واشنطن بوست: لأول مرة بالتاريخ نظام يقصف شعبه بـصواريخ سكود! عبد الكريم بدر خان
في أواخر حزيران, وخلال دورة مراقبة لمعونات اللاجئين, زرتُ مخيم النازحين في أعزاز على الطرف السوري من الحدود السورية التركية. وكانت صفوف الخيام تسير بعيداً في الغبار تحت وهج الشمس الحارقة، تحت 104 درجة فهرنهايت في الظل. إن كنوز الحياة عند اللاجئين؛ تتلخّص فيما إذا صادف مكانُ الخيمة مكانَ حظيرة من الخرسانة القديمة. هنا, ينتظر الآلاف – بشكل يائس- أي فرصة تسمح لهم بدخول تركيا.
إنها ضخامة الموت والدمار في سوريا, ويُعتبر هؤلاء اللاجئون محظوظين باعتبارهم ناجين من حطام السفينة السورية. لم تكن كارثةً طبيعية، إنه الإجرام الشامل من قبل الرئيس السوري بشار الأسد والزمرة التي حوله، هذا هو واقع الثورة السورية منذ آذار 2011. ولسوء الحظ, هذه الحقيقة يتم حجبها أو حتى التلاعب بها, وفق معايير “ما بعد الحداثة” الزاخمة في الغرب، فيقوم الغرب بالمساواة بين أطراف النزاع، ثم ينغمس في خدمة مصالحه الشخصية والبراغماتية، ويدعم نظرية المؤامرة أيضاً. والغرب رغم ذلك، ما زال بإمكانه الهروب مما أصبح جريمة القرن الـ21. إن إجرام النظام السوري ومسؤولياته، لهما عدة أبعاد، لكن ثلاثة منها تكفي كرسم إيضاحي.
– الأول: هو إصرار النظام على الرد على المتظاهرين العُـزّل بعنف وإرهاب, وتعذيب وقتل عشوائي. وذلك باعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, متحدثاً في حزيران: “ما يحصل كان من الممكن أن لا يحصل”، ويعني ذلك أن الأسد لم يقم بأي إصلاح جدي.
– الثاني: عدم إعطاء المعارضة أيّ خيار غير المقاومة المسلحة. فالنظام صاعد العنف باستخدامه لجميع أنواع الأسلحة الثقيلة، واستمر بفعل ذلك لعدة شهور ضد المدنيين العزّل. إن استخدام النظام العشوائي للصواريخ الباليستية طويلة المدى ضد شعبه يحصل لأول في التاريخ.
أما منظمات حقوق الإنسان، فقد كانت دائماً تقول إن النظام لا يتوانى عن ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. في حين أن أخطاء الجهاديين الفظيعة لا يجب أن تؤخذ بالحسبان, فجرائم قوات المعارضة أقلُّ فداحةً من جرائم النظام، وتقع على نطاق ضيّق ومحدود.
– الثالث: لقد فتح النظامُ النار على الإسلاميين المتطرفين, وبالطبع فقد لعب نظام الأسد دوراً قبل 2011 في تحريض الإسلاميين ليسببوا مشكلاتٍ في المجتمعات المجاورة المقسمة مثل لبنان والعراق. في كل الأحوال، إن تضخم الإسلاميين يتعلق فوق كل هذا بالحملات العسكرية للنظام السوري، والتي دفعت المناطق والأرياف المسلمة إلى الحائط. إن حكمَ الجهاديين المُطلَق الذي انتشر في شمال سوريا، ناجم عن العاصفة النارية التي أطلقها النظام السوري، هذه العاصفة النارية التي جذبت الجهاديين المتشددين الأجانب. ومن المؤسف أن ترى أحداً في الغرب اليوم، يستمع إلى كذب النظام السوري حول أنه في حرب ضد الجهاديين المتطرفين، ففي هذه الحالة ينطبق المثل القائل: “مشعلو الحرائق يزعمون أنهم رجال الأطفاء”.
ماذا عن المعارضة السورية.. في هذه الأيام السوداء؟ الائتلاف الوطني الموجود في تركيا خامل وبليد، والجهاديون يفرضون حكماً دينياً في الرقة وحلب وبعض الأماكن الأخرى, كما تبرز الصراعات الداخلية بعد انهيار البنية التحتية في المناطق المحررة.
وتبدو المعارضة المسلحة بالقوة النارية الضعيفة التي تملكها، وبالإمدادات المقيدة والمتقطعة عبر المدن والضواحي والقرى، تبدو كما لو أنها تقاوم من أجل البقاء على قيد الحياة فقط. إحدى اللافتات التي رُفعتْ في إحدى المظاهرات في قرية من محافظة إدلب, وتمَّ نشر صورتها في صحيفة عربية عالمية (الشرق الأوسط) بتاريخ 13 تموز, تقول هذه اللافتة: “علينا أن نبني دولة سوريا الحرة وفقاً لإرادتنا، وعلينا أن لا نستورد تجربة توربا بورا في أفغانستان”. و هذا ما يعبّر عن المشاعر الشعبية المضادة للإسلاميين, والتي سوف تنتشر بسرعة في الجو العام بعد انهيار النظام. أما فيما يتعلق بالأسد, فإن ملايين السوريين ومنهم اللاجئون, لم يغبْ عنهم مصدر هذه المصائب كلها، وهم يعلمون تماماً ماذا يعني بالنسبة لطموحاتهم وكرامتهم الإنسانية أن يفرض عليهم طوق الاستعباد.
مع مرور الوقت, تصبح المسؤولية عما يحدث في سوريا المدمَّرة مسؤوليةً موزّعة. المموّلون الإسلاميون في الدول النفطية يدعمون الجهاديين. إيران تصرُّ على إنقاذ الأسد باعتباره محافظ الولاية الإيرانية، وباعتبار أن إيران تتصرف كالإمبراطورية الفارسية. أما الغرب فقد جلس يتفرج، وترك أصدقائه يتقلّبون في الرياح.
رغم كل ذلك, لا شيء.. يمكن أن يحجب الإجرام الرئيسي، إجرام الذين تسبّبوا بكل هذه الفوضى، وكانوا هم محرّك الرعب: أي الأسد وأجهزته الأمنية
4/8/2013 – الأورينت