كلفة تعجيزية لإعادة إعمار سوريا ـ مروان أبو خالد
تشهد السوق السورية ارتفاعات جنونية في أسعار مواد البناء والإكساء بمعدل وسطي بلغ قرابة 300%، الأمر الذي سيكون له انعكاسات خطيرة، خصوصاً في ظل حاجة المواطنين لشراء هذه المواد لإعادة ترميم ما خلفته الحرب التي أشعلها النظام من خراب ودمار في المنازل والبنى التحتية.
إذ تراوح سعر طن الحديد ما بين 102-108 آلاف ليرة سورية، ووصل سعر طن الإسمنت لحدود 16 ألف ليرة، برغم أن سعره الرسمي محدد بـ 12500 ليرة. كما تجاوزت أسعار النقلة الواحدة من الرمل والبحص حد الـ75 ألف ليرة، بعد أن ارتفعت تكاليف النقل ما يقارب من 5 أضعاف. وذلك في ظل خوف السائقين وأصحاب سيارات الشحن من العمل، نظراً لانتشار أعمال السطو المنظمة على سيارات الشحن التي تقل مواد البناء من ناحية، وارتفاع أسعار البنزين والمازوت وفقدانه في حالات كثيرة من ناحية أخرى.
أمّا في ما يتعلق بمواد الإكساء كالسيراميك والبلاط والأدوات الصحية والكهربائية، فقد ارتفعت بمعدلات خيالية ما بين 200-400% تبعاً لجودة المواد ومنشئها المحلي أو المستورد، مع العلم أن أسعارها كانت تفوق دائماً سعر صرف الدولار ولا تنخفض بانخفاضه، كما أن الاستيراد لم يتوقف أي لم يحصل نقص في معروض هذه المواد بشكل يبرّر ارتفاع أسعارها، لأن الاستيراد ما زال جارياً من الدول التي لم تقاطع سوريا كإيران والصين، وهذا ما يحمل دلالة واضحة عن دور تجار الأزمات المحتكرين المرتبطين بالحكومة في رفع الأسعار بشكل غير مبرر اقتصادياً.
ونتيجة لهذه الأسعار لمواد الإسمنت والإكساء، فقد ارتفع متوسط تكلفـة بناء وإكساء المتـر المربـع من 10 آلاف ليرة العام 2009، إلى ما يقارب 15 ألف ليرة في حلب، و14 ألف ليرة في دمشق العام 2013، ذلك وفقاً للأرقام الحكومية غير الدقيقة إطلاقاً، والتي تهدف من خلالها إلى تزوير الوقائع بشكل فاضح. لأنه لو اعتبرنا أن زيادة أسعار الإسمنت ومواد الإكساء بلغت بالحد الأدنى 200%، فهذا يعني أن تكلفة المتر الواحد اليوم لا تقل عن 30 ألف ليرة سورية، وهذا ما أكده أحمد، أحد العاملين في مجال البناء لـ”المدن” : “إن تكلفة بناء المتر المربع تبلغ حوالي 11ألف ليرة سورية على الهيكل، وتصل تكلفته مع الكسوة لحدود 30 ألف ليرة بالحد الأدنى، ولا يوجد سقف سعري لتكلفة المتر المربع المكسي، فقد يتجاوز الـ 50 ألفاً تبعاً لجودة المواد المستخدمة، والأجرة التي يطلبها معلم البناء بعد ارتفاع التكاليف كافة بشكل كبير، فعلى سبيل المثال تضاعف أجر العامل العادي الذي يساعد معلم البناء من 500 ليرة إلى 1000 ليرة يومياً، كما وارتفع سعر البلوكة من 15 ليرة إلى 60 ليرة دون احتساب تكاليف النقل”.
ويتجلى الأثر الخطير الذي يترتب على الارتفاع الجنوني في أسعار الإسمنت ومواد البناء في قضية إعادة الإعمار، فإن كانت مسألة إعادة الإعمار الشاملة وخاصة للمنازل التي تهدمت كلياً بفعل الحرب مسألة مؤجلة إلى حين نضوج تسوية سياسية ما توقف الحرب في البلاد، فإن ترميم وإصلاح المنازل التي تضررت جزئياً هو موضوع ملح وممكن حالياً. وقد تراوحت تقديرات المنازل المتضررة جزئياً ما بين 450-500 ألف مسكن، ولو افترضنا أن كل مسكن تقطنه أسرة مكونة من 3 أشخاص، فهذا يعني أن قرابة المليون ونصف المليون من المواطنين المشردين خارج منازلهم، يمكنهم العودة لها لو كانت أسعار مواد البناء رخيصة ومعقولة. فالأسر التي هجرت منازلها المتضررة جزئياً، لاشك أنها تفضل ترميم منازلها والعودة اليها بدلاً من دفع تكاليف إيجار منزل آخر، لاسيما في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الإيجارات الشهرية، ولو أن الحكومة يعنيها حقاً مثل هذا الأمر، وتضع مصالح المواطنين على سلم أولوياتها، لساهمت بتقديم مواد الإسمنت والبناء بأسعار معقولة، ولدعمت عمليات الترميم الجزئي التي ستسهم بالتأكيد في حل أزمات اقتصادية واجتماعية وإنسانية عديدة يعانيها المشردون خارج منازلهم، ولكن لا عجب من عدم قيام الحكومة بذلك، إذ كيف يمكن لحكومة ساهمت بدمار منازل الناس أن تقوم بدعمهم لإعادة بناءها.
يضاف إلى ذلك الآثار المترتبة على قطاع البناء والتشييد الذي يستقطب ما يقارب من 16.1% من اليد العاملة السورية حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء، فقد شهد هذا القطاع تراجعاً حاداً، وتقلصت عمليات البناء بنسبة ناهزت الـ90%، وما تبقى منه على قيد العمل، ليس سوى تشييد أبنية مخالفة من قبل التجار المحتكرين أصحاب النفوذ لدى الحكومة والذين استغلوا فوضى الظروف الراهنة ليقوموا بالبناء في المناطق التي لا تزال تعتبر آمنة نسبياً، وذلك ليس مرده إلى وجود سوق عقارية مزدهرة، فهذا النوع من البناء لا يهدف للبيع، بل يهدف إلى التخلص من السيولة النقدية خوفاً من انهيار قيمة الليرة، وبمعنى آخر فإن هذه العمليات تهدف للحفاظ على ثروة التجار من الليرات السورية عن طريق تحويلها الى قيم عقارية مجمدة مؤقتاً.
لقد أسهمت الحكومة في الارتفاع الجنوني بأسعار مواد البناء، فهي لم تقم بأي جهد يذكر لضبط السوق ومنع التجار من رفع الأسعار من ناحية، وأسهمت في خلق فوضى الأسعار بعد رفع سعر كيلوواط الكهرباء وسعر طن الفيول المستخدم بصناعة الحديد والإسمنت من ناحية ثانية، الأمر الذي سيؤدي الى كارثة حقيقية تنذر بانهيار الصناعات الوطنية المنتجة لهذه المواد، وقد يكون هذا هو المطلوب، في ظل التوجه نحو منح استثمارات إعادة الإعمار لشركات أجنبية صينية أو إيرانية أو روسية كثمن سياسي لهذه الدول المؤيدة لبقاء النظام في سوريا.
الثلاثاء 30/07/2013, المدن