جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تعود خطوة إلى الخلف

مقالات 0 admin

استقالة المتحدث الرسمي باسم الجماعة عنوان لتصدعات قادمة

لندن – تفجرت مؤخرا الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وكان ذلك منتظرا، وبعضها بفعل الارتدادات التي خلفتها التحولات التي جرت في مصر، وما كان من سقوط لدولة الإخوان المصرية، وتضعضع التجربة الأردوغانية بعد مظاهرات تقسيم، وقبل ذلك وأثناءه التغييرات التي وقعت في قطر وما عبر عنه انتقال للحكم الداعم للإخوان السوريين إلى الأمير الابن في سياق يومئ بأن المنطقة على أبواب خلطة جديدة للأوراق في تقلص مواقع الإسلاميين في دول الربيع العربي، بعدما استفحل خطر فكر الجماعة وتصوراتها للحكم على هذا «الربيع»، وقد وصلت ارتدادات العاصفة الثائرة في وجه الإخوان إلى تونس وليبيا اللتين شهدتا، بدورهما توترات كبيرة بفعل الصراع بين الأجنحة الإسلامية المتصارعة على غنيمة الربيع العربي، من جهة وبينها وبين القوى والتشكيلات السياسية والعسكرية الأخرى المختلفة عنها في مرجعياتها الفكرية والأيديولوجية.

صعد الخلاف داخل جماعة الإخوان المسلمين السورية إلى السطح عندما تناقلت وسائل الإعلام خبرا عن استقالة القيادي الإخواني زهير سالم المتحدث الرسمي باسم الجماعة المقيم في لندن من موقعه.

وفي اتصال معه قال زهير سالم لـ»العرب»: «نظرا لأننا نتبع أصولا وشروطا محددة داخل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، تنص على أننا لا يمكن أن نعرض بأخبار التنظيم الداخلية في وسائل الإعلام لذا فإنني لا أريد أن أعلق على هذا الخبر وأن أذهب بجماعتي إلى حيث يريدنا الآخرون»، وأضاف، «أن هذا الخبر تم نشره من خلال أحد الصحافيين الذي تجمعني به علاقة جيدة والذي أعربت له عن انزعاجي لنشر مثل هذه الأخبار، من دون أن أعطيه تصريحا بذلك. وأضاف مكررا «هذا الخبر ليس محل تعليق من قبلي». وختم «سوف أظل وفيا لجماعة الإخوان المسلمين التي قضيت فيها ما يقرب من خمسين عاما».

رأس جبل الجليد

يبدو أن استقالة سالم ليست سوى رأس جبل الجليد الذي يجمد الخلافات بين الأطراف والأجنحة المتصارعة داخل الجماعة والتي رافقتها منذ نشأتها في أواسط الأربعينات. والمعروف أن هناك تيارين كبيرين أساسيين يتصارعان داخل الجماعة من أجل قيادتها هما تيار حلب وتيار حماه. ومن أبرز شخصيات الأول المراقب العام الأسبق والشخصية الأقوى في الجماعة اليوم، علي البيانوني، الذي ترك قيادة الإخوان ليس زهدا فيها ولكن لوجود قانون انتخابي في الجماعة يمنع المراقب العام من الاستمرار في منصبه لدورة إضافية.

لكن البيانوني حافظ على قوته في الجماعة نتيجة لعلاقاته المتعددة بالغرب، ولسبب آخر يتمثل في قوة الجناح الحلبي في الجماعة، إزاء شخصيات حموية مثل فاروق طيفور نائب المراقب العام، الذي هو عمليا مندوب الإخوان لإدارة شؤون «المجلس الوطني السوري» ومن ثم «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة».

أما الشخصية الأخطر في الجماعة فهي ملهم الدروبي، الكندي الجنسية المقيم في السعودية، والذي قام بتمثيل الإخوان المسلمين في اللقاء الدولي الذي دعا إليه برنار هنري ليفي في باريس.

وصرح أكثر من مرة أنه ليس نادما على التواصل مع شخصية داعمة لإسرائيل مثل برنار ليفي وأنه مستعد للاستمرار في هذا التواصل.

ويعد ملهم الدروبي الخطر المحيق بالجناح المحافظ للجماعة والذي يمثله فاروق طيفور وزهير سالم والقيادات المسنة الأخرى.

أما القيادي المستقيل زهير سالم، فكثيرا ما بررت قيادات الإخوان غيابه عن الساحة السياسية بعدم تمكنه من مغادرة بريطانيا، بينما بدا الأمر وكأن هناك قرارا داخليا بإبقائه في الصف الخلفي، نتيجة لما عرف عنه من انفتاح على التيارات الأخرى، ومرونة في التعاطي.

وكما أشرنا فإن هذه لا تعد المرة الأولى التي تتعرض فيها جماعة الإخوان المسلمين السورية للتصدعات والانشقاقات فقد شهدت فترة أواسط الستينات انقساما كبيرا عقب وفاة المراقب العام مصطفى السباعي والذي كان قد فوض ممثله عصام العطار بالقيام بمهام المراقب العام أثناء فترة مرضه الأمر الذي لم ينل اعترافا شرعيا من جناح واسع من قيادات الحركة وقواعدها في المدن السورية، باستثناء العاصمة دمشق.

فانقسم الإخوان إلى جناحين جناح عصام العطار، وكان يدار من مدينة آخن الألمانية، وجناح الشيح عبد الفتاح أبو غدة الذي اختير في الوقت نفسه مراقبا عاما للإخوان. فاندفع جناح عصام العطار إلى العمل على المستوى الدولي بالتنسيق مع رجل الأعمال المصري يوسف ندا الذي يتفاخر ويباهي بأن لديه أكثر من مئة مليون عضو في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عبر العالم. بينما اتجه جناح عبد الفتاح أبو غدة إلى العمل السياسي والدعوي المحلي داخل سوريا.

ثم ما لبث أبو غدة أن تنازل عن قيادة الجماعة للمهندس عدنان سعد الدين، وكان هذا القيادي الإخواني يقوم بالتسلل إلى سوريا بصورة مستمرة لإعادة تأهيل خلايا الإخوان في المدن والمحافظات السورية طيلة فترة السبعينات، في الوقت الذي برز فيه اسم البيانوني كمسؤول عسكري ومنسق للعلاقات مع نظام صدام حسين.

الطليعة المقاتلة

إبان المواجهة المسلحة بين نظام حافظ الأسد وتنظيم الطليعة المقاتلة، تردد الإخوان في دعم مقاتلي الطليعة، بينما امتدح حافظ الأسد موقفهم الدعوي، ثم ما لبث أن انقض عليهم بإصداره القانون 49 الذي يقضي بالإعدام على كل من ينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين.

ثم تشكلت جبهة إسلامية لتوحيد أجنحة الإخوان سرعان ما تفككت، ونجح حافظ الأسد في إدخال الإخوان المسلمين في غيبوبة سياسية طوال عقدي الثمانينات والتسعينيات استفاقوا منها في لحظة توقيع «إعلان دمشق» الذي ضم عددا من القوى السياسية اليسارية واليمينية السورية المطالبة بالديمقراطية.

ولم يتمكن الإخوان من الالتزام بإعلان دمشق طويلا، فكان الظهور المفاجئ لعلي البيانوني مع نائب رئيس الجمهورية المنشق عبد الحليم خدام وإعلان تشكيل «جبهة الخلاص» بمثابة الصدمة لحلفاء الإخوان في «إعلان دمشق» الذين استنكروا هذه الشراكة ما بين الإخوان وأحد رموز الفساد، كما كانوا هم أنفسهم يصفون خدام.

خطوة إلى الخلف

ثم جاء إعلان الجماعة عن تعليق معارضتهم لنظام بشار الأسد إبان الحرب على غزة. وما جرى في إسطنبول مؤخرا بعد انحسار الدور القطري، أن الإخوان قرروا أن يتراجعوا خطوة إلى الخلف مادام الصراع على سوريا قد اتخذ طابعا طويل الأمد، معلنين التفاتهم إلى العمل على الأرض داخل سوريا بكافة الأشكال الإغاثية والعسكرية والدعوية، تاركين وراءهم القوى المختلفة تتصارع على الحصص والمقاعد الإسمية، على أمل أن يفوزوا هم بالحصص الواقعية على الأرض.

وبينما هم ينفذون انسحابهم فوجئوا بالتغيير في مصر، مما خلف لديهم شعورا بعجز مفاجئ وضعف سربه إليهم ما استجد من ضعف شوكة الإخوان على الخارطة العربية، وهو ما خلق جدلا متناميا داخل الجماعة كان لابد أن تطفو بعض آثاره على السطح، وأولى تلك الآثار والعلامات، تمثلت في خروج المتحدث الرسمي عن صمته، والمجاهرة بانتقاد حكم الإخوان في مصر وتبعيته لقرار المرشد.

كل هذا حدث في الوقت الذي كان الإخوان المسلمون في سوريا يحاولون تأسيس حزب سياسي مدني على غرار أحزاب العدالة والتنمية، أو الحرية والعدالة في تركيا ومصر والمغرب وغيرها، إلا أن غياب البنية الفكرية المدنية داخل الطيف السوري جعل ولادة حزب كهذا متعسرة للغاية.

ومن المرجح أن الإخوان السوريين استشعروا أن عقدهم لو انفرط، لسبب أو آخر، من دون وجود ذلك الحزب فسيكون من الصعب على الإسلام السياسي أن يلعب دورا بارزا في مستقبل سوريا.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة