خطوتين للوراء … من أجل استعادة منظومة العمل الوطني في سوريا – جوان يوسف

مقالات 0 admin

لا يخفى على أي متابع لمآل الثورة السورية ، خروج ما ينوف عن نصف السوريين من دائرة الفعل والتأثير بمجريات الحدث السوري بسبب النزوح والهجرة ، ولا يجانب المرء الحقيقة بالقول أن الحاضنة التي كانت ركيزة الثورة في سنتها الأولى، باتت شبه غائبة عن المشهد السياسي والثوري اليوم ، بينما تمكن النظام من المحافظة على “حاضنته” المدنية “إن صح التعبير” بسبب ما وفره لها من استقرار نسبي، رغم الظروف المعيشية الصعبة.

وعسكرياً حافظ النظام على درجة من التماسك النسبي، الذي كان معرضاً للانهيار والانكفاء ساعده في ذلك – بلا شك – الدور الإنقاذي لميليشيات ايران وحزب الله والدعم العسكري الروسي ، و في الجانب الآخر حصل تآكل في حاضنة الثورة ، بفعل أسباب عديدة على رأسها الفظائع الوحشية التي ارتكبها النظام وعنفه المنفلت من أي عقال، الأمر الذي دفع أكثر من نصف المجتمع المنتفض ، مجبراً ، إلى مخيمات اللجوء و المهجر، يضاف إلى ذلك عجز النخب السياسية عن مأسسة قوى الثورة وتأطيرها ضمن كيانات فاعلة .

الضربة القاضية أتت من سيطرة قوى الثورة المضادة، الدينية المتطرفة و المدعومة إقليمياً ،على المشهد السياسي والعسكري الثوري بالتوازي مع ما فعله النظام ، فعمقت من جراح الثورة وحرفتها عن مسارها باتجاه حرب أهلية وطائفية . صحيح أن العنوان الرئيس للصراع في سوريا لم يعد محصوراً كما كان ضمن معادلة ”ثورة ـ نظام” ، بل تعددت العناوين ، وتداخلت أطراف الصراع و أجنداته، إلا أنه لا يزال صحيحاً أيضاً أن أي حل سياسي مستدام في سوريا لن يكون قابلاً للحياة دون العودة إلى تلك الثنائية ، التي تضع قوى المعارضة في مواجهة النظام ، وهذا يفرض بطبيعة الحال على قوى المعارضة، التي تحمل المشروع الوطني السوري ، ترميم صفوفها ،وتوسيع دائرة الرافضين للنظام ،وإعادة ترتيب وتركيب القوى والعوامل التي يمكن أن تكون في صفها ،والتي تخدم قضية الشعب السوري. بتعبير أخر على هذه المعارضة إعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها….. وإعادة بناء أهداف الثورة وخططها استناداً الى المعطيات والمستجدات الواقعية والثورية بآن واحد.

لقد كان لسيطرة القوى الدينية و المتطرفة على المشهد السياسي و العسكري، الدور الكبير في تراجع منظومة العمل الوطني الثوري بشقيه السلمي و المسلح، وبالتالي في انحسار مفاهيم الثورة الأساسية لتحل محلها مفاهيم المجتمعات والأنظمة الإسلامية الشرعية ، وطغت الممارسات الطائفية والثأرية والوحشية والعبثية على منطلقات ثورة الحرية والكرامة.

ليس من السهل القول أن ممارسة و خطاب المعارضة وقع في الفخ الذي نصبه النظام منذ الأيام الأولى، لكن الوقائع تقول ذلك. و بالنتيجة تمكن النظام وبجدارة تامة من إعادة تدوير الانقسام المجتمعي العمودي، والذي كان قد عمقه وأسس له منذ عقود خلت، فأدخل الثورة في نفق الحرب الطائفية المظلمة خطاباً وممارسة. ومنذ أن تصدرت القوى المتطرفة كداعش والنصرة وأشباهها، المشهد العسكري في مواجه النظام وأزاحت بتواطؤ مكشوف ،كتائب الجيش الحر عن أغلب المناطق التي كانت قد حررتها من سيطرة النظام ،أصبح الحديث عن الثورة مجرد كلام رومانسي .

إذن، فليس من الحصافة القول باستمرار الثورة بالمواصفات التي انطلقت في آذار 2011 باستثناء ممارسات ثورية ومجتمعية أصيلة، تبدو جزراً معزولة وسط العماء والفوضى، و عدا ذلك أقرب الى الأوهام والرومانسية الثورية أو الرغبات الداخلية التي أغرقت الثورة .

بكل الوضوح والشفافية ، فاقمت الانتكاسة الحاصلة بفعل كل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية ، و لم تعد مصلحة السوريين تنسجم مع استمرار الصراع التدميري الجاري حاليا بين النظام وميليشياته الشيعية والإرهابية من جهة ، وبين القوى الإرهابية والمتطرفة، الوافدة و المقيمة ،من جهة ثانية ، وأصبح القول بأن إضعاف النظام من قبل القوى المتطرفة يصب في مصلحة الشعب السوري محض وهم و هراء، وإن كان في الشكل صحيحاً لكنه في العمق ليس إلا عبثية كارثية قذرة ، أساسها حرب أهلية وطائفية من أبشع الحروب وأقذرها، ولا يخفف من الأمر كثيراً القول أن المشاريع المتطرفة ليست قابلة للحياة ضمن الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة. إن ما يجري في سوريا اليوم ، لا يمكن أن يصدقه ذو عقل ، لولا توثيقه بالفيديوهات الحية ، التي ترصد السقوط الإنساني لمجمل قيم و جوانب الحياة السورية ، ولهذا أمسى ضرورياً عدم الانجرار وراء سراب ”الثورة مستمرة” أو الزعم أن كل القوى التي تقاتل النظام هي مجموعات وفصائل ثورية، علينا النظر الى الوقائع بعيون مفتوحة بعيداً عن الذاتية والرومانسية ،فالرأي الواقعي والثوري الذي يتفق مع مصلحة وتطلعات السوريين ، هو السعي الجاد لإنهاء الوضع الكارثي ووضع حد للمقتلة السورية ، وذلك بدفع كل الأدوار الدولية والإقليمية الفاعلة للضغط باتجاه تحقيق حل سياسي وفق بيان جينيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار 2254 وفرضه بالإيجابية على الممتنعين وذلك بإقامة هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة وبمشاركة جميع الأطراف الفاعلة ، على أن يقود ذلك إلى عملية انتقالية حقيقية عبر دستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية وما يتبعها من عودة المهجرين وإعادة الإعمار وهذا يعني بكل تأكيد خطوتين إلى الوراء من أجل كسر حالة الاستعصاء ومن ثم التقدم خطوة إلى الأمام في اتجاه بناء سوريا ديمقراطية .

25/08/2016

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة