الجزيرة السورية إلى أين؟ 05-02-2019


أمطار طبيعية غزيرة في الجزيرة هذا الموسم، فهل من أمطار من نوع آخر، وإن تكن أقل غزارة، نأمل، فنحن “محكومون بالأمل”.
ليس جديداً ولا مجانباً للصواب القول: إن مستقبل سوريا سوف يصاغ- إلى حد بعيد– انطلاقاً من شكل ومضمون الحل الذي سوف تستقر عليه الأوضاع في شمال سوريا، وفي القلب منها إدلب والجزيرة السورية، الأمر الذي يجعل من قراءة الوضع الراهن واحتمالات المستقبل في الجزيرة أمراً ذا أهمية بالغة، وبخاصة بعد التطورات والمبادرات الأخيرة التي طفت على السطح بعد تاريخ 19 كانون الأول الأخير من قبل الفاعلين الأساسيين وعلى رأسهم بالطبع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وعند هذا الحدّ ثمة كثرة من الاحتمالات النظرية المطروحة بعضها على الأقل يمكن إدراجه في خانة الاحتمالات العملية الممكنة، بما في ذلك الاحتمال المرجح في المدى القصير، تاركين الآن الاحتمالات في المدى الأبعد بما في ذلك ما يدعى عادة الأفق المنظور.
نأتي مباشرة إلى الاحتمالات النظرية التي نعتقد أن من بينها:
1- سيطرة الأتراك بالاتفاق مع بعض الفاعلين الأساسيين أو بشكل منفرد على حزام أمني بطول مئات الكيلو المترات، وبعمق عشرين ميلاً، وإنهاء الإدارة الذاتية وقواها العسكرية، أو دفعها على الأقل إلى الجنوب حيث المحيط العربي الطاغي الذي سيكون من ِشأنه وضع مصير قوات قسد على محك الصراع والنهاية وهو ما تريده تركيا بقوة.
2- سيطرة روسية، سورية، قسدية، ومن خلفهم – من خلفهم فقط – إيران على المنطقة بآلية ما قائمة على التفاوض الحثيث بين قسد والسلطة السورية، بدفع قوي من الروس للوصول إلى الحل المرغوب روسياً، وهو سيطرة السلطة السورية على المنطقة، مع ضمان صيغة باهتة للكرد وقسد ومسد، مع حضور روسي بالطبع يكفي لإيقاف هكذا حل على رجليه.
3- إقناع روسيا لتركيا بأن أفضل الحلول هو سيطرة السلطة السورية مباشرة وبخاصة على الحزام الأمني الشمالي، مع ضمان حق تركيا في التدخل على قاعدة اتفاق أضنة- الذي نُبش من الأرشيف- عندما يكون هنالك خلل في التزام السلطة السورية، أو خطر من قوات قسد، هذا الاتفاق الذي أقر في عام 1998 م، والذي كان نسياً منسياً عندما وصل الترك إلى حدود محافظة حماة، واحتلال جرابلس والباب وشمال حلب وعفرين وإدلب …. إلخ، ومن نافل القول إن استدعاء اتفاق أضنة اليوم هو أكبر دليل على تعقد الوضع في الجزيرة.
4- قيام منطقة آمنة -عازلة في آن معاً (تحقق هدف الترك في دحر الكرد وإعادة اللاجئين), كما تضمن مصالح الأطراف الأخرى، بما في ذلك بالطبع أمريكا بشكل خاص، واستمرار الإدارة الذاتية بشكل أو بآخر على باقي المناطق، دون السماح بتوغل الروس والسلطة السورية إلى أبعد من الحضور الشكلي العام، وهو ما تدعو إليه أمريكا من داخل مجلس الأمن أو من خارجه، وما تقوم به اليوم بشكل حثيث مع بعض الدول الأساسية في العالم، و من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا.. إلخ، هذه المنطقة التي ستقوم بإدارة دولية، أو على الأقل بضمانات وإشراف دوليين ،وهو الأمر الذي ترفضه تركيا وعلى الأرجح أيضاً روسيا والسلطة السورية وإيران، وتوافق عليه الإدارة الذاتية.
5- قيام شكل من أشكال المقايضة بين الوضع في الجزيرة، والوضع في سائر المناطق المحتلة تركياً، وبخاصة في إدلب، يكون الخاسر الحقيقي فيها الإدارة الذاتية والولايات المتحدة، والرابحون الأساسيون تركيا وروسيا والسلطة السورية وإيران.
6- يمكن أن يتفرع عن الاحتمال الرابع، أو يكون جزءاً منه سيناريو تكون فيه قوى عربية هي الحاضر الأساس، من بينها قوى مصرية، إماراتية، سعودية على سبيل المثال.
7- إطلاق معركة عسكرية– سياسية– اجتماعية ضارية ضد الإدارة الذاتية وقواها العسكرية، تكون الفصائل العسكرية الإسلامية والسياسية فيها رأس الحربة، في حين يكون السند الخلفي الطيران والمدفعية والوحدات الخاصة التركية، وهو أسوأ الاحتمالات.
8- وإذ لا معنى للاسترسال أبعد من ذلك في الاحتمالات النظرية– وهي كثيرة- نقول أخيراً: بقاء الوضع على ما هو عليه -في الأمد القصير– مع بعض المتغيرات بدءاً بالعسكرية وانتهاءً بالسياسية مروراً بالاجتماعية.
انطلاقاً مما تقدم فإننا نرجح الاحتمال الثامن الأخير لأسباب عديدة، وعلى رأسها استمرار أمريكا في الحضور العام، وبخاصة بعد المحصلة العملية التي برزت بين مواقع صنع القرار في أمريكا، والتي هي البيت الأبيض، الكونغرس بمجلسيه، البنتاغون، وبدرجة أقل وزارة الخارجية، وCIA، ونترك جانبا الصراعات الداخلية في الحزب الجمهوري، ووسائل الإعلام والرأي العام .. إلخ.
لقد بدت هذه المحصلة واضحة في قرار الكونغرس حول تعديل الانسحاب، حتى لو لم يكن ملزماً، كما بدت في تشجيع الانخراط الأمريكي السياسي والدبلوماسي في الحل في سوريا، الأمر الذي يعني أن الهدف السياسي من الوجود الأمريكي في سوريا بشكل عام، وفي الجزيرة بشكل خاص ليس هزيمة داعش فقط، بل المساهمة في الحل السياسي، ودحر إيران.
ليس هذا فحسب، بل إن الروس والسلطة السورية وإيران يرفضون السيطرة التركية على المنطقة المذكورة، الأمر الذي يجعل تركيا حذرة من الإقدام على مغامرة مرفوضة أمريكياَ وروسياً وسورياً وإيرانياً وكردياً.
كما أن تركيا حذرة بشكل خاص من الدخول في متاهة خلاف حقيقي مع روسا، التي يبدو أنها سائرة إلى أن تكون سيدة الموقف في حال انسحاب أمريكي فعلي، أو حتى تلويح بانسحاب متدرج.
على صعيد آخر لن يكون من شأن الهجوم التركي– بل حتى التهديد الفعلي به– إلا دفع الإدارة الذاتية إلى حضن السلطة السورية، الأمر الذي يقوي أوراق هذه الأخيرة إلى الحد الذي لا ترغب فيه تركيا، وبخاصة في حال بقاء الإدارة الذاتية بشكل ما.
يمكن أن نضيف أن تركيا سوف تواجه بمعارضة دولية حقيقية وبخاصة من دول الخليج العربي وهو ما ظهرت بوادره في تصريح الإمارات.
بقي أن نقول أيضا إن القوى العسكرية للإدارة الذاتية (قسد) ليست من الخفة بحيث يستهان بها، وبخاصة في عمودها الفقري الكردي، وبرأسها الكردي في قنديل وبسلاحها الثقيل وبالدعم اللوجستي الأمريكي.. إلخ، وهو ما يجعل المغامرة التركية بعيدة عن النزهة، فـ “قسد “ليست كبشاً سهل الاصطياد.
كل ذلك وبخاصة التطورات الأمريكية الأخيرة جعلت الإدارة الذاتية تشعر بدرجة من الاطمئنان وهو ما سمح بمتابعة المعركة الضارية مع داعش من قبلها، إذ لولا ذلك لانسحبت هذه القوات شمالاً وغرباً وتركت شوكة داعش للمجتمع الدولي.
وبالانطلاق مما سبق سيكون من الصعب على تركيا إطلاق معركة سوف تدخل المنطقة في أتون صراع دولي إقليمي محلي يصعب التحكم في مداه ونتائجه، وهو ما يدفع للتريث قليلاً أو كثيراً، جنباً إلى جنب مع التهديدات العاصفة التي تحولت إلى صلاة تركية يومية.
كما يحق لنا أن نلاحظ على قاعدة ما سبق، توجه الإدارة الذاتية المتصاعد نحو أمريكا وعدم ارتمائها كلياً في حضن النظام بأي ثمن لحماية الرأس نسبياً.
وفي كل الأحوال – ومع ترجيحنا للاحتمال الثامن في المدى القصير – فإننا لا نستبعد الاحتمالين الثاني والرابع بوصفهما عمليين، حيث يتقدم الثاني بمقدار تراجع الثامن والرابع، في حين يتقدم الرابع بمقدار ما يتوفر من دعم دولي وإقليمي، وبمقدار ما يكون حلاً وسطاً لجميع الأطراف.
إذا كان الحال كذلك – وهو كذلك – فإننا نعتقد أنه في حال بدا أن الوضع الحالي على كفّ عفريت، فإن من الضروري التأكيد على العمل من أجل الاحتمال الرابع، لأنه الأفضل لشعبنا اليوم وفي المستقبل.
وعلينا وعلى المعارضة السورية العربية غير الإسلامية المتطرفة عسكرياً وسياسياً الدفع بهذا الاتجاه حتى إشعار آخر، هو إشعار الحل السياسي الشامل، كما أن علينا جميعاً عرباً وكرداً أن نجد الوسائل والأساليب والحلول لوقف الصراع التخويني المدمر بين المعارضتين العربية والكردية ولواحقهما مع كل نقاط الضعف والقوة والصواب والخطأ في خطابها وممارساتها وانحيازاتها وذلك للعمل معاً بشكل أو آخر بما يجعل تحقيق الأهداف التركية والروسية والسلطوية السورية والإيرانية بعيد المنال.
وفي هذا السياق نقترح التفكير جديا باجتراح الحلول العملية لكسر الحد الحاجز الذي اسمه نهر الفرات والوصل بين ضفتيه الغربية والشرقية كمقدمة لعمل مستقبلي عام نوعي ومشترك.

تيار مواطنة 05-02-2019

المكتب الإعلامي

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة