اللجوء السوري وأزمة الإنسانية
مخيمات عرسال وانتهاكات حقوق الإنسان
أنتجت الثورة السورية، التي تحولت بفعل العنف الى حرب ضروس، أكبر مشكلة لجوء ونزوح منذ الحرب العالمية الثانية، إذ وصل عدد اللاجئين خارج سورية، حسب تقارير الأمم المتحدة إلى ما يقارب الخمسة ملايين لاجئ، يتوزعون في دول الجوار وفي أوربا والعالم.
أجبرت حرب الإبادة، التي شنها النظام السوري وحلفاؤه، الكثيرين من السوريين على النزوح الداخلي أو اللجوء خارج سورية، فقد هرب الكثيرون من السوريين، خاصة الفقراء منهم، بعد أن دمرت بيوتهم وأساليب عيشهم وأصبحت حياتهم في البلاد مستحيلة. وبسبب القرب الجغرافي اختاروا دول الجوارأو اقرب جوار ممكن إلى مناطق سكناهم، فلجأ أهالي القلمون والقصير وحمص إلى المناطق الحدودية اللبنانية، ليعيشوا هناك ظروفاً في غاية الصعوبة، في مخيمات تفتقر إلى مقومات البقاء والعيش الكريم ويعيش معظمهم تحت خط الفقر.
وصل عدد اللاجئين السوريين في لبنان، البلد الصغير المساحة والمكتظ سكانياً، إلى ما يقارب المليون،مما شكل أزمة لهم وللبلد وسكانه، أزمة لم تستطع المنظمات الدولية حلها دائماً، ورغم أن المساعدات الدولية نشطت السوق التجارية في بعض المناطق اللبنانية واستفاد الكثيرون من الطلب على البضائع باستخدام الشيكات الممنوحة للاجئين، لكن ذلك لم يمنع من وجود جو معادي ربما أساسه سياسي يختلط مع بعض النزعات العنصرية والطائفية التي، في جميع الأحوال، لا تعم لبنان كله، ف”حزب الله” الذي يختطف لبنان بقوة السلاح هو أحد حلفاء النظام السوري المشاركين في حربه ضد الشعب السوري، بل إنه هو تحديداَ من قام بتهجير هؤلاء اللاجئين من مدنهم وقراهم.
تفاقمت مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان لتصل ذروتها في الأسبوع الماضي، حيث قام الجيش اللبناني مؤخرا باقتحام مخيم عرسال للاجئين بحجة محاربة الإرهاب، تضاربت الروايات حول قيام خمسة لاجئين بتفجير أنفسهم وسط المخيم وأهاليهم، إذ أكد الجيش اللبناني هذه الرواية ليبرراستخدام العنف الذي عبر عن نفسه باعتقالات واسعة، ترافقت مع تعامل مهين، تداولت صوره وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، التي ظهر فيها واضحاً الإعتداء على حقوق الانسان، تحت ذريعة أن ما قام به الجيش هو سلوك طبيعي للحفاظ على أمن البلد، ولا يمكن مراعاة حقوق الإنسان فيه، كما عبر صراحة وزير الداخلية “نهاد مشنوق” في مقابلة تلفزيونية، لكن بعض النشطاء نفوا رواية الجيش اللبناني هذه وأكدوا عدم صحتها.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ سلمت جثث بعض المعتقلين السوريين لأهاليهم، وادعى الجيش اللبناني أنهم توفوا نتيجة أمراض كانوا يعانون منها قبل الاعتقال، ليكذب الأهالي هذه الرواية ولينشروا صور أولادهم الذين قضوا نحبهم بسبب تعرضهم للتعذيب، هذا وقد اختلفت الاعداد أيضا إذ اعترف الجيش اللبناني بثلاثة فقط ليؤكد الأهالي أن العدد وصل إلى العشرة.
ما يثير القلق هو ترافق كل هذه الاحداث بتسريبات حول مفاوضات وضغوطات لإجبار اللاجئين للعودة إلى المناطق السورية المسيطرعليها من قبل “حزب الله”، دون وجود ضمانات دولية، مما قد يعرضهم للخطر وينفي عنهم صفة اللجوء التي تخول الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإشراف على أوضاعهم.
وقد تداعت بعض المنظمات الدولية والكثيرون من النشطاء اللبنانين والحقوقين من أجل تأمين الحماية لمخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، والمطالبة بتحقيق شفاف يبين أسباب وفاة المعتقلين ويسلط الضوء على الانتهكات الجسيمة التي قام بها الجيش اللبناني أو بعض عناصره المنفلتة بحق اللاجئين السوريين، ولكن ما زالت مراكز القوى والنفوذ المتحالفة مع النظام السوري وحزب الله تعيق إجراء هذا التحقيق وتعرقل الخطوات التي بدأها النشطاء اللبنانيون.
إننا في “تيار مواطنة” نحترم حق الدولة اللبنانية في التحقيق القانوني والنظامي فيما يخص وجود إرهابيين أو ملاحقين قانونياً، إنما دون إلحاق الأذى بالأبرياء من المدنيين الذين دفعوا دائماً أكبر الاثمان في الحرب الدائرة، وإذ نؤكد على ضرورة حمايتهم وتحييدهم، نرى في حماية اللاجئين منهم ضرورة أكبر، وفق الشرائع الدولية، ونطالب الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة باتخاذ الاجراءات اللازمة لحمايتهم، والقيام بتحقيق دولي شفاف لتبيان حقيقة ما حصل ولعدم إجبارهم على العودة إلى مناطق لا يمكن ضمان سلامتهم فيها، وندعو كل الجهات الحقوقية وتشكيلات المعارضة لرفع الصوت عالياً، والمطالبة بحماية حقوق اللاجئين السوريين أينما تواجدوا في مختلف مناطق الشتات.
“تيار مواطنة” 11.07.2017