الجديد في حراك السويداء الجديد-رامي نصر الله

مقالات 0 admin

تبدأ الهدنة، فتعود المظاهرات في بعض المناطق الخارجة عن سلطة النظام بقدر ما تسمح الهدنة بذلك. وتصل عدواها إلى السويداء رغم وقوعها تحت سلطة النظام؛ لتخرج فيها عدة مظاهرات متقطعة كل بضعة أيام، في حدثٍ أعاد حماس الكثيرين وشوقهم للحراك المدني وغيَّر من مزاجهم المتشائم.

لكن، ما الذي غيَّره في الواقع؟

لا تزال السويداء تلك المحافظة المنسيَّة سياسياً من حسابات النظام والمعارضة على السواء، يعاني ساكنيها من حالة معيشية ضيقة، وخدمية سيئة، وأمنية لا تخلو من بعض انفلاتات السلاح والخطف والسرقة، والقليل من الاشتباكات المتقطعة في القرى المحاذية للمناطق الخارجة عن سلطة النظام؛ مما أبعد الكثيرين عن زراعة أراضيهم، وصعَّبت الحواجز المنتشرة بين نواحيها التنقل على المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية. فتقيَّد عمل معظم شبَّانها وبحثهم عن لقمة العيش، خاصة مع فصل غالبية الموظفين المطلوبين منهم، واستمرار الأزمات على الوقود والماء والكهرباء. مما جعل الكثيرين يلجأون للاحتماء بتلك الحواجز عن طريق تطوعهم في مختلف التشكيلات العسكرية القائمة عليها، ودخول البعض في عمليات التهريب على اختلافها، واستثمار حتى الأرصفة بالبسطات وأي عمل إضافي. وبات جل طموح معظمهم الهجرة للخارج، رغم غموض مصير ومستقبل من سبقوهم.

وتحت هذا الضيق قهرٌ يكاد لا يُحتمل، ينخر في صبر الناس ويلاحق أحاديثهم وجلساتهم. لكن قسوة الحقيقة وعدم القدرة على تحمل مواجهتها جعلت من مدركيها يغتربون عنها ويتآلفون مع آثارها، في ظل عبثية الخيارات وانسداد الأفق أمامهم، والتحطيم المنظم الذي مورس بحق الفرد وقيمة ذاته ومبادراته أمام نفسه والآخرين، وبعد دمار الكثير من المدن السورية بتواطؤ دولي على عدم الوصول لحل، لا سيما بظل أزمة عالمية تهدد أكبر الاقتصاديات.

ورغم ذلك ظهرت محاولاتٌ للتغيير من قبل مجموعاتٍ حاولت التقرب من الناس ووجعهم، وتشجيعهم على الدخول في رسم شأنهم العام؛ علَّها تفتح ثغرة في الحائط وتكسر جمود الواقع، وكالعادة؛ يحصل تقديس وتغليب النزول للشارع على أي نشاط آخر، خاصة مع ما يتيحه الإنترنت من سهولة دعوة وتجميع الناس على مناسبة ما. ولكننا رأينا الملايين في ميدان التحرير في مصر دون أن تتحقق مطالبهم حتى اليوم. فإجماع الناس على سوء واقعها وتعبير الجموع عن غضبها ليس سوى الخطوة الأولى نحو التغيير، وذلك إنْ تم استثماره وتعبئته لقضية ما بنهج صحيح ومدروس، والمفترض بالتظاهر أن يكون مجرد نشاط ضمن استراتيجية تحمل رؤية ممنهجة بعيدة المدى، وغير ذلك لن يكون سوى صرخة إعلامية سرعان ما تتلاشى مهما عظم شأنه. فلا يمكن استمرار تعبئة الناس وراء شعارات عمومية مجردة مثل الكرامة والحرية، خاصة بعفوية الحركات وبُعدها عن التنظيم والقيادة والعمل ذو النفس الطويل.

لا يمكن إحداث تغيير حقيقي في قضايا اجتماعية وسياسية كبرى إنْ كان أغلب الدافع للعمل فيها الإحساس بالذنب والتقصير تجاه الواقع أو تجاه باقي المناطق، فيغدو العمل من أجل العمل، والنشاط دون استراتيجية. بذلك لن نحصل إلا على فورة غضب سرعان ما سيسأل الناس من حولها: وماذا بعد؟! لنكتشف حينها أن العمل ورقة خضراء في غصنٍ مقطوع، قد تغري بعض الرومنسيين فيعقدون عليها الآمال دون أن يبالوا بانفصالها عن التربة.

لم يطرأ على السويداء في العقود الأخيرة أي تطور اقتصادي حقيقي جراء نهضة أو تنمية اقتصادية تتماشى مع تركيبتها، بل ما حصل هو كسر لأسلوب الانتاج من الخارج وقولبة اقتصادية واجتماعية، ليتحول مجتمعها إلى استهلاكي بالتدريج لا يمتلك أمر لقمة عيشه ولا أمر تطوره الاجتماعي. لا ينكفئ عن تصدير شبانه هرباً من سجن تلك الظروف، وهو ما اتضح أكثر خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وبالتالي تحتاج إلى عودة للوراء ودراسة معمَّقة، تستقرئ الأسباب وتستنبط اقتراحات للحلول؛ الأمر الذي يحتاج إلى جهد جبَّار وتخطيط ضمن إطار وطني شامل غير معزول، دون توهم أن مجموعة فتية في منظمة قادرين على وضع الحلول ببضعة دورات أو ندوات، أو أن النزول إلى الشارع قادر على الضغط باتجاه الحل، رغم مساهمته أكثر من غيره في إثارة التساؤل لدى شريحة أوسع من الناس، ونشر ثقافة التظاهر بينهم، لكن ذلك لم يعد يكفي طالما أن المشكلة بنيويَّة مركَّبة، ومضى زمن رمي حجر في المياه الراكدة.

ختاماً، إن تحريك الرأي العام من أجل قضية لا يأتي بمجرد الإشارة لها دون الانتباه لارتباطاتها الاقتصادية والاجتماعية والدينية، وآن لنا الاستنتاج بعد حركات الربيع العربي أن المنظَّمون يصلون والعفويون يُسرقون، وأن المسألة ليست ببساطة إيصال الصوت وكفى، فطريق التغيير طويل ومتشابك، تمهده براعة النقد والتحليل، وتتشارك فيه شجاعة القول وعقلانية التفكير.

26-6-2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة