سورية تتخبط في لجب عالم من غير قطب ـ آن أبلبوم *
يصطدم المـرء إذ يـدور الــكــلام على سورية بـالاســتراتــيجـيـة الأمـيركـيـة الـخـاويـة الوفاض، وميلها إلى التبسيط. وليس مرد الفراغ هذا شللاً في واشنطن. ففروع وزارتي الدفاع والخارجية لا تتأخر في تعداد نشاطاتها. وعلى سبيل المثل، أرسى مكتب وزارة الخارجية لشؤون عمليات النزاع والاستقرار برنامجاً لمساعدة المجالس المحلية ووسائل الإعلام والمجموعات المدنية في المناطق السورية المحررة. وتقدم المؤسسة الأميركية للتنمية الدولية مساعدات طارئة للنازحين السوريين البالغ عددهم حوالى 1.6 مليون شخص.
ونشر جنرال رفيع المـستوى مذكرة عن سورية تـتناول وجـه الـتدخل الممكن، ولكن لا تقوم قائمـة لهذه السـياسات من غير تنسيق. ولكن هل يُعقل أن الكونغرس لم يبحث قبل اليوم في تدريب المعارضة السورية وتقديم المشورة لها؟ يقول الجنرال مارتن ديمبسي أن ما يترتب على خيار التدريب هو «خطر الضلوع غير المتعمد بجرائم حرب». وثمة ثغرات كثيرة منها غياب التنـسـيق بين برنامج المساعدات الإنسانية الأميركية مع الحكومات الأوروبية – والتنـسـيق اقتصر في بعض الحالات على التعاون مع البريطانيين. ولا شك في أن وعد الرئيس أوباما بزيادة الاموال المخصصة للنازحين السوريين، لطيف، لكن أعدادهم سـتتعاظم وتبلغ 3.5 مليون شخص نهاية العام. ولا يبدو أن الإغاثة تذلل مشكلة هؤلاء تذليلاً طويل الأمد.
ولا يخفى أن عجلة الجهاز البيروقراطي الأميركي تتحرك ببطء يُقارب الشلل، وتعجز عن اللحاق بركب الحوادث. فمنذ الشتاء المنصرم يدور الكلام على تعاون ألماني – قطري لإنشاء صندوق ائتمان سوري، ويُتوسل بمثل هذا الصندوق في مجتمعات تفتقر إلى أجهزة دولة، وهو يرمي إلى تنسيق الإغاثة والمساعدات الإنسانية وتدريب المنظمات المحلية ورفع قدراتها على التنظيم والإدارة وتعزيز الثقة بالغرب. وتبين أن واشنطن ما زالت تبحث، على رغم مرور أشهر طويلة، في إمكان المشاركة في مثل هذه المبادرة (الصندوق) بسبب عدم تحديد الجهات الميدانية التي يمكن التعاون معها. وسمعتُ أن عجلة مولدات الطاقة التي سُلمت إلى القرى السورية، لم تتحرك لأن الأتراك يرفضون تصدير المازوت إليها، فيما قوانين التصدير الأميركية تحول دون مد القرى المحررة بمولدات للطاقة الشمسية. ولكن أليس حرّياً بنا بذل مساع تتسم بالجدية بعد مقتل مئة ألف سوري؟
في كل لحظة مفصلية، لم يصدر الموقف الأميركي في الوقت المناسب، وفي البدء أصابت واشنطن توقيت دعم «الناشطين السلميين»، ولكن سرعان ما قُتل هؤلاء أو اعتقلوا. ويوم بدأ (النظام) تصفية المتظاهرين السلميين برزت الحاجة إلى المبادرة لتدريب المقاتلين. لكن أحداً لم يحرك ساكناً. وفي الأثناء ساهم استشراء العنف في تطرف المقاتلين وقبولهم مساعدة المتطرفين الإسلاميين.
لا أزعم أن لحظة التدخل العسكري أزفت وفاتت، ولا أعرف إذا وجدت مثل هذه اللحظة، ولكن لا شك في أن خيارات البنتاغون لا يُعتد بها ولا فرص أمامه لاقتناصها بعد مرور عامين على الاستقطاب والعنف الوحشي.
ولا شك في أن غياب هدف التدخل، سواء كان سلمياً أو عسكرياً، فادح. فهل السعي هو إلى هزيمة بشار الأسد وتحقيق نصر في الحرب، أم هو سعي إلى إنهاء النزاع وإرساء وقف للنار وتشكيل حكومة غير إقصائية؟ فغاية السياسات تحدد وجه الفعل، سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً أو ديبلوماسياً. والعجز عن تحديد الهدف أو المأرب هو وراء السياسات العشوائية التي تفتقر التنسيق، ولا فائدة ترتجى منها ولا تفضي إلى حسم وحل. وليست هذه السياسات قدوة، فحال الحلفاء من حال أميركا. ويُقال إن الفرنسيين سلموا حقيبة مليئة بالمال إلى مجلس محلي وأن رئيس الوزراء البريطاني يريد تسليح المعارضة في سورية. والاتحاد الأوروبي منقسم على سورية، والأمم المتحدة على رأسها أمين عام هو الأضعف في تاريخها. أما أميركا فتقف موقف المتفرج، في وقت يبدو أن ليس في مقدور أحد تشكيل تحالف للمساهمة سلمياً أو عسكرياً في طي النزاع السوري.
في نهاية الحرب الباردة، اعتبر مراقبون إننا نعيش في عالم أحادي، ورأى غيرهم أننا نعيش في عالم متعدد الأقطاب. ولكن يبدو أننا نعيش في عالم من غير قطب، ووقع الحال هذه هو وقع الصدمة.
* محلّلة، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 26/7/2013، إعداد منال نحاس
الحياة ـ ٣١ يوليو ٢٠١٣