تيار مواطنة كما بدا لنا منذ نشأته وحتى تقريره الأخير – لجنة اعلان دمشق في اللاذقية
يبدأ التيار تعريفه عن نفسه في موقعه الالكتروني بهذه الكلمات :
(ناشطون ديمقراطيون من أجل مواطن فردٍ حرٍّ كريمٍ متساوٍ
تيار مواطنة منظمة سياسية سورية نشأت في دمشق مع بدايات الثورة السورية وتكوَّن أكثر أفرادها عند تأسيسها من ناشطين سياسيين خاضوا، في مراحل سابقة، تجربة العمل السياسي الديمقراطي والملاحقة والاعتقال….)
يستنتج المرء من هذه الكلمات أن المؤسسين للتيار هم بالضرورة من خلفية يسارية (نتمنى أن يكون بين المؤسسين في التيار من هو من أصول يمينية خاضوا تجربة الاعتقال مثل حزب البعث المحسوب على العراق أو تنظيمات الحركة الدينية وفي مقدمتها الاخوان المسلمون ) تابعين لثلاثة تنظيمات هي حزب البعث الديمقراطي وحزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي (مكتب سياسي ) لا يوجد بينهم شخص واحد كان ذو تطلعات لبرالية ويقبل بأن يوصف بأنه يناضل في سوريا من اجل مواطن حر كريم , بل كان ينظر الى تلك المقولة نظرة احتقار كونها تعطي الحرية حتى للبرجوازيين العفنين الذين لايستحقونها .
تلك الأفكار نبتت في ذهن هؤلاء المناضلين بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتبرعمت مع رياح التغيير وانتشار المنتديات على أثرها في المحافظات السورية أوائل هذا القرن .
نستطيع كلجنة ان ننقل صورة صادقة عن تلك الأجواء سادت في منتدى الحوار الثقافي في اللاذقية حيث تواجه فيه وعلى مدى جلسات متعددة الأخوة الذين أصبحوا أعداء بعد أن بقي جزء منهم يتمسك بالماركسية وجزء أخر انتقل من خانة الماركسية الى خانة اللبرالية .
لم يحدثنا التيار ولو بمقال واحد او افتتاحية واحدة عن تلك المرحلة ولم يقدم لنا فهمه النظري للفلسفتين الللبرالية والماركسية , على مايبدو الرفاق لاتستهويهم المماحكات النظرية ولا يهمهم سوى العمل السياسي التي وفّرته لهم الثورة السورية فانخرطوا فيها , أما ان يتكلموا عن الصراع بين الجهتين كما جرى في المجلس الوطني الأول لاعلان دمشق – وقد حضره ثلاثة من مؤسسي التيار, وكان الغمز واللمز حولهم من رفاق الأمس لأنهم أصبحوا “متلبرلين جدد” نسوا تاريخهم القائم على معاداة الأمبريالية والصهيونية – فذلك لا يجوز على ما يبدو احتراما للماضي المشترك .
نعتقد ان خلفية المؤسسين ما زالت تؤثر بسلوكهم السياسي وان كان بشكل غير مباشر وأكبر مثال على ذلك موقفهم من الثورة السورية ذاتها .
ان من ينشط في سوريا حاليا من اجل مواطن فرد حر كريم متساو عليه أن يقر بأولوية الاصلاح على الثورة. الثورة هدم وبناء والاصلاح بناء على البناء , والاصلاح يلائم عصرنا اكثر من الثورات , اما حدوثها في هذا العصر فهو يتم ففقط في بلدان متخلفة تقمع شعوبها بشكل عنيف ولا تعطي أي مجال للاصلاح من أعلى مما يسبب الانفجار الاجتماعي وهذا ما حصل في سوريا حيث كل ماجرى فيها منذ سنة 2011 وحتى الآن لا تنطبق عليه شروط الثورات القديمة الا بجانب واحد وهو جانب الانفجار العفوي. حراكنا الشعبي في سوريا لم يكن يريد اسقاط سلطة لتأتي سلطة اخرى تأكل ابناءها فيما بعد كما جرى لكل الثورات القديمة ,ولم يفتش عن قائد كارزمي واحد على طريقة ثورات القرن العشرين , بل كان له مطلب واحد هو الحرية والكرامة . ان ثورتنا توصف بحق بأنها ثورية المنشأ اصلاحية التوجه , وهي حتى الان بنشطائها العفويين الجدد ربما أكثر انسجاما مع نفسها من كل السياسيين بمن فيهم تيار مواطنة الذي لم يتطرق حتى الآن الى هذا الجانب بالشكل الكافي انسجاما مع تطلعاته اللبرالية .
أمثلة كثيرة في مسار التيار تشي بتأثر القادة المؤسسين بخلفيتهم السياسية وتشدهم الى الخلف بدلا من التقدم الى الأمام , على سبيل المثال لا الحصر .سلوك التيار داخل الائتلاف .
يقول التيار عن الائتلاف في تعريفه عن نفسه داخل موقعه في فقرة من نحن ؟ : (ثم كان التيار مؤيداً لنشوء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وشارك في تشكيله منذ اللحظة الأولى. وهو يعمل من أجل تطوير الائتلاف وتفعيله ليكون القيادة الحقيقية الجامعة للثورة بأجنحتها السياسية والمدنية والعسكرية وأداة العبور إلى المرحلة الانتقالية بعد إسقاط النظام.)
فَهِم التيار الائتلاف على حقيقته وشارك فيه منذ البداية مع معرفته بالظروف القاسية التي أدت به لكي يكون أداة خارجية منذ نشأته , ومع ذلك راهن التيار على الائتلاف لكي يكون أداة للعبور الى المرحلة الانتقالية في سوريا وهي مراهنة صحيحة وواقعية تجعل الباب مفتوحا امام العلمانيين الديمقراطيين ليصبحوا قوة فاعلة فيه , ولكن وبكل أسف سلك التيار نفس سلوك القوى ذات الخلفية اليسارية وانسحب منه قبل ان تبدأ المرحلة الانتقالية التي من المفترض ان تنهي دور الائتلاف, وحجته ان الاسلاميين هيمنوا عليه, مع انهم حقيقة هيمنوا عليه منذ البداية ولا جديد في ذلك .
أمثلة كثيرة تشي بتأثر الرفاق بماضيهم الماركسي وعدم قدرتهم على التخلص منها كليا نذكر منها .
1- اشتراك التيار في التجمع العلماني الديمقراطي وكل فصائله باستثنائه ماركسيين . (حزب العمل الشيوعي وحركة معا وحزب اليسار الديمقراطي وتيار اليسار الثوري) وموافقته فيه على رفع شعار الدولة العلمانية التي تستند على الفلسفة الماركسية وترفع يافطة – الدين لله والوطن للجميع – والدين افيون الشعوب . نتمنى الا يفلسف الرفاق الموضوع بقولهم ان الدولة العلمانية هي دولة مدنية , هناك فرق واضح بين الدول المدنية والدولة العلمانية وفي ذلك تراجعا عما اتفقوا عليه أول تأسيسهم عندما نادوا بدولة مدنية تعددية تداولية تقوم على المواطنة وليس على المحاصصة .
2- عدم الوضوح والشفافية في مؤتمراتهم والتي تجري بنفس طريقة الأحزاب الشيوعية تقريبا, فالمكتب التنفيذي للتيار يقدم مشاريع المؤتمر مشروع والمؤتمرون يوافقون عليها , في حين من المفروض أن تشكل لجنة منتخبة من المؤتمر لتصيغ تلك التقارير التي تداولها المؤتمرون , وعلى ذكر التقارير ففي تقارير التيار السياسية كلها ما يضحك ويبكي معا , اذ انها جميعا وكأنها مكتوبة من قبل شخص له نفس الأسوب ديباجته الطويلة , جميعها تفوق صفحاتها الثلاثين صفحة . التقرير الأخير عدد كلماته 11487 كلمة , بالمناسبة لا اعتراض لدينا كلجنة على مضمون ما جاء في كل تقاريرها وخاصة التقرير الأخير , بل الاعتراض جاء من احد مناصري اللجنة المعجبين بالتيار وبروحه النضالية العالية المستعدة للبذل والعطاء على طريقة الشهيد ناجي الجرف . يقول الصديق: ان عصرنا هو عصر السرعة . كان الأجدى بالمؤتمرين تكليف لجنة تصيغ التقرير بحيث لا يتجاوز عدة صفحات حتى تتاح للكثيرين امكانية قراءته, أما اصدار تقرير سياسي من أربعين صفحة فهو يعيق النشطاء من متابعة التيار سياسيا , أنا شخصيا يمكنني اختصاره الى ألف كلمة من دون ان اخل بأفكاره الاساسية
3- عدم ابراز أي رأي آخر داخل التيار غير رأي المكتب التنفيذي مما جعل التيار يبدو وكأنه فصيل ماركسي لينيني لا يسمح بظهور رأي سياسي آخر مخالف للقيادة الرسمية, كما أن غالبية متابعي التيار لايعرفون من هم اعضاء المكتب التنفيذي.
هذا لايعفينا أبدا عن تثمين دورهم في محاولة تجاوز ماضيهم الماركسي الشمولي كما بدا مثلا في بنيتهم التنظيمية التي لا علاقة لها كليا بالمركزية الديمقراطية , وفي إصرارهم على مؤتمراتهم التي بلغت حتى الآن خمسة مؤتمرات في اقل من سبع سنوات , في حين ماتزال كثير من قوى المعارضة السورية التي تعيش نفس الظروف تتحجج بألف حجة كي لاتعقد مؤتمرا جديدا لها مثل اعلان دمشق الذي ننتمي اليه والذي تجاوز مجلسه الوطني الأول عشر سنوات . وهو لايزال يدار من نفس القيادة التي انتخبت في المجلس الأول . كما ان تجاوز عقلية اليسار السياسية بادية لدى التيار في واقعيته السياسية التي تنطلق من توازن القوى وليس من المبادئ والرغبات كما كان وما يزال سائدا لدى التنظيمات الماركسية .
ختاما أيها الأصدقاء : نعتقد ان المنطقة مقبلة على انفجارات اجتماعية متعددة ولن يستطيع راس المال المتوحش ضبطها كما كان الأمر في السابق بسبب ما راكمت حضارة الجنس البشري من ثقافة نادت بها كل الشرائع السماوية والأرضية لمصلحة الانسان من كونه انسان وليس حيوان وان كان قواد العالم الحاليين وعلى رأسهم بوتين وترامب واردوغان وخامنئي لهم قلوب من بلاستيك تنبض بشكل خال من أي دفء انساني ولا تهمها ابدا عذابات الشعوب كما يحصل لشعبنا السوري فان ذلك ليس سوى لحظة مؤقتة في التاريخ ونعتقد انهم مهما فعلوا وبشكل مشترك لاعادة المارد الى القمقم عاجزون , والشعب السوري بتضحياته سيكون نقطة الاشعاع في المنطقة رغما عنهم , وهو ما يذكرنا في بداية القرن العشرين ودور الشعب السوري في تبني الطريق الوطني الديمقراطي طريق الشرعية الدستورية من المؤتمر السوري الأول الى الدساتير السورية التي كانت علامة فارقة في المنطقة , الى مرحلة الخمسينات ومحاولة السياسيين السوريين اقامة علاقة متوازنة بين المعسكرين المتصارعين انذاك دون انحياز الى طرف ضد آخر, هذا الطريق الذي استفز حكومات دول الجوا روداعموها وعجّل بمؤمراتهم للقضاء على ذلك المسار في سوريا وقد تم لهم ذلك واجهضوه عبر الوحدة مع مصر ومن بعدها انقلاب أذار 1963 واستبدال طريق الشرعية الدستورية بطريق الشرعية الثورية الذي أوصلنا الى كوارث الوضع الحالي .
هذه المرة لن يستطيعوا وأد حلم الشعب السوري على ما نعتقد, ومن اجل هذا الحلم علينا كسوريين ان نعمل لكي يكون طريق الشرعية الدستورية الذي بدأ بالمؤتمر السوري عام 1928 هو القاعدة اما الاستثناء فهو طريق الشرعية الثورية الذي تبلور كليا بعد الحركة التصحيحية . ان بيان آخر وزارة تستوحي مسيرتها من الشرعية الدستورية صدر عن رئيسها خالد العظم في خطاب عام موجّه الى الشعب بتاريخ 13/9/ 1962 وما جاء فيه على زمة اكرم الحوراني في مذكراته ص 3127 وما بعدها .
((السعي المخلص لحكومتكم القومية لكي ترفع سوريا العربية راية نظامها الجديد عاليا , نظام التلازم بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية في ظل الدستور والحرية والعدالة ’ فقد انتهت التجارب الطويلة التي مرت بها سوريا – وكان بعضها شديد القسوة – الى اقتناع أبنائها ان كل قتل للحريات السياسية على حساب انجاز الاصلاحات الاجتماعية أولا , انما هو قتل لإنسانية الإنسان , والانسان أعز ما في هذا الوجود , كما اقتنعت أكثرية أبناءها في الوقت نفسه أنه ليس من حرية صحيحة لأصحاب البطون الجائعة , والعقول الجاهلة والأجساد المريضة .
ولهذا فان سوريا اليوم ترفع الراية الثالثة في الوطن العربي ’ راية التلازم الذي لا انفصام له بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية ’ وتنادي أن الانسان العربي بحاجة الى الحرية والى الخبز والى الكرامة معا .. ))
يلزم النشطاء السوريين الآن سواء كانوا لبراليين أوقوميين أوشيوعيين أواسلاميين ان يرتقوا بنضالهم الى مستوى تضحيات شعبهم, وذلك يلزم اعادة هيكلة كل فصيل لنفسه ومن ثم دخولها في تحالفات جديدة تشبه تحالفات الخمسينات التي قامت على القرار الوطني المستقل لسوريا.
بالنسبة لنا نحن اللبراليين علينا أن نعمل من اجل بلورة حزب لبرالي واضح المعالم شعاره المواطن الحر الكريم المتساوي ودولة المواطنة بنفس المواصفات المحددة في تياركم. ولكننا بصراحة نجدكم مقصرين جدا على هذا الصعيد لكون همكم الأساسي هو الجانب السياسي الداعم للثورة , في حين كان من المفروض ان تبدؤوا بالجانب النظري . جانب الفرق بين اللبرالية والماركسية , جانب أي لبرالية نريد في سوريا؟ ردا على من يتهم اللبراليين السوريين الحاليين بأنهم لبراليون جدد يتبعون تاتشر وبوش وغيرهم من اساطين اللبرالية المتوحشة ومن ثم تفتشون على كل الحلقات او التجمعات او الأفراد التي لها موقف مشابه لموقفكم من اللبرالية بالتوازي مع نشاطكم السياسي . ما رأيكم دام فضلكم ؟
لجنة اعلان دمشق في اللاذقية
………………………………..