إنذار ..ونداء

مقالات 0 admin

محمود العلي

حين انطلقت الثورة السورية لم يكن هناك تناقض بين هدفها الأساس وأهداف الداعمين الخليجيين والأتراك, فالكل كان يريد تغيير نظام بشار الأسد ولم يكن أحداً بوارد وضع شروط على الآخر بشآن النظام البديل القادم. كان الداعمون يرون انهم يستطيعون السيطرة على المعارضة وتوجيهها الوجهة التي يريدون وكان ممثلي المعارضة يرون تغيير النظام بأي بديل هو أمر أيجابي, ولم يخطر ببال الجميع أنهم ليسوا الوحيدين المؤثرين بل هناك قوى عظمى تستطيع أن تلجم الجميع حين تسير الأمور بالاتجاه الذي لا يرضي تلك القوى.

عمل الداعمون الاقليميون جميعاً على عسكرة الثورة وأسلمتها وتفريق صفوفها, فالخليجيون يريدون الانتصار على المحور الايراني ولكنهم لا يريدون نظاماً ديموقراطياً منفتحاً قد يكون مثالاً لشعوبهم نحو التغيير, واردوغان أراد استعادة الرابطة العثمانية وقيادة العالم السنّي, والهدفين يحتاجان لاسلمة الثورة ليتحققا, والعسكرة تحتاج للمال والسلاح ويمكن بالاول السيطرة على الممول, ولم تكن اجندات الدول الداعمة متفقة كما أشرنا لذلك فالفصائلية هي أمر طبيعي هذا من ناحية ومن ناحية أخرى حين أصبحت معظم القيادات السياسية والعسكرية في تركيا صار توحيدهم مستحيلاً, ليس لان الاجندات مختلفة فقط بل لان السيطرة على الفصائل تقتضي عدم توحيدها وإعطائها قوة تمكنها من استقلال القرار هنا. بدأ الشرخ يحصل بين القرار الوطني للثورة الذي يجب أن يكون, وبين أجندات الداعمين عموماً والاتراك خصوصاً, حيث ظهرت بوادر ذلك منذ تسليم المقدم المنشق “حسين الهرموش” واستدعاء قادة الفصائل حين فكروا بالتوحد وتأنيبهم ومنعهم. وفي اغتيال قادة احرار الشام كذلك, وفي منع الفصائل من التعامل مع اية دولة وتلقي الدعم منها الا عن طريق المخابرات التركية, ومنعهم من المشاركة في الحرب على داعش التي تخرجهم عن سيطرة الاتراك. وكانوا يهدئون مخاوف المتشككين بان النظام سيسقط قريباً وبعدها يمكن اصلاح الامور.

لقد بدأ الشرخ يظهر بين الدول الغربية من جهة وتركيا وقطر ومعهم الإئتلاف من جهة ثانية, منذ مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس,  فالغرب كان ضد الفصائلية والأسلمة, ولكن ظهر انه لن يدعم إسقاط النظام على الأسس التي ألت اليها الأمور, وبدأ يتسع الشرخ حين رفضت تركيا الاشتراك في التحالف ضد داعش, وحصل وقتها التدخل الروسي الذي فاجئ الجميع, ويبدو أن تركيا قررت التصدي له حينها, فتم اسقاط الطائرة الروسية, وليس ادعاء اردوغان لاحقاً ان جماعة فتح الله غولن هم من اسقطوا الطائرة الروسية صحيحاً. فلو كان الامر قد حصل بدون قرار القيادة لاعتذرت تركيا عنه في حينه, ولما انتظرت حتى تم سحب الباتريوت أصبح احتمال المواجهة بين الأتراك والروس قائماً وكانت تركيا بحاجة لدعم حلفها الناتو في هذه المواجهة المحتملة ولم يتأخر حلفاؤها فنصبوا الباتريوت وأعلنوا دعمهم لتركيا ولكنها سحبت بعد زوال الخطر, لقد كان اضحاً أن تركيا تعمل على اسقاط نظام الاسد وتمكين حلفائها ولم يكن الغرب بوارد المخاطرة بالاصطدام بروسيا من اجل تسليم سوريا لاردوغان فالغرب كان وما يزال مع البديل الديموقراطي للنظام عكس كل ما يشاع من تشكيك.

خلال الازمة مع الروس تزعزع امن تركيا ونفذت في مدنها عمليات تخريبية عديدة, بعضها من قبل الاكراد المدعومين آنذاك من الروس وبعضها من قبل داعش التي اعتبرت ان الاتراك قد تخلوا عنها. و أصبح أردوغان في مأزق وفقد أمله في انتصار اجندته في سوريا, فاتجه نحو الروس عله يحصل على بعض المصالح المتعلقة بالحدود ويحصل انصاره السوريين على حصة ما في السلطة القادمة. وهنا ابتدأ افتراق الاهداف الحاسم بين الاتراك والثورة السورية وكانت روسيا بحاجة ماسة له لابعاده كلياً عن حلفه الغربي, ووقف دعم الفصائل بعد أن أفشل أردوغان الخطة الامريكية بتدريب وتسليح عناصراً تشكل قوة تنفيذية على الارض لمحاربة داعش وذلك بارسال عناصر لا يمكن ان تقوم بهذه المهمة اتجه الامريكان للتعاون مع ال (PYD) كبديل, وفشل اردوغان في اخراج الامريكان من الحلبة, ان مطالبة تركيا حالياً بالاشراف على منطقة شرق الفرات لا مبرر له الا للتغطية على خيبات اردوغان. فلا يعقل ان يبذل الكرد مئات الضحايا في قتالهم مع داعش ليطردوها ويسلموا المنطقة بالتالي للاتراك, ومن ناحية أخرى راحت المنطقة التي تشرف عليها تركيا تسلم للنظام قطعة بعد أخرى, بل يبدو ان هدف المطالبة بشرق الفرات هو تسليمها للنظام أيضاً, فالروس لا يجرؤون على الاقتراب منها ما دامت تحت الحماية الامريكية بينما اذا سلمت للاتراك بحجة منطقة آمنة يمكن ان يسلموها للنظام من خلال اتفاقات استانة التي لم تنشر تفاصيلها حتى الآن ويحرمون الكرد من قيام كيان وتهديد محتمل لتركيا. واضح من النتائج ان التفاهم التركي الروسي الذي تم كان على رأس شروطه الروسية “تسليم حلب” وتوقف الفصائل عن قتال النظام الا في حالات الدفاع عن النفس والاعتذار عن اسقاط الطائرة الروسية وربما يكون الصلح مع اسرائيل و شراء السام 400 من هذه الشروط. ولكن ماذا ستحصل عليه تركيا مقابل ذلك؟ لا نعرف, ولكن ايضاً يظهر من التصريحات الاشراف على شريط امني حسب اتفاقية اضنة بحدود فقط 7 كم ومناطق جرابلس والباب وعفرين وتل رفعت وربما الحصول لانصارها على عفو من بشار الاسد ومشاركتهم في حكومة موسعة, ولذلك كانت استانة والالتفاف على قرارات مجلس الامن وبيان جنيف 1 والحل الديموقراطي والآن فالفصائل والإئتلاف والحكومة المؤقتة واللجنة الدستورية بيد المخابرات التركية واذا نجح مسعاها فهي ستأخذنا للاستسلام للنظام بشروطه مع بقاء كتلته الصلبة الأمنية مسيطرة على الحكم لا تأبه بدستور ولا قانون. وما زال الغرب -فيما أعتقد- يعمل على افشال مخططات استانة ومنع الروس من الانتصار, ولكي يمنعوا تسليم ادلب للنظام لا بد من تعاون تركي معهم وهذا ما لا أظنه حاصل. لان تركيا فيما يبدو اتفقت مع الروس على التسليم والتعاون التركي يقتضي ان تفكك تركيا هيئة تحرير الشام وتنزع المبرر من يد الروس للاقتحام, عندئذٍ يستطيع الغرب ان يحمي المنطقة حتى الحل النهائي أو وجود قوة عسكرية على الأرض تتعاون مع الغرب وهذا في هذه الظروف مستحيل فادلب فيما أظن ذاهبة الى النظام اذا لم يحصل طارئ ليس في الحسبان أما الحل النهائي؟

الثابت أن الأمريكي لن يخرج من شرق الفرات على المدى القريب والمتوسط. ولو استطعنا تشكيل جبهة وطنية وازنة تنتزع الشرعية من اتباع اردوغان وتستطيع التفاهم مع الغرب لانقلب الامر على استانة وسوتشي ولجنة الدستور الذين سلاحهم ان من يضع هذا الدستور هم سوريون ولا احد يستطيع ان يبرهن ان هناك اغلبية من المعارضة لا تعترف بشرعية تمثيلهم للسوريين. ولا حل لدينا الآن الا بتشكيل هذه الاغلبية وكلنا يعلم ان الاتفاق بين اطياف المعارضة صعب جداً ولكن بناء جبهة تقوم على اهداف محددة ممكن, ان الاهداف التي يجب ان تقوم هذه الجبهة عليها هي منع تسليم ادلب ورفض الاعتراف باللجنة الدستورية والإئتلاف كممثلين للسوريين ويمكن ان تضم هذه الجبهة أحزاباً وتياراتٍ وكتل وأفرادا.

وأعتبر هذا نداء لكل من يتفق على هذين الهدفين الانضمام الى هذه الجبهة, بغض النظر عن اتفاقه مع المنضمين الآخرين, فالغاية رد الخطر الداهم الذي تعتبر الاحداث الاخيرة مقدمات له.

ادلب – تشرين اول ٢٠١٩

ملاحظة: الآراء الواردة بالمقالة تعبر عن رأي صاحبها, وليست بالضرورة تمثل رأي الموقع.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة