السوريون ودولة المواطنة الديمقراطية !
السوريون ودولة المواطنة الديمقراطية !
لم يمكن ممكناً المراهنة على التوافق الدولي في بناء دولة المواطنة الديمقراطية في سوريا، رغم أن هذا التوافق كان ضرورياً في القضاء على الإرهاب، وقد أكد “تيارمواطنة” مراراً على أن دولة المواطنة الديمقراطية تتطلب مساهمة السوريين المؤمنين بالمشروع بأقصى جهدهم، وبالاستفادة من كل فرصة ممكنة بانتخاب مجالس محلية في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام، مع أنه كان واضحاً، منذ دخول الثورة في نفق العسكرة، أن المشهد السوري غدا محكوماً بموازين القوى الإقليمية والدولية، التي لعبت دورها في تطييف الحالة السورية وتخريب النسيج الوطني لكل مكونات المجتمع السوري.
لكن اليوم يلعب العامل الدولي، أمريكا وروسيا، دور المتحكم الرئيس في مآلات المشهد السوري، حيث تم، ويتم، إضعاف العوامل الإقليمية في سورية، المتمثلة بإيران وتركيا أولاً ومن ثم السعودية والخليج العربي عموماً، وذلك بنسب متفاوتة.
ومن الواضح أن تشابك وتعقيد العلاقات الروسية الأمريكية ليس بالأمر السهل، بدءاً من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم والنزاع في أوكرانيا، وصولاً إلى الدور الروسي في سورية، محمولاً على تفاهم إقليمي متبادل مع إيران بداية وتركيا لاحقاً، والذي وجد حامله السياسي في اجتماعات أستانا التفاوضية وسوتشي لاحقاً، كبديل عن مفاوضات جنيف المتعثرة بقرار روسي، غير أن ذلك لم يمنع روسيا مؤخراً من إضعاف الدور الإيراني. ورغم عدم التمسك بالمصالح التركية تماماً، وبشكل خاص فيما يتعلق بدور قوات قسد وحزب P.Y.D، الذي تعتبره تركيا تهديداً لأمنها القومي ولاستقرارها مستقبلاً، فإن الروس وافقوا على دخول الجيش التركي إلى الشمال السوري وصولاً إلى عفرين ثم منبج.
إن التفاهم الروسي الأمريكي في سوريا اليوم قائم على تحقيق المصالح الجيوسياسية والاقتصادية لكل منهما، تفاهم لم ولن يصل إلى حد التوافق على استراتيجيات مشتركة، في سوريا وأوكرانيا ومواقع أخرى، لكنه، إن استمر، سيشكل علامة فارقة في التوازن الدولي وانعكاسه على المشهد السوري مستقبلاً، في ظل شلل أو عجز المنظمة الدولية عن لعب دور فعال أو مؤثر خارج التوازنات الإقليمية والدولية. والإدارة الأمريكية، ورغم إعلان تركيا تحفظاتها على أي دور كردي في شمال سورية، ماضية في دعم قوات “قسد” في معارك طرد داعش من شمال وشرق سوريا وفي توفير الخدمات لهذه المناطق ومنع عودة مؤسسات النظام الأمنية إليها حتى الآن .
إن الاستراتيجية الأمريكية – على الرغم من التباسها- سيكون لها امتدادات إيجابية على مصالح الشعب السوري، وذلك من خلال إضعاف النفوذ الإيراني في سورية بما يشمل حلفاء وأدوات هذا النفوذ، من حزب الله إلى سائر الأطراف الأخرى، وقد بدأ ذلك بشكل أو بآخر عبر العقوبات وعبر الطلب من روسيا إخراج إيران من سوريا، ومن المتوقع أيضاً أن أمريكا سوف تعمل مع الحلفاء بعد الانتهاء من “داعش” على إنهاء المليشيات الشيعية في سورية، جنباً إلى جنب مع إنهاء جبهة النصرة وكل الفصائل المتطرفة في إدلب بشكل أو بأخر.
كما أن أمريكا ستمارس الضغوط، مع حلفائها، على الروس والسلطة السورية عبر موضوع حظر السلاح الكيميائي، وعبر قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومن شبه المؤكد أن نهاية “داعش” ستضع الروس والسلطة السورية أمام استحقاق الحل السياسي بعد سقوط ذريعة مكافحة الإرهاب.
إن الروس الذين عملوا لسنوات طوال وبخاصة في العام الأخير، تدريجياً، ومن تحت، وفي الميدان، وعبر نسج الخيوط مع الأطراف الإقليمية والعربية والمحلية من خلال الهدن والمصالحات، يريدون قطف ثمار عملهم قبل فوات الأوان، إلا أن الأمر، يعود في نهاية المطاف إلى الموقف الأمريكي في سورية بشكل عام، وفي الجزيرة بشكل خاص بما في ذلك في دير الزور والرقة، والموقف الأمريكي هنا يتقاطع مع الموقف الروسي في دفع “مسد” “مجلس سورية الديموقراطية” إلى التفاوض مع النظام أو على الأقل عدم معارضة هذا التوجه.أما النظام السوري فإن موقفه المعلن هو عدم القبول بأكثر من “حكم محلي موسع”.
إن الفترة القريبة المقبلة ستكون امتحاناً حقيقياً لتوافق أو صراع الإرادات في سورية، فإيران بعد زيارة مدروسة لوزير دفاعها إلى دمشق، أعلنت عن بقائها في سورية، في نوع من الرد على الخطاب الأمريكي المتصاعد اللهجة بوجوب رحيلها من سورية، وفي خروج واضح من الارتباك في الاستراتيجية الامريكية، تم التوضيح أن بقاء امريكا في سورية ليس فقط حتى الانتهاء من مواجهة “داعش” وإضعاف النفوذ الايراني وعدم السماح لإيران وحلفائها بملئ الفراغ الناجم عن إنهاء “داعش”، بل حتى حدوث تغيير سياسي حقيقي في سورية، وعلى أهمية وضع إدلب، التي يوجد شبه إجماع دولي على قبول اقتحامها من قبل النظام، خاصة بعد فشل المفاوضات على خروج”النصرة”، فإن نتائج صراع الإرادات لن تتوضح إلا بعد الإنتهاء من ملف إدلب الذي، رغم التوافق عليه، يشكل تحدياً كبيراً، إنسانياً وسياسيا،ً للمجتمع الدولي.
إن المظاهرات العديدة، التي شملت مناطق محافظة إدلب وريف حماة وحلب، رداً على تصريحات ديمستورا وعلى التحضيرات لمهاجمة ادلب من قبل الروس ونظام الأسد، هذه المظاهرات طغى عليها علم الثورة السورية وشعاراتها، وهي يمكن أن تعيد الألق لثورة الحرية والكرامة، لكن حتى تستطيع حشود المتظاهرين تحقيق ضغط حقيقي، يلفت انتباه العالم نحو الكارثة المحتملة، لا بد من التخلص من سيطرة “النصرة” ومن قيادة “الجولاني” وليس فقط التأكيد على رفض عودة نظام الأسد إلى هذه المناطق.
“تيار مواطنة”
01.09.2018