الآخر، ولا للفصل بين السلطات، ولا لفكرة الدستور الذي يكفل حماية مصالح الأقليات كالأكثريات.

في المقابل، إذا كان في صميم واجبات القوات المسلحة حماية الوطن، يصبح التدخل الذي حدث يوم 30 يونيو (حزيران) خطوة مبررة. غير أن العنصر الذي لا يقل أهمية عن حماية الوطن من شطط فريق من أبنائه يكمن في رعاية بناء ثقافة القبول بالرأي الآخر، والتصدي لممارسات الإقصاء والإلغاء والعزل، ومن ثم المباشرة منذ الآن إلى التأكيد على «الهوية المدنية» للدولة. هوية مدنية حقيقية.. لا «ثيوقراطية» ولا «عسكريتارية».

ولكن في سوريا الوضع ذهب أبعد من ذلك. وأزعم أن النظام الأسدي، بتعليمات من رعاته، ينفذ الآن «الخطة ب» التي تقوم على وضع اللمسات الأخيرة على خريطة تقسيم سوريا وتقاسمها. فإصرار النظام على إخضاع مدينة حمص وتهجير أهلها وممارسة التطهير الفئوي في المناطق المحيطة بها، مقابل إسقاطه من حساباته مسألة الاحتفاظ بمناطق شرق البلاد وشمالها، وربما أقصى جنوبها أيضا، يؤشر إلى سياسة مدروسة. والدور الفعال لحزب الله – الذي يتلقى أوامره من طهران – في القتال إلى جانب قوات النظام في عدة جبهات ينم عن أن مشروع تقسيم سوريا، الذي يقال إنه جزء أساسي من مشروع الشرق الأوسط الجديد، بات على نار حامية. إن القطاع الجغرافي الذي يحرص نظام الأسد على الاحتفاظ به يشمل شمال غربي سوريا (مناطق الكثافة العلوية) ووادي النضارة (أو النصارى)، ومحيط حمص ومناطق دمشق وريفها على امتداد الحدود مع لبنان. ولا شك أن هذا القطاع يعتمد على مشروع حزب الله الموازي داخل لبنان، الذي اكتمل تنفيذه تقريبا بتغطية مسيحية قصيرة النظر، وفرها له النائب ميشال عون وبعض كبار رجال الكنيسة المارونية من المؤمنين بـ«تحالف الأقليات». ومع رصد المواقف الإسرائيلية المعلنة، يبدو أن تل أبيب مرتاحة تماما للخريطة التقسيمية الجاري تنفيذها، ولا سيما في ظل نجاح الدور الموكل للقوات الدولية «الأندوف» في الجولان، و«اليونيفيل» في جنوب لبنان.. لجهة ضمان حدود ما بعد 1973. بناء على ما سبق، أعتقد أنه لا يجوز فصل مسألة تولي مارتن إنديك، أحد أركان «آيباك» أقوى «لوبي» إسرائيلي في الولايات المتحدة سابقا، مهمة تحريك المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية.. عن الصورة الكاملة لمقاربة إدارة أوباما مشكلات منطقة الشرق الأوسط المتشابكة.

من السذاجة توهم سبب لإصرار الإدارة الأميركية على دفع المعارضة السورية دفعا إلى «جنيف 2» من دون ضمانات برحيل نظام الأسد، وبلا شروط وبلا سلاح، بعيدا عن التصور الأميركي – الإسرائيلي المشترك لمستقبل المنطقة.

ومن العبث اللجوء إلى أي تفسير آخر لتغيير لهجة تركيا، والذهاب أبعد في إحراج الدول العربية التي توصلت منذ بعض الوقت إلى استحالة التعايش مع الأسد طالما أن قراره السياسي يتخذ في طهران.

في هذا السياق يصبح موضوع «الإسلام السياسي»، وبالذات في شقه الجهادي – التكفيري، سلعة مطلوب ترويجها لإيجاد المسوغات، ولكن المستغرب حقا التوقف عند ما هو مكشوف منه في تحليل تداعياته على الأرض في سوريا وغزة وغيرهما، بدلا من البحث في طبيعة تحالفاته والقوى التي تستغله وتستفيد منه.

30/7/2013- الشرق الاوسط

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة