افتتاحية: الواقع الاقتصادي المتردي في سوريا: من يدفع الثمن بعد سقوط النظام؟

بعد سقوط نظام الأسد بحوالي الشهرين تجد سوريا نفسها أمام منعطف تاريخي جديد على كل المستويات، ويبدو جلياً أنّ الأزمات الاقتصادية التي خلّفها النظام تشكل حيزاً كبيراً من الاستحقاقات الراهنة أمام الإدارة الجديدة ويبدو أنها ستستمر في إلقاء تبعاتها الثقيلة على مصير البلاد في المدى المنظور على الأقل. فقد تركت سنوات الحرب آثاراً مدمرة على مجمل القطاعات الأساسية في الاقتصاد السوري، بدءًا من الصناعة والزراعة، وصولًا إلى التعليم والصحة، كما تجلت في الوضع المأساوي للبنية التحتية الأساسية مثل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
كل ذلك خلق واقعًا اقتصاديًا منهارًا، سبق أن دفع المواطن السوري ثمنه الباهظ في عهد النظام البائد وما زال يدفعه حتى اليوم. فالسنوات الطويلة من الفساد، وسوء إدارة الموارد، واستنزاف الاقتصاد الوطني في تمويل الحرب والقمع، وتشكل شبكة كبيرة ومعقدة من اقتصاديات الحرب، زادت من معاناة المواطنين الذين ظلوا عالقين بين فوضى انهيار الخدمات وغياب الموارد، في ظل غياب نظام مركزي قادر على اتخاذ قرارات فعّالة خلال الشهرين الماضيين.
اليوم، تواجه الحكومة الانتقالية تحديات هائلة تتمثل في ضرورة المعالجة الجدية لأهم تبعات هذا الإرث الاقتصادي المدمَّر مثل: النقص الحاد في السيولة النقدية، معدلات البطالة القياسية، والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية. ومع أن سقوط النظام منح السوريين الأمل بإمكانية بناء مستقبل أفضل، إلا أن هذا الأمل يواجه واقعًا مريرًا يتمثل في أنّ آثار السنين الطويلة من ممارسة الفساد والتخريب لا يمكن إصلاحها بين عشية وضحاها.
لكن السؤال الأساسي اليوم هو: من يدفع الثمن الحقيقي لهذا الانهيار؟ للأسف، الجواب لا يزال ذاته؛ إنه المواطن السوري البسيط الذي أُنهك على مدار السنوات الماضية وأصبح عاجزًا عن تلبية أبسط احتياجاته اليومية. الأعباء الاقتصادية تتفاقم، وتستمر الفئات الأكثر ضعفًا، مثل النازحين داخليًا والعائدين إلى مناطقهم، في دفع الثمن الأكبر. هؤلاء يواجهون تحديات يومية تتراوح بين توفير الغذاء والمسكن، وصولًا إلى الخدمات الصحية والتعليمية التي أصبحت شبه معدومة.
في سياق البحث عن حلول، لا يمكن تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني السوري في هذه المرحلة الحساسة، فالمنظمات الأهلية والإغاثية التي ظلت تعمل طوال سنوات الحرب، والتي قامت بإنجازات معتبرة، يمكن أن تشكل ركيزة أساسية لدعم عمليات الإغاثة وإعادة التأهيل. كما أن مشاركة السوريين المغتربين في شتى بقاع الأرض، سواء من خلال تحويل الأموال أو تقديم الدعم التقني واللوجستي، تُعد عنصرًا حاسمًا في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية.
إضافة إلى ما سبق، هناك بريق أمل يلوح في الأفق. حيث أن وجود حكومة انتقالية تمثل كافة السوريين بكل تنوعهم يمكن أن يكون خطوة أولى نحو إعادة الإعمار والتعافي . لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إصلاحات جذرية تشمل القضاء على الفساد، إعادة بناء المؤسسات المدمرة، ضمان العدالة الاجتماعية، وإرساء قواعد الحوكمة. ولا يمكن تجاهل أهمية الدعم الدولي في هذه المرحلة، فسوريا بحاجة إلى خطة إنقاذ شاملة تشرف عليها مؤسسات دولية، تتضمن تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وتوجيه الاستثمارات لإعادة بناء البنية التحتية، إضافة إلى توفير برامج تدريب وتأهيل للكوادر المحلية.
إن الطريق طويلة وشاقة، ولكن هذه اللحظة التاريخية تمثل فرصة لن تتكرر لبناء اقتصاد سوري جديد يقوم على العدالة والتنمية المستدامة، تُربط فيها عجلة والإصلاحات بالمعايير الصحيحة من الشفافية والعدالة حتى لا يتكرر نموذج الفساد الذي كان سائدًا في حقبة النظام السابق . لقد دفع السوريون ثمنًا باهظًا، وحان الوقت لكي يجنوا ثمار كفاحهم من أجل الحرية والكرامة. تظل المسؤولية اليوم على عاتق الجميع، من حكومة انتقالية، ومجتمع مدني، ودول داعمة، للعمل معاً للخروج من هذا الوضع الكارثي، وفتح صفحة جديدة من النمو والاستقرار لجميع السوريين.

مكتب الإعلام
تيار مواطنة
11.02.2025

Loading

الكاتب admin5

admin5

مواضيع متعلقة

اترك رداً