قمة أردوغان – ترامب: غموض وتساؤلات
بكر صدقي
الاحد ١٧-١١-٢٠١٩
منذ ما قبل تحققها، حظيت زيارة أردوغان لواشنطن بكثير من التساؤلات والشكوك. قبل كل شيء، طرح بعض الإعلام التركي، الموالي والمعارض على السواء، السؤال عن جدوى الزيارة، ما دام التواصل قائماً بين الرئيسين بواسطة الاتصالات التليفونية، وهي تحقق نتائج ملموسة، كاتصال السادس من الشهر الماضي الذي أعطى فيه ترامب الضوء الأخضر لأردوغان بالتدخل العسكري في شمال شرق سوريا. كما عبر بعض الإعلام الموالي عن خشيته من فخ ينصبه ترامب للرئيس التركي ليفرض عليه مواقف لا يريدها. حتى أن البعض تكهنوا بماهية الفخ فقالوا إن ترامب قد يطلب من ضيفه التركي عقد لقاء مع قائد قوات “قسد“ مظلوم عبدي الذي حصل على دعوة من ترامب أيضاً لزيارته في البيت الأبيض.
لم يتحقق شيء من مخاوف الإعلام الموالي، أو تمنيات الإعلام المعارض، بل شكلت زيارة أردوغان، في الحسابات السياسية الداخلية في تركيا، محطة نجاح أخرى تضاف لصالحه، بالنظر إلى الجوانب الشكلية والرمزية. فقد أغرق ترامب، في المؤتمر الصحفي المشترك، ضيفه التركي بالمديح والتعبير عن الشكر، ولم يوجه أي انتقاد إليه أو إلى السياسات التركية، كما أبرز موضوع العلاقات التجارية بين البلدين فتحدث عن إرادة مشتركة بصدد رفع حجم هذه التجارة إلى 100 مليار دولار سنوياً.
كذلك أشارت وسائل الإعلام إلى تخصيص ترامب خمس ساعات كاملة لزيارة أردوغان، بين لقاء ثنائي وآخر للوفدين وثالث ضم أعضاء من مجلس الشيوخ ناقشوا أردوغان واستمعوا إليه، فيما يعتبر سابقة في المكتب البيضاوي.
أما في المضمون أو النتائج العملية، فقد اقتصرت مكاسب أردوغان على منع عضو الكونغرس ليندسي غراهام، المعروف بمواقفه المتشددة ضد الرئيس التركي، وصول مشروع القانون الخاص بالاعتراف بمجازر الأرمن في العام 1915 المحال من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ.
تبقى “عقدة المنشار“ في الزيارة هي موضوع الصواريخ الروسية إس 400، حيث كان من الواضح أنه على رأس جدول أعمال الاجتماع، وهو السبب الرئيسي لدعوة ترامب نظيره التركي إلى واشنطن. فما زال الجانب الأميركي يطالب تركيا بتجميد تلك الصواريخ وعدم تفعيلها، بعدما صارت داخل الأراضي التركية. فالخلاف بقي على حاله، إذ عبر أردوغان مجدداً عن أن موضوع الصواريخ الروسية أمر منته ولا رجوع عنه. لكن ترامب تحدث عن “مواصلة العمل“ بين الجانبين للوصول إلى حل، من خلال لجان مختصة. هذا يعني المراهنة على الزمن، وترحيل الخلاف إلى الأشهر القادمة، مع تأجيل فرض العقوبات القاسية على تركيا بسببها وبسبب نقاط الخلاف الأخرى، ومنها العملية العسكرية التركية في المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين في شمال شرق سوريا.
أما الجانب التركي فقد كانت أولوياته مختلفة عن أولويات الأميركيين. فقبل كل شيء هناك موضوع استمرار التعاون العسكري والسياسي بين الأميركيين وقوات سوريا الديموقراطية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، ولا تشاركها في هذا التوصيف أي دولة أخرى باستثناء نظام بشار الكيماوي. كذلك هناك موضوع الداعية التركي فتح الله غولن الذي تعتبره أنقرة المسؤول الأول عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز 2016، وتطالب باستعادته، في حين لا تحرك واشنطن ساكناً تجاه الرجل.
على العموم، لم تنتج عن الزيارة أي توافقات بشأن الخلافات المزمنة القائمة بين الجانبين، بل تم ترحيلها إلى الفترة القادمة من غير أن يظهر أي احتمال لإمكانية حلها، ما لم تحدث تغيرات كبيرة تفرض حلولاً لا يمكن التنبؤ بها الآن. ذلك أن واشنطن تملك أوراق ضغط كبيرة على حليفتها أنقرة التي لا تملك ما يماثلها من أوراق ضغط مقابلة. ويبدو مستقبل العلاقات بين البلدين وكأنه يعتمد بالكامل على العلاقة الشخصية الغامضة بين الرئيسين، في وقت يواجه فيه ترامب إجراءات العزل في مجلس النواب، وقد بدأت جلساته العلنية بالتزامن مع زيارة أردوغان، وذلك قبيل أسابيع قليلة من بدء حملة الانتخابات الرئاسية التي يعلق عليها ترامب آماله في التجديد لولاية ثانية.
ربما هذا الوضع غير المريح للرئيس الأميركي هو ما دفعه لدعوة أعضاء مجلس النواب إلى المكتب البيضاوي للقاء مع أردوغان وجهاً لوجه ومناقشته في موضوعات الخلاف الكبيرة.
لم يبدد المؤتمر الصحفي المشترك التساؤلات والشكوك المحيطة بالزيارة، فقد بقي السؤال معلقاً بشأن الغاية الحقيقية منها. وقد ذهب أحد المحللين في الإعلام التركي إلى حد وضع هذه الزيارة في إطار ما يدور في كواليس الدول العظمى من استعدادات لإقرار نظام دولي جديد ترسو عليه الفوضى القائمة، منذ بضع سنوات، في العلاقات الدولية. ويقوم هذا الافتراض على ما يبدو من حيرة حول موقع تركيا الاستراتيجي بين واشنطن وموسكو، أو بين حلف الناتو وثلاثي أستانة، وتشكل صفقة الصواريخ الروسية والرفض الأطلسي لها التجسيد الملموس لهذا الوضع القلق. قد يكون اجتماع حلف شمال الأطلسي، أوائل الشهر القادم في بريطانيا، هو المنبر الذي سيشهد الإعلان عن النظام الدولي الجديد، وفقاً للمحلل التركي نفسه، فقد بلغت الفوضى في العلاقات الدولية درجة شديدة الخطورة. يفترض هذا التحليل أن الجانب غير المعلن من زيارة أردوغان هو تمهيد الطريق أمام تركيا لتكون، في اجتماع قمة الناتو، شريكاً أطلسياً في إرساء أسس النظام الدولي الجديد.
ملاحظة :
المقال نشر بموقع “تلفزيون سوريا” بتاريخه وهو يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن يعبر عن رأي موقعنا.