افتتاحية: مؤتمر الحوار الوطني السوري: الجانب المعتم.

الافتتاحية 0 admin5

مؤتمر الحوار الوطني السوري: الجانب المعتم.

تقريباً، وفي كل الحالات المشابهة للحالة السورية، عند سقوط النظام وليس السلطة فقط، تكون الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني تأسيسي شامل أولى الدعوات التي تقدمها السلطة الجديدة وجميع المهتمين في الشأن العام، وما يحتم هذه الدعوة والجدية والحرص على تنفيذها على أفضل وجه ليس فقط جدية الرغبة في إشراك الجميع في الدولة المقبلة، بل أيضاً الجدية التامة في الإصرار على تجاوز النظام البائد بكل رواسبه وآثاره المدمرة للهوية الوطنية للبلاد وللشعب. لذلك كله، ومن موقع الحرص الشديد على تجاوز النظام البائد، يجب الإصرار وتكرار المطالبة والعمل الحثيث على عقد “المؤتمر الوطني الشامل” بالوسائل الصحيحة وبالاستفادة من التجارب العالمية ووفق المدة التي يقتضيها التحضير ومجريات المؤتمر.
ما جرى في سورية من مؤتمرات “حوار وطني” هو أشبه بذر الرماد في العيون، أكثر منه عملاً جاداً للوصول إلى توافق وطني يرسم مستقل البلاد؛ بدءاً من تكليف لجنة قليلة العدد ومن لون واحد تقريباً، إلى طريقة الدعوات والاستعجال في المواعيد، إلى وقت الندوات غير الكافي، إلى المدعوين بدون أي معايير، وأخيراً إلى استبعاد الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، كل ذلك يشي بهدف واحد من هذا العمل؛ تمرير مؤتمر حوار وطني، بدون نتائج واضحة وملزمة ومقيدة بمواعيد للتنفيذ، وعندها يمكن للسلطة الجديدة القول “نفذنا المؤتمر وكفى المؤمنين شر القتال”.
وتتضح الصورة أكثر إذا تابعنا مصير “المؤتمر الوطني” يومي 24 و25 شباط 2025 والذي اضطر حتى بعض أشد المؤيدين للسلطة الجديدة أن ينتقد بشدة التحضيرات والآليات المتبعة ونوعية الحاضرين؛ فالمستغرب أن يتم نقاش حزمة العدالة الانتقالية والدستور وشكل الدولة والاقتصاد وغيرها في يوم واحد، والأخطر أن اللجان المختصة في كل حقل ستشكل في يوم المؤتمر، والرسالة الواضحة حتى الآن التي تصل السوريين هي “أنتم تَنَاقَشوا ونحن سنقرر ما نريد”، لكن هذه الرسالة لا تأتي عبر المنابر الإعلامية الرسمية بل عبر تصريحات هنا وهناك للسد حسن الدغيم مثلاُ “هذا المؤتمر منزلة بين المنزلتين، فلا هو مقرر ولا هو فقط للاستئناس”، وعبر الرسائل الصوتية لبعض الوفود نقلاً عن السيد الشرع “ستتمتع سورية القادمة بنظام سياسي ذكي ومغاير للملكيات والديمقراطية التي نعرفها”! إذن نحن أمام قرارات، لكن بدون تصريح رسمي، وبانتظار ذلك يكفي تسريب بعض الأخبار المنقولة عن البطانة.
حتى الآن، لم تقدم السلطة الجديدة أي مبادرة جادة بخصوص القضايا الحاسمة في تأسيس الدولة الجديدة وهذا يعكس أحد احتمالين، فإما أن القرارات صارت جاهزة وبانتظار الموافقة الإقليمية والدولية على ما اتخذته السلطة الجديدة بمعنى الحصول على الشرعية الخارجية، وإما أنها لم تحسم أمرها بعد بخصوص الموقف من شكل الدولة القادم والعدالة الانتقالية والديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا الهامة جداً في مستقبل الدولة السورية ونحن نرجح هذا الاحتمال بسبب أن الشرعية الداخلية لا يمكن اكتسابها بدون المرور بمؤتمر وطني وبدون أن تقول جميع مكونات الشعب السوري كلمتها في كل ما سبق، وبنفس الوقت فإن الإجماع الوطني على قضايا الديمقراطية والعلمانية وحقوق الأقليات القومية قد تخلق مشكلة عويصة للسلطة الجديدة، فهل ما نشهده من سلق للمؤتمر الوطني وتسريبات القرارات والتراجع عنها والغموض في معظم المسائل هي محاولة للالتفاف على بعض القوى التي كانت نافذة ضمن هيئة تحرير الشام، وبنفس الوقت هي محاولة للحصول على مباركة المجتمع الإقليمي والدولي؟
نحن في تيار مواطنة نرجح أنها مناورات تستهدف التعمية على بعض القوى الداخلية وتزجية بعض الوقت قبل أن تقول السلطة الجديدة كلمتها بخصوص القضايا الحاسمة، ومرة أخرى مع استمزاج لرأي شريحة كبيرة من السوريين عبر الحوارات الدائرة والتي لا يكمن أن تصل إلى مستوى المؤتمر الوطني، لا على صعيد الشكل ولا المضمون، بسبب افتقاده للتحضير السليم والتنفيذ الموثوق.
كنا في تيار مواطنة قد أكدنا على أن المؤتمر الوطني يجب أن يضم الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنساء والشباب وممثلي الأقليات القومية وممثلين عن المجتمعات المحلية وأن يتم التحضير له بعناية وأن يستمر الوقت الضروري والكافي لإنجاز مهامه، بالتالي فإن ما نراه اليوم مخالف لكل أمنيات السوريين في دولة ديمقراطية تعددية، لكن، ولقناعتنا الراسخة أن المشاركة في العميلة السياسية هي واجب وضرورة فإننا ندعو جميع الديمقراطيين السوريين لرص الصفوف والضغط على السلطة القائمة للبدء بالمسار الصحيح لخدمة السوريين وليس وفق مسبقات سياسية أثبتت عقمها في جميع الأماكن التي طبقت فيه ولا يمكن أن تؤسس لدولة تستحق اسمها، ونحن نشدد على أن بناء الدولة المواطنة يجب أن يستند إلى إجماع وطني ومؤسسات ديمقراطية ودستور عصري يضمن كرامة جميع السوريات والسوريين.

تيار مواطنة
مكتب الإعلام 26 شباط/ فبراير 2025

Loading

الكاتب admin5

admin5

مواضيع متعلقة

اترك رداً