الثورة اللبنانية المجيدة
الانتفاضة اللبنانية المجيدة، التي انطلقت ….
هل هي ثورة أم هي مجموعة من الاحتجاجات الشعبية المؤقتة لأهداف؟
بالعموم تبدأ الثورات بانتفاضات عفوية تجاه مسائل اجتماعية واقتصادية تتعلق بالعيش، أو بالحريات العامة والخاصة، وسرعان ما ترتقي في أهدافها نتيجة عدم استجابة السلطة لأهداف الانتفاضة. وتتسم الانتفاضة بالثورة عندما تنادي بالحرية، فكل الثورات تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية، وإنها أيضاً تطالب بالتغيير الجذري للنظام الاستبدادي السائد. وأن يشترك بالانتفاضة الشعب كله أو أغلبيته. وأن تكون الانتفاضة سلمية ترفض العنف والعنف المضاد. وبالتالي كل هذه العوامل متوفرة في الانتفاضة اللبنانية، وبالتالي هي ثورة للحرية بعد أن تخلى هذا الشعب عن بنيته الطائفية، أي شعر بالحرية عندما تخلص من كابوس الطائفية، وتقديس الزعيم التاريخي الذي لم يقدم شيئاً للشعب.
والذي ينقص الثورة هو عدم وجود قيادة للثورة، مثل حركة التغيير السودانية مثلاً، وهذا يبدو مقصوداً، حتى يتنفس الشعب من الذين يتحدثون باسمه، ريثما تتم تشكيل هذه القيادة من خلال الثورة، عبر المجالس المحلية، أو التنسيقيات التي تتشكل خلال مسيرة الثورة. وهذه الثورة غير مدعومة من أي معارضة سياسية لأنها غير موجودة أصلاً، إنما بعيدة عن كل الأحزاب والطوائف. وكذلك حتى الآن غير مدعومة من أية قوة خارجية وهذا مكسب كبير للثورة اللبنانية.
وشعارات الثورة وأهدافها غير معقدة مثل: “الشعب يريد اسقاط النظام”. اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني مصغرة من التكنوقراط، بعيداً عن الحكومة الراهنة. واعداد برنامج انتخابي جديد لانتخابات برلمانية مبكرة. ورحيل الطبقة السياسية بالكامل بما فيهم رئيس الجمهورية ونصر الله الذي يعبث بالنار تجاه هذه الثورة. ورفض الطائفية والطائفية السياسية. والمفيد أنها ترفع العلم اللبناني شعاراً لها، بعيداً عن كافة الاعلام للأحزاب الطائفية البغيضة. يعني إسقاط الطبقة السياسية بالكامل “كلّون يعني كلّون” بدون استثناء.
جاءت الثورة نتيجة تراكمات للأزمة الاقتصادية والسياسية منذ اتفاق الطائف وتشكيل الحكومة ذات التقاسم الطائفي بعد حرب طائفية استمرت خمسة عشر عاماً. والنظام السياسي متعدد الطوائف حيث يتقاسم امراء تلك الحرب مراكز السلطة والثروة، وصولاً إلى الحكومة الأخيرة التي تشكلت بعد تسعة شهور من الاضطرابات حيث سيطر حزب الله بأغلبية داخل الوزارة، متحالفاً مع التيار الوطني الحر، الذي وضع ميشيل عون رئيساً للجمهورية. حيث بلغت “نسبة البطالة مع التضخم “٣٦٪”، ونسبة الفقر “٤٠٪”بتعبير “ناصر السعيدي”، وأن الشباب اللبناني يشكل النسبة الأعلى للهجرة في العالم. وقد اشتركت كافة الأحزاب السياسية في الوزارة والبرلمان، بحيث لا يوجد معارضة خارج النظام. وأضاف إلى ذلك تدخل حزب الله في سوريا ومشاركته النظام السوري في قتل الشعب وثورته، مما أضفى على النظام نوع من الانقسام تجاه السياسة الخارجية، والحرب والسلام، التي يقررها حزب الله.
تنضم الثورة اللبنانية إلى ثورات الربيع العربي بكافة الأهداف والسلمية لتحقيق الحرية، بدءً من تونس وانتهاءً بالجزائر التي مازالت تصارع النظام القديم واسقاط رموزه بعد ثمانية شهور من بدايتها. والمفارقة الأولى أن الجيش اللبناني هو جزء من السلطة، ولم يقتل المتظاهرين كما هو الأمر في سوريا وغيرها. فقد صرح رئيس اركان الجيش بأنه “ما من جيش وقف ضد شعبه إلا واندثر”، ونحن مؤسسة تحافظ على حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي، وحفظ الأملاك العامة والخاصة”. وبنفس اللهجة عبرت وزيرة الداخلية عن حماية المتظاهرين. لكن هذا الجيش غير قادر على اسقاط النظام، أو الحلقة الأولى فيه، كما حصل في تونس ومصر ومؤخراً في الجزائر والسودان. وبالتالي على الثورة التي تمتلك فرصة ذهبية بانضمام هذا الشعب كله لتحقيق النصر واسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، وتحقيق الفقرة الهامة في اتفاق الطائف، أي تحقيق: “الهدف الوطني..وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية.. وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية” كما ورد في اتفاق الطائف الموقع منذ ثلاثين عاماً، إلا أن النظام السياسي اللبناني أصرّ على الطائفية والتقاسم الطائفي بحثاً عن السلطة والثروة ضمن دائرة الفساد التي تنهش ثروات الوطن، والوطن بدون كهرباء وماء و”الزبالة” في كل الأماكن، بحيث يشعر الشعب اللبناني بالجوع..
وهذه الثورة عليها أن تواجه نظاماً طائفياً غير قابل للإصلاح، وأنها ستواجه ليس مستبداً واحداً، إنما مجموعة من المستبدين الطائفيين المشتركين في الحكم بنسب مختلفة، وجميعهم مشتركين ببؤس لبنان، فاسقاط النظام الطائفي يعني أن الثورة ستقف في وجه كل الثقافة الطائفية المتشكلة منذ عقود. حيث رئيس الجمهورية يدعو الجيش لحصار التظاهرات تمهيداً لوقفها، والحريري يلتمس النجاة بورقته الاقتصادية مع السفراء الغربيين، ورفض إجراء أي حوار مع المتظاهرين، ونبيه بري يرفض الاستقالة بحجة الفراغ الذي سيحدث إذا سقطت الرموز السياسية وهو الذي يشغل رئيساً لمجلس النواب منذ عقود. بينما راح حزب الله يهدد بالمحاكمة لمن يستقيل، ويصرّ بالممنوع على رئيس الحكومة الاستقالة، وأنه سيلجأ للحل الأمني لقمع التظاهرات، ومع حركة أمل يقفان ضد الثورة كما أرسلوا زعرانهم على الدراجات النارية وهم يحملون اعلام حزب الله وحركة أمل بقصد استفزاز المتظاهرين وفرط التظاهرات، وقد يلجؤون لمواجهات أقسى يمارسون بها عنفاً مباشراً، وقد يعملوا على مسيرات مضادة بهدف التشويش أو القضاء على الثورة.
لقد كسر الشعب اللبناني حاجز الخوف من سلطة حزب الله والنظام والأئمة المرافقين لهم، وبات الكثيرون قادرين على التضحية بأرواحهم في سبيل الحرية والعيش الكريم. وقد “كسروا أيضاً الحواجز الطائفية” وعبروا عن الهوية الوطنية البديلة الحقيقية للتقاسم الطائفي الموبوء الذي بنى الوطن كمكان للجوع، والفقر والتشرد. وباتوا ممسكين أيضاً بإرادة قوية على الاستمرار بتظاهراتهم، رافضين كل أوراق الإصلاح المقدمة لأنها صادرة عن حكم فقد الشعب ثقته به عبر عقود، ويطلب من الشعب أن يصمت، والشعب مستمر في التظاهر إلى أن تتحقق أهدافه.
من جديد، الفرصة ذهبية أمام الشعب اللبناني كي يتغلب على الطائفية الفاسدة، وهي خطوة أولى كي يقيم الدولة الوطنية المنشودة، والعيش الكريم في دولة ديمقراطية برلمانية حديثة.
مروان عبد الرزاق