سورية والعراق في المناظرة الرئاسية المقبلة-راغدة درغام
المناظرة المقبلة بين المرشحَين للرئاسة الأميركية، الديموقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، قد تكون ذاتَ جوهرٍ أكثر من المناظرة الأولى التي كانت جولة تعرّف إلى شخصية ترامب وامتحاناً لشخصية كلينتون. معركة الموصل قد تفرض نفسها على المحتوى، لأن الرئيس الحالي باراك أوباما قرر زيادة عدد العسكريين في العراق استعداداً للمعركة، وهذا أمر يهم الأميركيين بغض النظر عن تجاهلهم ضرورة فهم ماذا بعد معركة الموصل. سورية ستقحم نفسها مهما حاول المرشحان إبعادها، وذلك إذا نفّذت إدارة أوباما حقاً تلميحها إلى أنها ستفك الترابط والتعاون الثنائي الأميركي- الروسي في سورية. إرهاب 11/9 سيقفز إلى الواجهة متأبطاً العلاقة الأميركية- السعودية، بسبب تصويت الكونغرس لإطاحة فيتو أوباما على مشروع قرار ينزع الحصانة السيادية عن أي دولة أجنبية ويسمح بمقاضاة السعودية في المحاكم الأميركية. الفضائح قد تطل عبر مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج بدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنقاذاً لمرشحه ترامب وانتقاماً مما أثارته ملكة جمال فنزويلا والكون سابقاً أليسيا ماتشادو، من زوبعة بعدما نبشتها كلينتون من ملفات العام 1996 وواجهت ترامب بسوء معاملتها لأنها ازدادت وزناً فوصفها بأنها ملكة جمال الخنازير وبملكة جمال الخادمات لأنها لاتينية.
الموصل أولاً. استعدادات معركة الموصل اضطرت أوباما إلى الموافقة على زيادة القوات الأميركية في العراق (قال إنها أخيرة) بهدف إسناد حسم معركة الموصل الوشيكة، وذلك تلبية لطلب رئيس الحكومة حيدر العبادي وبالتنسيق مع قوات «البيشمركة» الكردية. تحرير مدينة الموصل من سيطرة «داعش» لن يكون مستحيلاً، لكنه لن يكون سهلاً، والسبب هو الصراعات العراقية المحلية وعدم الثقة بخطط ما بعد استعادة السيطرة على المناطق المحررة.
الميليشيات الشيعية مصدر قلق رئيس للمدن السُنّية وكذلك مسألة عودة السكان المهجرين. ولأن تجارب الماضي لها طعم المرارة بعدما تم تحرير الفلوجة بسبب ما وقع من تجاوزات وفظائع، هناك جزء من السُنَّة يرى أن الخطر الآتي من هذه الميليشيات يساوي الخطر الذي يمثله «داعش». فإذا لم تتنبه إدارة أوباما إلى هذه الناحية، تكون تستثمر في سكب الزيت على نيران الحرب المذهبية في العراق، وستكون موضع اتهام بأنها لا تفعل ذلك سهواً وإنما عمداً.
العبادي سيشرك الميليشيات في المعركة إيماناً منه بأن لا خيار آخر أمامه، عملياً وميدانياً، وكذلك تلبية لإصرار إيران. الأرجح أنه سيوافق على قيادة ما لقائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي يتصرف داخل معارك العراق وكأنها إيرانية، فطهران تستثمر كثيراً في معركة الموصل لأن المدينة موقع التقاء مع سورية وكذلك مع الأراضي الكردية، وعينها على سورية وعلى تركيا.
تركيا باتت فاعلة في مصير الحروب في المدن السورية الرئيسة كحلب، وفي مدن العراق كالموصل. في العراق، لدى تركيا حسابات تاريخية وعلامات ثنائية واعتبارات كردية وتركمانية ونفطية وجيو- سياسية، إنما الأولوية حالياً ومرحلياً وانتقالياً، هي لسورية. هذا لا ينفي الأهمية البالغة التي يعلقها الجميع على الموصل، من تركيا إلى الدول الخليجية، إلى الولايات المتحدة إلى روسيا.
تركيا لن تبرز في المناظرات الرئاسية، لأن الناخب الأميركي يكاد لا يعرف ما هي تلك العلاقات المعقدة في الجيو- سياسة الدولية والإقليمية، ولربما نسي ما حدث في تركيا أثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة.
إنما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم ينس، وهو في صدد استخدام جميع أدوات النفوذ والتأثير المتاحة لديه مع الولايات ومع روسيا، بالشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي على أساس المصالح المشتركة، وبإصرار على أولوياته القومية، مثل محاربة التنظيمات الكردية التي يراها مصدر تهديد للأمن القومي التركي.
فلاديمير بوتين يدرك مركز ومركزية تركيا في المعركة على سورية، وعلى رغم قلقه وشكوكه وعداءاته مع أردوغان، إلا أنه يستعد لزيارة تركيا ربما لقطع الطريق على ما قد يجول في ذهن أردوغان من شراكات ميدانية مع الدول الخليجية. والكلام يصب في خانة تسليح المعارضة السورية.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في تركيا هذا الأسبوع للبحث في شتى الملفات الثنائية والإقليمية، وسورية في طليعتها لا سيما على ضوء بوادر انفصال وانفصام في العلاقة الأميركية- الروسية في الشأن السوري.
مصادر وزارية خليجية شاركت في اجتماعات نيويورك العاصفة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة قالت إن التفكير بالخطة «ب» قد بدأ. هذه الخطة لها ثلاثة أقدام: خليجية- تركية- أوروبية، وكلها خارج الصورة في التفاهمات الأميركية- الروسية.
وبحسب الوزير الخليجي الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «نتواصل مع فرنسا وبريطانيا ونحشد الدعم للخطة ب في حال فشل وقف النار». لكن السؤال الذي في ذهن القيادات الخليجية هو: هل حان الوقت لنمضي بالخطة «ب» أم لا؟
يرفض الوزير فكرة أن لا أدوات لدى الثلاثي الخليجي- التركي- الأوروبي، ويشير إلى أن «الولايات المتحدة طرف وليست وسيطاً. وروسيا طرف وليست وسيطاً». ويقول إن المسألة السورية ليست عبارة عن إدارة العلاقات الثنائية بينهما، وهذا ما يحدث. يقول إن أي حل للأزمة السورية من دون تركيا والسعودية وقطر لن يمضي إلى الأمام. يقول إن هناك خيارات حقيقية ضمن الخطة «ب»، منها مناطق حظر الطيران ومناطق إنسانية آمنة وتسليح المعارضة السورية.
يقول إن الثلاثي يدرك الحاجة إلى «مظلة أوروبية»، ولذلك هناك حديث مع دول أوروبية مستاءة بدورها من التفرد الأميركي- الروسي بالمسألة السورية، وعلى رأسها فرنسا أولاً ثم بريطانيا أخيراً. رأيه أن «المظلة المطلوبة هي دولة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن غير الولايات المتحدة وروسيا والصين».
هناك «جزء عسكري، وجزء سياسي من الخطة ب». على الصعيد الدولي، «الأولوية هي لحظر الطيران ولبيئة آمنة»، أما على الصعيد الإقليمي فإنها لـ «دعم المعارضة» لأن ما يعرضه محور روسيا وإيران والنظام في دمشق هو «دعوة المعارضة إلى الاستسلام».
رأى الوزير أن لا مجال للتفاهم الأميركي- الروسي، ولا للموافقة من جانب الثلاثي الإقليمي أو «المظلة» الدولية، طالما نقطة الخلاف هي كيفية تعريف الخلاف Terminology. قال إن روسيا مصرة على استثناء «داعش» و «النصرة» من وقف القصف بتعريف عائم يشمل الكثير من المعارضة السورية. قال إن الولايات المتحدة أيضاً تتحدث عن فصل المعارضة عن «النصرة» بصورة مبهمة. أما الروس «فهم يريدون تسليم حلب بخروج المعارضة بأسلحتها للاستسلام».
«لا أرضية مشتركة ولا لغة تفاهم بين الأميركيين والروس، وليس بينهما اتفاق قابل للتنفيذ»، قال الوزير. أضاف أن الأميركيين اقترحوا «آليات» لتخفيف العنف، مثلاً، إنما وقع الاختلاف على وضع الآليات. وبالتالي «لا توجد قوة لتنفيذ الاتفاق، ولا آلية للمراقبة والمحاسبة. وهذا يعني أن لا قيمة للاتفاق». وأشار إلى فكرة «التجميد»، بمعنى أن من يحرر الأراضي من «داعش» يسيطر عليها. تخوف من فكرة إخراج المعارضة السورية قبل إتمام مهام التحرير. قال إن تلك هي الفكرة الرئيسة: إبعاد المعارضة كي تتمكن قوى المحور من السيطرة عليها بعد تحريرها من «داعش» ثم «التجميد». تخوّف من فتح الممرات لمغادرة المعارضة واعتبرها فخّاً للاستسلام.
أكد الوزير أن الدول الخليجية ستسخر كل ما في وسعها لوقف النار وللدفع نحو «آلية تنفيذ ومراقبة، وآلية محاسبة للمخالفين». أما في حال فشل هذه الجهود، فإن الاستعدادات والاتصالات قائمة لوضع تفاصيل «الخطة ب»، متمنياً أن تلتحق الولايات المتحدة بها. أما إذا شاءت غير ذلك، فإن هذا أيضاً ضمن الحسابات.
الولايات المتحدة منشغلة بنفسها، والأرجح أنها لن تلتحق بأي خطط. إدارة أوباما قد تقرر الكفّ عن استثمار الثقة بروسيا، لكنها لن تتورط ميدانياً مهما كان. إنها منشغلة بالانتخابات الرئاسية، وهي (الإدارة الديموقراطية) لن تقدّم إلى المرشح الجمهوري ذخيرة تخدمه.
ترامب قد يجد أن علاقاته الحميمة مع بوتين قد تسبب له الخسارة، لا سيما مع استمرار التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. فإذا قرر بوتين استخدام خدمات أسانج كي يسبب الإحراج لكلينتون عبر قدرته على الفضائح، فقد يرتد ذلك على ترامب بأذى أكثر من بذاءة كلامه عن ملكة جمال الكون بسبب سمنتها. صحيح أن الرشاقة ضرورية لملكة جمال الكون وأن السمنة الزائدة المفاجئة والسريعة وهي في هذا المركز تبرر اعتراضاته، لأن تلك هي مواصفات ملكة الجمال أينما كانت، إنما الصحيح أيضاً أن لا شيء أبداً يبرر بذاءة وصفها بالخنزير ولا تحقير المرأة اللاتينية باعتبارها خادمة تنظف البيوت لا غير.
كلينتون لها شخصية مزعجة، وهي مُدرَّبة لدرجة أنها تتحدث مثل «الروبوت» إثباتاً لخبرتها ومعرفتها بأن ترامب يمتلك القدرة على قلب الطاولة عليها، إنما مشكلته أنه لا يمتلك القدرة على تمالك أعصابه ولذلك تلاحقه صفة المهرج الذي لا يستحق الرئاسة الأميركية.
فإلى المناظرة الآتية، لعل حينها يكون ترامب قد تعلّم درسه، ولعل الناخب الأميركي يقرر أيهما أفضل له بين المرشحين السيئين.
الحياة 30 ايلول 2016