التقرير السنوي : لجنة اعلان دمشق ـ اللاذقية
1- في الوضع الدولي والاقليمي :
كل الأنظمة الاجتماعية التي تعاقبت في التاريخ البشري تنازلت فيها الطبقات الغنية مرغمة عن جزء من أرباحها وثرواتها ونفوذها لمصلحة الحركة التاريخية – مما مهد لتقدم القانون على حساب القوة في المجتمع, باستثناء نظام العولمة الجديد, لقد نجحت الطبقات الغنية في تحويره لصالحها منذ البداية ورفضت تقديم أي تنازل لمصلحة التطور على حساب التقليص من نفوذها وثرواتها وهيبتها في المجتمع , يبدو نظام العولمة بكل أسف وكأنه خطوة الى الوراء في مجال العلاقات الدولية التي عادت الى لغة المصالح وتجاهلت لغة المبادئ كليا وأصبحت تعتمد على القوة فيما بينها أكثر مما تعتمد على القانون . لغة المبادئ غابت كليا عن تعامل المجتمع الدولي مع ايران ولم يعمل شيئا يذكر تجاه دستور دولة يخرق الميثاق العالمي لحقوق الانسان خصيصا كونها دولة موقعة عليه ,عبثت ايران بعدها بكل القيم الانسانية وأعادت المنطقة الى القرون الوسطى ليصبح الصراع فيها بين الشيعة والسنة ولا ضير في ذلك مادامت ايران تحقق المصالح الاقتصادية للدول الغربية التي نسيت قرن أنوارها, ولا لروسيا البلد الذي حمل يوما عنوان التقدم الاجتماعي .
اما لغة المصالح فهي فاقعة في حالتنا السورية . ان دول أمريكا وروسيا وايران وتركيا تتواجد على الأرض السورية ليس من أجل دعم الشعب السوري في الحصول على حريته, ولا من اجل التخفيف من ويلاته الهائلة, بل من اجل اقتسام النفوذ وضبط حركة المنطقة بما يخدم مصالح تلك الدول . لايسعنا الّا ان نردد ما قلناه كلجنة في تقريرنا السنوي الصادر أوائل شباط عام 2016 ( ان هذا النهج خطير جدا واذا لم يعاد النظر فيه بحيث ينتج المجتمع الدولي مجلس امن جديد يكون فيه القانون سيدا بدلا من القوة , وتقوم في ظله الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة ويتوازى فيه القول مع العمل من اجل الانسان وحقوقه – ستكون آثاره كارثية مستقبلا على الجنس البشري . )
2- حول الوضع الحالي في سوريا
خرج الأمر من يد السوريين نظاما ومعارضة والسبب الجوهري هو حماقة نظام لم ولن يتورع عن عمل أي شيء في سبيل ان يبقى ممسكا بالسلطة ولو شهورا أو أياما معدودات اضافية , من اجل ذلك حوّل بلدنا الى ساحة لمعارك عسكرية واضحة تشترك فيها الآن عسكر اربع دول هي امريكا وروسيا وتركيا وايران . لامؤشر على نهاية قريبة لتلك المعارك التي لن تنتهي على ما يبدو الا بعد توافق فيما بينهم على مصالحهم المستقبلية في سوريا والمنطقة . والتوافق لا يدخل فيه كعامل ولو ضعيف إنهاء محنة هذا الشعب ومساعدته في الحصول على حريته , لقد وقفوا جميعا مكتوفي الأيدي أمام نظام استعمل كل أنواع الأسلحة ضد شعبه بما فيها المحرمة دوليا كالأسلحة الكيمياوية او الأسلحة القديمة العائدة للقرون الوسطى مثل الحصار والتجويع حتى الموت او الركوع. وما يجري في الغوطة وأدلب الآن خير شاهد على ذلك. مع ذلك وحتى لو تمكّن النظام وداعموه إعادة ادلب والغوطة وكل المناطق الى حضنه ستبقى المشكلة قائمة بين مسار سوتشي ومسار جنيف . مسار سوتشي واستانا لن يحل المشكلة لأنه ببساطة يقف الى الجانب الخطأ من المسار التاريخي ويعتمد القوة العارية في تركيع الشعوب ويتجاهل ثقافة وحضارة الجنس البشري وما أفرز من قوانين دولية , ومسار جنيف هو الأقدر على إنتاج تسوية في سوريا والمنطقة تنسجم بالحد الأدنى مع ما يتطلبه التطور التاريخي .
على الضد من النظام فان المعارضة السورية رغم كل ما يعتريها الآن من ضعف وخصيصا ما يوصف منها بالخارجية هي ببساطة من وجهة نظرنا كانت وما زالت متقدمة عن هذا النظام بتطلعاتها نحو المستقبل القائم على فضاء الديمقراطية والمتجاوز لفضاء الاستبداد, من المجلس الوطني الى الائتلاف الوطني الى الهيئة العليا للمفاوضات, الى رياض 2, لكن المشكلة في أنّ من ادّعوا صداقة الشعب السوري وفي مقدمتهم امريكا واوروبا ودول الخليج فضّلوا بالنهاية الوقوف بشكل غير مباشر وراء الديكتاتوريين لترويض الثورة, ففي ذلك خدمة لرأس المال العالمي ككل, وفي نفس الوقت يريح أعصابهم لأنهم يتحججون ببوتين وخامينائي وحزب الله في القضاء على الثورة بتلك الطريقة الهمجية مع أنهم حقيقة يضحكون بعبهم لأنهم ضربوا عصفورين بحجر واحد.
وحدها المعارضة السورية ممثلة الآن بما يسمى الرياض2 هي القادرة على منح شرعية لأي اتفاق دولي قادم على سوريا, يقوى دورها على ما نعتقد اذا استفادت من أخطاء الماضي وعملت بكل ماأوتيت لتعتمد على الداخل السوري ولتنقل مقراتها اليه لتتخلص من ضغوط الدول المضيفة التي تحضها على تقديم التنازل تلو الآخر للنظام ومن ورائها كل مؤسسات المجتمع الدولي التي فاق ضغطها على المعارضة السورية أضعاف ضغطها على النظام بحجة الواقعية السياسية. نعتقد ان المعارضة لن تفرط بثوابتها ولن تقبل باستبدال مسار سوتشي – مهما قدّم لها من مغريات – بمسار جنيف , وما دام الحال كذلك فيجب على كل وطني سوري غيور ان يقف خلف مايسمى رياض 2 ليدعمهم في المفاوضات بدلا من اضعافهم بالمزاودة عليهم .
ما يخدم القضية السورية الآن هو الضغط من اجل انتقال سياسي كما نصّت عليه المواثيق الدولية وفي مقدمتها بيان جنيف القائل بحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تعمل تحت الإشراف الدولي . فقط في ظل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات يصبح لصياغة تحالفات جديدة تنتهي بمؤتمر وطني جامع للقوى الديمقراطية السورية له معنى. أما في اللحظة الحالية فقد تأتي النتائج عكس مانريد .
في حالة واحدة يجب على وفد المعارضة السورية الانسحاب من المفاوضات اذا حاولوا اجباره كي يقبل مسار سوتشي بدلا من مسار جنيف , يُفضل في تلك الحالة حلّ الهيئة العليا للمفاوضات وترك الأمر لهم ليرتبوا نظاما جديدا على هواهم, في حين تعود المعارضة لتعمل مع شعبها باتجاه دفعة ثانية من ثورتها تتجنب فيها أخطاء الدفعة الأولى .
عبّر أحد أعضاء لجنتنا في الاجتماع المخصص لكتابة هذا التقرير بشكل عفوي عن تطلعات اللجنة بالقول : أشعر بان كل الاحتجاجات الشعبية الحالية التي تجري في المنطقة والعالم سواء في ايران او المغرب او روسيا او امريكا هي دعم بشكل غير مباشر لقضية الشعب السوري لأنها جزء لا يتجزأ من قضية حرية الشعوب وهو ما ينغص أحلام الديكتاتوريين في مسار سوتشي وما علينا سوى الصبر.
يذكرنا الحراك الشعبي الايراني ببداية الحراك الشعبي السوري .من يدري فقد يليه في المستقبل القريب حراك الشعب المصري الذي ينام الكثير منه وهم أحياء في القبور قبل الشعب الايراني بسنين عديدة .
خرج المارد من القمقم ومن الصعب ان لم نقل من المستحيل تجاهل شعوب المنطقة كما كان الأمر في السابق فقد دخلت المعادلة رغما عنهم .
3- اللجنة والمحافظة والمستقبل :
بدأت لجنتنا في العمل السياسي داخل المحافظة وسط تفاؤل عام أشاعته رياح التغيير أوائل القرن الواحد والعشرين. كان ذلك دافعا لوضع خطة طموحة للجنة تقوم على مسح المحافظة من كل الجهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية والسياحية ومن ثم تشكيل لجان فرعية تستعين بكل من يقبل بالتعاون معها على هذه الأرضية سواء كان مع اعلان دمشق ام يختلف معه سياسيا مثل لجنة للزراعة ولجنة للسياحة ولجنة للتعليم ولجنة للثقافة ولجنة للبيئة… الخ . كل ذلك من اجل خلق مجتمع مدني في اللاذقية يسند ويساند الدولة ولا يريد ان يكون بمواجهتها .
والآن وبعد مرور عشر سنوات على انطلاقتنا لم نستطع ان نحقق من طموحنا شيئا .لا بل نسيت اللجنة كل طموحاتها القديمة في السنة المنصرمة وانحصر همّها في الحفاظ على استمراريتها , وهكذا اقتصر نشاطها على اجتماعات دورية أحالتها الى مايشبه لجنة ثقافية معنية بإنتاج دراسات فكرية تكون شاهد على المرحلة ودليل للجان لا بد ان تخلفها في المحافظة عندما تتوفر فرص ذلك,
وقف عاملان رئيسيان امام طموح اللجنة .
الأول: هو اصطدام اللجنة بعقلية رجال الأمن: فهم كانوا وما زالوا يرفضون أي عمل في البلاد ان لم يكن تحت اشرافهم , اضافة الى توهمها أن الحركة الديمقراطية العالمية ستجبر نظامنا على تقديم تنازلات في هذا المجال, لكن الواقع بيّن لنا بالملموس أن أجهزتنا الأمنية لها خبرة ودراية بشؤون العالم لايستهان بها .لقد كانت وما زالت تعرف ان العالم الحالي سيقف الى جانبها لان دوله العميقة تدار من أجهزة أمنية مشابهة لها , ان كل مراقب للتطور العالمي خلال المائة عام الأخيرة سيصل الى نتيجة مفادها : ان ما رفعته تلك الدول من شعارات حول حرية الرأي وحول الانسان وحقوقه تحول الى إنشاء أدبي للاستهلاك, اما الواقع فقد عرف زيادة في عدة وعدد المخابرات في العالم الى جانب الشرطة والجيوش لضبط أي تحرك ديمقراطي خارج ارادة المخابرات.
الثاني : واقع اليسار في المحافظة :
تكاد تكون مدينة اللاذقية من الدول الساحلية المشهورة في العالم بتاريخها الثقافي وبمسحته التنويرية وهو ما اهّل اليسار الطامح الى تحرير الطبقات المسحوقة عبر اطروحاته الاشتراكية لكي يكون فيها أقوى من كل المحافظات السورية بشقيه الشيوعي والقومي . أعطى كل شق العديد من التنظيمات التي تتواجد في المحافظة. فاللاذقية تعرف حتى الأن تنظيمات شيوعية مثل تنظيم بكاش وتنظيم الحزب الشيوعي الموحد وتنظيم قاسيون وتنظيم الحزب الشيوعي السوري المكتب السياي وتنظيم حزب العمل الشيوعي اما الشق القومي فهو أكثر تنوعا اذ يوجد في اللاذقية العديد من التنظيمات الناصرية والتنظيمات البعثية . تلقّى اليسار كما هو معلوم ضربة موجعة بانهيار المعسكر الاشتراكي وما زال تحت تأثير الصدمة حنى الآن .
عجز اليسار اللاذقاني بكل أجنحته عن فهم الثورة السورية ورفض العديد منهم الثورة كون مظاهراتها تخرج من الجوامع ولا يزال غالبيتهم يرى في روسيا الحالية رأس الحربة في الصراع ضد الأمبريالية , مع ان الحقيقة ان روسيا الحالية تلعب دورا رائدا في خدمة راس المال المالي أكثر من امريكا . اليسار اللاذقاني مع روسيا وليس مع أمريكا زعيمة الأمبريالية . الثورة السورية دوخت يسارنا وشتته ولذلك نرى الكثير من رموزه فضّل ترك السياسة والانصرف الى حاجاته .
بكل الأحوال وصلنا في المحافظة الى الوضع المأساوي الحالي
أمراء حرب وأثرياء جدد فيها فهموا اللعبة واستثمروا جميعا – بالتعاون مع امريكا وروسيا وتركيا وايران – داعش وعفَّشوا ما تمكنوا من جهد فقراء عملوا سنوات طوال حتى فرشوا بيوتهم . في اللاذقية اغتنى الكثيرون من التعفيش ودخلوا سوقها بعد ان كانوا حتى الأمس القريب مثل عامة الناس, أما الغالبية فحالتهم تنبئ عنها افتراش الكثير منهم الزوايا والشوارع وتحت الجسور ومّد أيديهم وهم نائمين للمارة كي يحسنوا عليهم . أما أحلامنا كلجنة في ان تتراجع هيبة الأمن في نفوس الناس تماشيا مع مايحكى عن الانسان وحقوقه فقد تبخّرت لنستفيق على واقع أشد إيلاما, أجهزة أمنية تضخمت وتورمت اكثر من السابق وهي تنظر الى نفسها حاليا بانها انتصرت على الحراك الشعبي وتستعد لملاحقة من تبقى من النشطاء السياسيين على قلتهم بإجراء مسح جديد لهم في المحافظة بنفس الروح القديمة التي تريد معرفة آبائهم وأجدادهم وأخوالهم وأعمامهم و كل من يقبل ان يجالسهم , وإضافة اليهم هناك مسلحون من مليشيا متعددة يستمدون هيبتهم من كونهم محاربين أشداء للارهاب العالمي حسب زعم بوتين وخامينائي وحسن نصر الله, ولذلك على المواطن العادي ان يتراجع امامهم على ابواب الأفران وفي كل مكان احتراما لما يبذلوا فيه من جهد لدفع الارهاب بعيدا عن مدينتنا ؟!
ستعمل اللجنة في العام الحالي بنفس الروح والحماس السابقين: روح اعلان دمشق , روح دفع بلادنا للانتقال من فضاء الاستبداد الى فضاء الديمقراطية , روح خلق مجتمع مدني في المحافظة .ولكن بداية العام لا تدعونا الى التفاؤل
لكننا سنعمل على قاعدة لا يًكلف الها نفسا الا وسعها
لجنة اعلان دمشق في اللاذقية أواخر كانون الثاني 2018