الكاهن المقامر!.. ميخائيل سعد*

مقالات 0 admin

maxresdefault

لاجؤون على أبواب أوربا لكن أين الأموال التي رصدت لمساعدتهم – ارشيف

قبل مباشرة الكتابة عن الكاهن المسيحي الذي باع روحه للشيطان، ولم يستطع مقاومة التجربة كما فعل المسيح، عندما جاءه الشيطان مختبرا إيمانه، فقد استجاب الكاهن المشرقي الذي يقطن كندا، لإغراءات الشيطان وذهب برفقته الى كازينو مونتريال وفي جيبوب “جبته السوداء” المباركة مئات ألوف الدولارات التي أودعها عنده المؤمنون لكفالة أهاليهم وأبناء طائفتهم الذين يودون الهرب من جحيم حروب الشرق اللأوسط إلى نعيم كندا وجنتها.

قبل كتابة هذا الموضوع، خمّنت أنه سيلاقي إقبالا من القراء الطائفيين، الذين سيجدون في سلوك هذا الكاهن دليلا على فساد طائفته كلها، لتبرير هجومهم الطائفي من جهة، ولتبرئة ذواتهم من لوثة هذا “المرض” الذي أصاب الجميع.

ورغم هذا السلوك الشائن من قبل كاهن إحدى الطوائف المسيحية، فإننا سنعثر، بين “المؤمنين” على مَن يبرر هذه الجريمة بدوافع متعددة، مثل “الإدمان” والضغوط النفسية. ولعل من أطرف المبررات التي ساقها أحد المسيحيين، في جلسة عامة مختلطة الأديان في أحد المقاهي، أن بدايات تردد الكاهن إلى الكازينو كانت مع مدمني قمار، ومن أجل مساعدتهم على التخلص من إدمانهم، ولكن الشيطان كان بانتظاره.

وعندما حاولت مناقشة هذا “المؤمن” بضعف حجته، انتحى بي جانبا وقال: لقد قلت ذلك لأن بعض المسلمين موجودون في الجلسة! وقد ذكرني كلام هذا الرجل “المؤمن” بكلام “مؤمنين” آخرين، ولكن إيمانهم مختلف، فهم “ثوار ومسلمون”.

ففي شهر نيسان من العام الماضي تم نهب و”تعفيش” معبر نصيب بالكامل، بما فيه من سيارات وبضائع، تعود ملكيتها للمواطنين، فقد قرأت تبريرات مخجلة لبعض من يدافع عن مخازي بعض “الثوار”، لمجرد أنهم يرفعون راية معينة.

حدث هذا في معبر نصيب وفي جميع المعابر والمدن التي انتزعها الثوار من نظام الأسد، ولم يتجرأ أحد على قول كلمة حقيقة بأن ما جرى ليس أكثر من عملية لصوصية، وكانت كلمة “غنائم” كافية للجم الأفواه، لما تحمله من مدلولات وحمولات تاريخية تلامس أحيانا جلباب رجل الدين، فتم الصمت.

تقول الروايات عن فضيحة الكاهن، إن الحرب قد أكلت الأخضر واليابس في سوريا والعراق، وإن وضع الناس المعيشي والأمني هناك في تراجع دائم.

وكانت حكومة حزب المحافظين، قبل أن تخسر الحكم، قد قالت إنها ستسهل استقبال اللاجئين من أبناء الأقليات، فسارع المهاجرون إلى كنائسهم لطلب العون من زعمائهم الدينيين، الذين بدؤوا في جمع الأموال النقدية (الكاش) لتأمين الكفالات المطلوبة.

رافق ذلك الكثير من الفوضى مع حسن الظن والثقة بالعاملين في الكنيسة من رجال دين ومؤمنين.

ولما كانت النفس أمّارة بالسوء، وخاصة في غياب الرقيب، فقد وجد ذلك الكاهن بين يديه ألوف أو مئات ألوف الدولارات دون رقيب غير عين الله التي لا تنام، فوسوس له الشيطان بإمكانية مضاعفتهم، في الكازينو، دون أن يعرف أحد، وكانت النتيجة خسارة الأموال، وانتشار خبر الفضيحة.

لم أكتب هذا المقال للتشهير برجل الدين، فمثله كثر في كل الأديان والمؤسسات الرسمية والخاصة، ولكن أردت الإشارة إلى أن غياب الشفافية والتوثيق والرقابة والمحاسبة، في أي مؤسسة، دينية أو دينيوية، سيؤدي إلى الانحراف والاستبداد وضياع المال العام، ويمكن ملاحظ ذلك في كل مكان، في مؤسسات النظام كما في مؤسسات الثورة المدنية والعسكرية.

ما يهمني في الحقيقة هي المؤسسات المحسوبة على الثورة وطرق صرف الأموال فيها.

ما إن توضحت معالم الثورة في سوريا وشمولها لكل فئات الشعب في الأشهر الأولى حتى بدأت الأموال بالتدفق دون حساب، أو بحساب دقيق، على طريقة “الفوضى الخلاقة”، فمن كان يرمي المال كان يعرف “أن المال الداشر بيعلم الناس عالسرقة”، وهذه ستكون أفضل السبل وأسهلها لحرف الثورة عن أهدافها في الحرية والعدالة والديمقراطية.

فالشيطان يرافق دائما المال، فكيف إذا كان “داشرا”، ويتربع على أكتاف حامله، يقوده إلى تحقيق نوازعه الخبيثة ودغدغة المخفي منها، و”المقامرة” بدماء الشعب وأهدافه النبيلة في الحرية والانعتاق من سلاسل الاستبداد.

في الأوقات التي أمضيتها في اسطنبول التقيت بكثير من السوريين؛ منهم من كان في مكاتب المعارضة، ومنهم من كان في مكاتب الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية، من إعلامية أو إغاثية أو عسكرية، وكان القاسم الأعظم المشترك بين الأحاديث المروية هو قصص المال “الداشر” الذي قاد ويقود إلى فساد هؤلاء “الثوار”، هذا عداك عن تحكمه بحركة الفصائل العسكرية وولاءاتها لمن يدفع أو يقدم السلاح.

ثارت ثائرة السوريين إثر اكتشاف عصابة لبنانية تستغل السوريات هناك، وهو في المحصلة عمل قذر، قامت به عصابة مجرمة، مستغلة الأوضاع الإنسانية من فقر وجوع للاجئات السوريات، ولكن ما قولكم في سلوك مسؤولين عن مؤسسات إعلامية “ثورية” لا يقبلون توظيف صبية ما إلا اذا أبدت استعدادها لتلبية رغباتهم الجنسية “الثورية”؟!

وما رأيكم في “مالك” مؤسسة خيىرية يجبر إحدى العاملات عنده أن تكون جاسوسة على زميلاتها وزملائها، تعمل لحسابه، وإذا رفضت يكون الطرد نصيبها فتجد نفسها في شوارع المدن التركية، وهي التي تركت بيتها وأهلها ومدينتها من أجل الثورة، فهل يحق لنا بعد هذا لوم عصابة إجرامية لبنانية على استغلال السوريات الجائعات العاريات في أكواخ اللجوء، في الوقت الذي نصفق فيه للعصابات المافيوزية الكبرى التي ترفع رايات وشعارات الثورة دون رقيب أو حسيب!!؟؟

لن أتكلم عن ملايين الدولارات التي تم تداولها بين “الثوار”، وحتى لو أردت فلا أعرف أصلا، ولكنني رأيت بعض آثارها في الفنادق والمطاعم والطائرات والثياب.

خلاصة الكلام، إن الطيبة والسذاجة وغياب الشفافية والفوضى المقصودة وغياب مبدأ المحاسبة تجعل جريمة الكاهن المقامر عملا يتكرر في كل مكان، الخاسر الكبير فيه هو الناس العاديون وجهدهم وأموالهم وأحلامهم، والرابح الحقيقي هي البنوك في الملاذات الآمنة، فهل نتعلم!؟

*من كتاب “زمان الوصل” | 2016-04-05 03:42:16

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة