ديون النظام “الشائنة” ـ سلام السعدي
بخطى حثيثة، تسير سوريا باتجاه دوامة الديون الخارجية التي كانت قد خرجت منها في العام 2010. وفي حين تم إبرام الجزء الأكبر من الديون القديمة مع دول الاتحاد السوفييتي، يجري اليوم إبرامها مع روسيا وإيران، وبدرجة أقل مع الصين. ومن أثقل ماضي سوريا بالديون، يبدو اليوم أكثر مثابرةً بما يخص الحاضر، تحضيراً لمستقبل تكون فيه سوريا مدمرة حتى مالياً.
فقد وقعت سوريا منتصف الأسبوع الجاري على قرض جديد مع إيران، هو الأكبر منذ اندلاع الثورة، بقيمة 3.6 مليار دولار أميركي. فيما أنهى نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل زيارة إلى موسكو منتصف الأسبوع الفائت متوقعاً أن تتفق دمشق وروسيا قبل نهاية هذا العام علي قيمة القرض الجديد الذي سيقدم إلى سوريا.
ويقدر المركز السوري لبحوث السياسات أنّ “الدين العام لسورية داخليا وخارجيا ارتفع من 48 في المئة من الناتج المحلي عام 2012 إلى 65 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي 2013”. أما الدين الخارجي فقد شكل “خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”. ويعتبر ذلك تطوراً خطيراً إذا ما أخذنا بالاعتبار أن تلك النسبة اقتصرت في العام 2011، لدى اندلاع الثورة، على 8 في المئة فقط، وهو ما ينذر بالعودة إلى حقبة الدين الخارجي المرتفع. في تلك الحقبة التي وافقت تسعينيات القرن الماضي، تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج عتبة 100 في المئة، ووصلت في العام 2000 إلى 119 في المئة.
وبحسب بيانات البنك الدولي، بلغ الدين الخارجي لسوريا في العام 2001 نحو 21 مليار دولار، وهي مديونية عالية قياساً بالدول العربية الأخرى، إذ لم تسبق سوريا في المديونية حينها إلا الجزائر (25 مليار)، ومصر (27مليار). ثم لتبدأ سلسلة من الانخفاضات الطفيفة في الدين الخارجي استمرت نحو عقد من الزمن. وشهد عام 2005 تحولاً هاماً بعد التوصل إلى تسوية مع روسيا شطبت على إثرها 73 في المئة من قيمة الدين السوري، ليسجل الدين الخارجي في هذا العام 6.5 مليار دولار. وأعلنت سوريا في العام 2010 أنها أغلقت بشكل كامل ملف الديون الخارجية، وذلك بعد توقيع اتفاقية مع بلغاريا لتسوية ديون تبلغ قيمتها 71 مليون دولار.
لكن النظام السوري ومع اندلاع الثورة، عاد تدريجياً إلى سياسة الاقتراض، ففضلاً عن القرض الإيراني الأخير هذا الأسبوع، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة نهاية الشهر الماضي على اقتراض مليار دولار من إيران “من أجل تحقيق الاستقرار لليرة السورية”. بالإضافة إلى قرض آخر بالقيمة ذاتها ومن الجهة نفسها أعلن عنه رئيس الوزراء وائل الحلقي في وقت سابق. يضاف إلى ذلك ما تسرب من أنباء عن شراء روسيا والصين لسندات حكومية بمليارات الدولارات.
الأهم هو ما صرح به جميل مطلع الشهر الحالي في مقابلة لصحيفة “فاينانشيل تايمز” البريطانية. إذ تحدث عن أن إيران وروسيا والصين تقدم للنظام كميات من النفط وقروضا إضافية بقيمة نحو 500 مليون دولار شهرياً. كما أشار إلى أن طهران قدمت خطا ائتمانيا مفتوحا لشراء المواد الغذائية والمنتجات النفطية.
طبعاً هذه المبالغ الضخمة ليس هبات، بل قروض ستثقل كاهل أي نظام يحكم سوريا مستقبلاً، وتقيد تطلعات السوريين نحو حياة أفضل. ومن ثم، هل يتوجب على السوريين سدادها لاحقاً؟
يحيلنا ذلك إلى الكسندر ساك، أستاذ القانون الدولي الذي سبك مصطلح “الدين الشائن”، وقال فيه: “إذا ابرم نظام استبدادي ديناً، ليس وفق احتياجات الدولة ومصالحها، بل لتعزيز نظامه الاستبدادي وقمع السكان الذين يناهضونه، فهذا الدين شائن بالنسبة لسكان الدولة جميعاً، وهو غير ملزم للأمة، انه دين شخصي على السلطة التي أبرمته، و يسقط بسقوطها”.
في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية، أعلن الشماليون المنتصرون رفض تحمل عبء دين الجنوبيين، الذي كان قد تراكم عبر قروض خصصت للدفاع عن نظام تأسس على العبودية. من المرجح، أن على حلفاء النظام أن يتحسسوا ديونهم “الشائنة”، فقد نشهد إعلانا مماثلا من قبل السوريين.
الاربعاء 31/07/2013, المدن