قراءة في الاطار التنفيذي للهيئة العليا للمفاوضات- أكرم حسين
يبدو بأن الأقدارلا تخبئ للكرد الا المفاجآت القاسية، لا بل المناقضة لبدايات الاشتراك في الثورة السورية ،عندما خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة ووحدة الشعب السوري ، ونسوا مطالبهم القومية ،لينخرطوا في الفضاء الوطني العام.
لن اعلق على كامل وثيقة الاطارالتنفيذي الصادرة اوائل ايلول عن الهيئة العليا للمفاوضات ، لكني سأتناول الشق المتعلق بالوضع الكردي ونصه الاشكالي بان” سوريا جزء لايتجزأ من الوطن العربي” في المادة 1 من المبادئ ،وهنا يمكن القول بأن “الوطن العربي” المنشود ،لم ولن يصبح في الجانب القانوني والدستوري كيانا واقعا لأنه وهم وخرافة وحلم ، لعدم امكانية تحققه وجودياً، رغم كل المحاولات الفاشلة التي جرت ، بدءاً من سوريا ومصر عام 1958 ، فحتى سوريا التي نعرفها اليوم ، لم تتوحد الا بقوة القمع العاري الذي مارسه حكم البعث طيلة الاعوام السابقة ، لأنها تتكون من قوميات واديان ،عانت ولا تزال من مظلوميات تاريخية واستعلاء قومي، ولم تنتج يوما سيروة اندماج وتجذير للهوية الوطنية السورية ، ولا تعايش حقيقي بين مكوناتها ، أو اعتراف بلغاتها وثقافاتها ، فكل مكون من مكونات الشعب السوري ينزع ويتطلع الى التوحد مع نظيره في الجوار، حتى لو فصلته البحار، وبالتالي “الوطن العربي” فضاء افتراضي متخيل لا وجود له الا في اذهان العروبيين الجدد ،الذين لم يستطيعوا ان يرتقوا في فكرهم ،ويتخلصوا من عقدتهم ونظرتهم الى الاخر، هذا الاخر الذي حاول ان يعيش جنبا الى جنب ،ويندمج في المجتمعات التي يحيا معها، في ظل تدني الشعور بالوطنية، الذي كرسه الاستبداد ، مما اوصل اوطاننا الى ما هي عليه اليوم .
ان اعتبار اللغة العربية لغة رسمية للدولة واهمال اللغات القومية الاخرى، وتحديدا الكردية التي يتكلمها اكثر من ربع السوريين ،هو اجحاف يعبرعن هيمنة وطغيان ثقافات بعينها ، في استعادة الارث الاسلامي وتسييد اللغة العربية ،التي فرضت الامتثال والخضوع ، فالمسلم عليه تعلم العربية لأنها لغة القران والحديث .
لكن التعدد الثقافي في سوريا واقع قائم لا يمكن تجاوزه ، يرتكز على اختلاف هوياتي عمل على تسعيره والنفخ فيه ، الاستبداد البعثي وحتى المعارضة الحالية ،عبر المشاريع الاستثنائية التي طبقت ، والقوانين التي صدرت ،والتصريحات التي اعلنت تجاه الشعب الكردي ،اخرها ما اتحفتنا به الهيئة العليا من تغني بالهوية العربية ،وسعي لإدماج المكونات الاخرى قسرياً في اطار العروبة والاسلام كما جاء في مبادئ حجاب ، فالعصبية العربية السائدة اليوم في اوساط المعارضة ،لا تقل عما كانت تمارسه السلطة السابقة من ظلم وجور واضطهاد ، هذه العصبية التي قد تدفع الى ارتدادات ومواقف لا تحسب عقباها ، فما قالته وثيقة حجاب مخالف للنسق العام وللفضاء الوطني السوري ،الذي يتحرك فيه هذا النسق واستدلالاته الملموسة، وفي علاقة الهويات الفرعية ببعضها ،والتي لا تستقر وتنتظم الا حينما تكون الدولة عمومية ، ومحاديدة ، لا انتماء لها ولا انحياز الا للهوية للسورية ،التي تتحدد بها ومن خلالها كل الهويات الاخرى ،عبر نسيج مجتمعي تحت مسمى الدولة السورية، دون اي طغيان او استبداد او سيطرة لمكون على اخر، في اطار دولة المواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن العرق او الدين او الجنس
ان ربط الاكثرية بالعروبة وبالإسلام خطأ كبير ارتكبته الوثيقة ، ففي دولة المواطنة المتساوية لا يمكن الحديث عن اكثرية واقلية ، لان المواطنة ترتكز على الفرد وتدور حوله ، وبالتالي اختزال الهوية الوطنية السورية في بُعديها العربي والإسلامي، فيه إجحاف وتجني على حقائق التاريخ وتزوير للجغرافيا ، أما المادة (6) فان القضية الكردية هي قضية سورية بمقدارما هي كردستانية ، لان كردستان قسمت بين اربع دول ،لا بد ان تعود يوما كما كانت ، لكن كردستانية هذا الجزء لا تتناقض مع العمل ضمن الوطن السوري، اليوم وغدا وحتى اشعار اخر، لا بد من الاقرار الدستوري اليوم- وليس العمل على ضمان الحقوق القومية واللغوية والثقافية الكردية دستورياً– لان الشعب الكردي في سوريا مكون اصيل من مكونات الشعب السوري ، ف “العمل على ضمان” يعني استمرار الغبن والاضطهاد ، وكأن ما جرى في سوريا طيلة الخمس سنوات الماضية ما هو الا صراع على اعادة اقتسام الغنائم بين الاكثرية ،بعد استعادة السلطة المختطفة من قبل الاقلية ،لكن ما لم تقله الوثيقة من كل ذلك ،هو حق الاكثرية بالاستفراد بالسلطة ،وعلى الجماعات الاخرى تقديم الولاء والطاعة لأنها اقلية ، حتى تحصل على بعض الهبات والعطايا، لذا كان على الوثيقة ان تتضمن بندا واضحا وصريحا حول حق الكرد في تقرير مصيرهم وادارة شؤنهم والاعتراف بالتعدد القومي والاثني .
في حين أن شكل الدولة لابد ان ينزع الى شكل من اللامركزية ،التي تتطلب البحث والتحميص للوصول الى الشكل المناسب ،وبما يوافق وبنية المجتمع السوري وتعدده القومي والاثني .
لم تتطرق الوثيقة الى موضوع الحزام العربي ،الذي تم بموجبه تجريد الكرد من املاكهم ، وتوطين عرب الغمر في المنطقة وتوزيع الاراضي عليهم ،وهي مشكلة ذات حساسية بالغة لدى الكرد .
الاخطر في الوثيقة القول بان هذه المبادئ تبقى سارية بوصفها جزءا من الدستور القادم ، باعتبارها مبادئ ثابتة تكتسب صفة الاطلاق والقداسة ،رغم تجميع الهيئة من قبل بعض الدول الاقليمية والدولية ، ولم يتم انتخابها اوتفويضها من قبل الشعب السوري ،وبالتالي فهي لا تمثله ديمقراطياً باي شكل من الاشكال.
بقي ان نقول بأن الوثيقة برسم ENKS وTEV-DEM لنسفها أواسقاطها ،فهي لا تضمن حقوق الشعب الكردي بأي شكل من الاشكال .