دبيكة تحت الطلب… بقلم بسام جوهر

شخصياً أحب الدبكة، وأرى أنها فن ورقص شعبي جميل، يتقنها معظم السوريين، وقلما توجد مناسبة للفرح تخلو من الدبكة، هذا التراث المحبب أصبح مع مرور الزمن رمزاً لمناسبات الأفراح في بلاد الشام أو ما كان يُسمّى سوريا الطبيعية. ولا تكون حلقات الدبكة جميلة إلا بوجود الصبايا والشباب، الذين يرون أنها مناسبة لرمي بعض العادات والتقاليد جانباَ، وخاصة تلك التي تحدّ من التقاء الشباب والصبايا، حيث يُمسك الشب بيد الصبية وتتشابك الأيدي وتلتقي النظرات وتلتحم الأكتاف وتسري حرارة لذيذة في أجسام الدبيكة تزيل تعب اليوم وتجدد النشاط وتجعل للحياة طعماً أخر.
وشخصياً أيضاً، كنت وما زلت، أحب مناسبات الأفراح وأسجل حضور دائم فيها، حتى لو كان عندي فحص أو مذاكرة أو أي عمل مهم، وقلما تجدني في مناسبات العزاء والأحزان، إلا الضروري منها، حتى أن أبي، رحمه الله، لم يعد يدعوني لمرافقته إلى مناسبات العزاء والأتراح.
لكن رمز الفساد في سوريا أبى إلا أن يُفسد كل شيء، حتى الدبكة، وأبى إلا أن يجعل كل المناسبات تشبهه وتخدم مصالحه، فهو لا يروق له أن يرى الناس تعبر عن فرحها دون أن يكون له نصيب، وهو لا يعرف معنى الفرح بانتهاء موسم الحصاد وجمع غلة الموسم، ولا يستوعب أن يكون للناس أفراحهم الخاصة في مناسبات الزواج والطهور والنجاح والأعياد التي تلم الأهل والأصحاب. لذلك كان لابد من استغلال رمز الفرح هذا وتحويله إلى مناسبة لتقديم فروض الطاعة والتضرّع إلى إرضاء ذلك المسخ الذي يتلذذ بقتل الناس وإهانتهم يومياً من خلال رؤيتهم يصفون طوابير أمام حاجاتهم الأساسية من خبز وغاز وكهرباء وماء وبنزين وغيرها.
أيام زمان، وخاصة في القرى، حيث العمل في الحقل ينال من الإنسان، لكنه يذهب إلى الدبكة ويشارك بها بحماسة رغم التعب وتراه منتشياً وعلامات الفرح ظاهرة على وجهه، يدفعه إلى ذلك دافع ذاتي وقناعة أن مشاركة من يحب أفراحهم تجلب السعادة له وللآخرين.
لكن دبيكة العصر الأسدي مختلفون بحركاتهم ونظراتهم ودوافعهم، ويعرفون بقرارة نفسهم، أن لا دافع ذاتي وراء مشاركتهم في تلك المهزلة، ويدركون أن حالهم لن يتغير، وليس هناك غلة تنتظرهم ، ولن يحصلوا إلا على كلمات جوفاء اعتادوا على سماعها منذ بداية الحقبة الأسدية، عن الصمود والتصدي وشد الأحزمة على البطون وكلمات جديدة عن الفرق بين الثورة والثور.
دبيكة العصر الأسدي يمكن تسميتهم دبيكة من يتلذذ بالحرمان أو دبيكة تحت الطلب، فهم موجودون في كل المناسبات التي يطلبها المسخ، لا يهم نوع المناسبة أو أهميتها، المهم هو إداء واجب الدبكة والتأكيد على النخ، لأن الدبكة بدون نخ لا تكفي وربما تكون ضرب من ضروب التأفف وإظهار ما في القلوب.
عندما استهدف الرئيس الأمريكي ترامب بصواريخه مطار التيفور العسكري، تم عقد حلقات الدبكة للاحتفال بالانتصار على صواريخ ترامب التي سقطت قبل أن تحقق أهدافها!!!، وعندما تصل طائرات وصواريخ اسرائيل كل مكان في سوريا، تُعقد حلقات الدبكة للاحتفال بالاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين!!!، وعندما تعلن وسائل إعلام المعتوه أنها (خلصت)، تُعقد حلقات الدبكة للاحتفال بالنصر على المتآمرين والمندسين، هذا عدا عن مناسبات تجديد البيعة والبصم بالدم وقانون قيصر وغيرها من المهازل التي اعتدنا على رؤيتها خلال الحقبة الأسدية الطويلة.
الحقيقة لا أعرف شعور هذا الدبيك عندما يعود إلى بيته بعد كل مناسبة، وقد أنهك التعب جسمه (من كتر النخ)، ولا يجد كهرباء ولا غاز وربما حتى الخبز، كما لا أعرف شعوره عندما يدخل بيته وتقع عيناه على صورة ابنه أو أخوه أو أبوه، المعلقة على الجدار والذي قتل في سبيل من كان يدبك وينخ له.
دبيكة تحت الطلب جاهزون دائماً لتحويل أية هزيمة إلى انتصارٍ مدوٍ، والمشكلة في سوريا أن هؤلاء الدبيكة لا يقتصرون على المنتفعين من النظام ودائرة الموالاة، بل تتعداهم إلى شريحة اجتماعية ليست بالقليلة تحت حجج وذرائع مختلفة مثل الخوف والتقية والعين لا تقاوم مخرز و(الأيد اللي ما فيك عيها، بوسها وادعِ عليه بالكسر). إلى آخر ما هنالك من حجج وذرائع تجعل  الانسان  يتقبّل الذل والهوان  بكل رضا عن انفس وبكل رحابة صدر.
الحقيقة أن وجود هؤلاء في سوريا هو مشكلة بحد ذاتها، وبالتأكيد هم ضحايا ولا يدركون أنهم أداة بيد الذئب المفترس الذي يتربع على جثث ضحاياه  ويصدّر انتصاراته المزعومة للداخل والخارج.
ومع ذلك سأبقى أحب الدبكة، دبكتنا نحن الذين نذهب إلى الدبكة بدافع ذاتي وبقصد الفرح ومشاركة الآخرين أفراحهم بعيداً عن النخ والنفاق.
بسام جوهر
ضابط ومعتقل سياسي سابق.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة