قانون قيصر بين التدخل الأمريكي والإحجام

منذ سنوات يصرخ المعارضون السوريون حتى بحت أصواتهم: لو أرادت الإدارة الأمريكية لأسقطت سلطة الأسد في دقائق معدودة!..

قد يكون ذلك صحيحاً، لكنه يفسر الكثير، وهذا الكثير يجب- من موقع المسؤولية- مناقشته مع المعارضة الديمقراطية السورية وبالتأكيد لا نقصد بنقاشنا هنا المعارضة الإسلامية.

الجميع هنا، علمانيون وإسلاميون، يقرون بأن القرار في نهاية الأمر بيد الأمريكان في حسم الصراع السوري، لكن هذا الإقرار مشوب أو فلنقل مختلط بين الإقرار والرغبة في هذا التدخل، وبين العداء السافر الموروث عن الأيديولوجيات القومية واليسارية التي تبنتها تلك القوى عبر تاريخها، هذا عدا عن أن عداء القوى الإسلامية هو عداء أصيل ومستحكم ولم يتغير لبوسه إلا من باب البراغماتية السياسية والانتهازية الفظّة.

ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية اتضحت حدود التدخل الأمريكي واستراتيجيتها السياسية في الحالة السورية والتي تركزت على ثلاث حوامل تراها تلك الإدارة حاسمة في إدارة الصراع مع النظام السوري وبنفس الوقت مع الإسلام الجهادي؛ مكافحة الارهاب والحل السياسي وإعادة الإعمار، وفي الحالات الثلاث السابقة الذكر كان للإدارة الأمريكية سياسة واضحة عبر ممثليها الرسميين وتتضح هذه السياسة أكثر بوصول “دونالد ترامب” حيث بقيت تلك الأولويات ثابتة.

وبغض النظر عن ملاحظاتنا العميقة تجاه التراخي الأمريكي مع الأطراف التي خرقت وماتزال تخرق تلك الثوابت، كالسلطة والفصائل الجهادية وتركيا وحلفائها، فإننا نشدد على أن تلك الثوابت شكلت ضماناً مقبولاً لعدم وصول الجهادية في سوريا إلى الموقع الراسخ كما أنها تمنع السلطة أن تستمر كما طمحت دائماً، من هنا يمكن نقاش قانون سيزر أيضاً كسد في وجه تأهيل نظام الأسد وإعادة الإعمار الذي يحارب الروس والإيرانيون والسلطة للمباشرة به على مشارف الانتهاء من الأعمال القتالية الواسعة وخصوصاً أن ملف إدلب صار ناضجاً للحسم لصالح السلطة وحلفائها وبتواطؤ تركي مكشوف عبر مسار أستانة.

ويمكن أيضاً الجدال في المسار السياسي المتعثر في جنيف وضعف إمكانيات استمراره أو الوصول فيه إلى النتائج التي تطمح الأمم المتحدة إلى الوصول إليها عبر هذا المسار لثلاثة أسباب قوية إلى الحد الكافي لفشله؛ فلا السلطة الطغمة تقبل بنتيجة تجبرها على مشاركة السلطة مع المعارضة ولا الروس لديهم الرغبة الحقيقية في انتقال سياسي بوجود ضمانات دولية وبإشراف دولي، وهذا يعني أولاً وجود دور للولايات المتحدة الأمريكية وأوربا في هذا الحل، ولا الأتراك الذين لن يرضيهم حل أممي يكرس دستوراً علمانياً ويستثني الاسلام السياسي من السلطة وقد يفضي فوق ذلك إلى لامركزية سياسية في سوريا يضمن فيها للكرد بعضاً من الحكم الذاتي والذي يعني عداء الاتراك المطلق لهذا الحل.

ويمكن تلخيص تلك العقوبات في تصنيف المصرف المركزي السوري ضمن البنوك “المعنية بتبييض الأموال بصفة أساسية”. ثم توسيع رقعة العقوبات والمزيد من القيود على الأجانب الذي أجروا تعاملات مع الحكومة السورية على صعيد الغاز الطبيعي والنفط والمنتجات النفطية والطائرات وقطع غيار الطائرات وسلاح الجو وتنفيذ مشاريع البناء والمشاريع الهندسية لصالح الحكومة.

وقد يكون لذلك انعكاسات سياسية تتمثل:

أولاً، في إحباط مشاريع إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة. وثانياً، فإنها تشكل رسالة تحذير للدول العربية والاوروبية من محاولات البعض للتطبيع السياسي مع السلطة. وثالثاً، حصول واشنطن على ورقة تفاوضية قوية مع روسيا لإجبارها على تقديم تنازلات سياسية مقابل رفع العقوبات. ورابعاً، تعقيد عمل الشركات والمؤسسات الخاصة في سوريا بسبب الخوف من العقوبات.

وأخيراً، تعميق الازمة الاقتصادية في لبنان بحكم التداخل بين الاقتصادين والاعتماد على النظام المصرفي اللبناني وتراجع الرهان على المساهمة بإعمار سوريا.

إذن وفق رؤيتنا في تيار مواطنة، يأتي قانون سيزر في الوقت الحرج ليقول للثلاثي الدولي والإقليمي ومن يقف خلفهم أيضاً أن الحل في سوريا يجب أن يتضمن الانتقال السياسي وفق آلية الأمم المتحدة ووفق الرؤية التي صاغتها في اللاورقة التي وضعتها مجموعة الدول المصغرة منذ ثلاث سنوات، والآن لا إعادة للإعمار الا كجزء من عملية الانتقال السياسي التي أقرتها الأمم المتحدة وفق بيان جنيف الأول وقرار مجلس الأمن 2254 ومتمماته.

وقد تكون الفرصة الأخيرة للمعارضة الديمقراطية السورية للدخول إلى ساحة الفعل والمطالبة دائماً بمستلزمات الحل السياسي كوقف الأعمال العسكرية الفوري وحلّ الوضع المستعصي في إدلب عبر مبادرة أممية تنهي وجود جبهة النصرة والفصائل الأخرى وتمنع دخول جيش السلطة وغيره من الفصائل، وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، وتهيئة الأرض لعودة آمنة للنازحين واللاجئين إلى مناطقهم ووقف عمليات التهجير القسري في الشمال السوري، إلى آخر تلك الأعمال التي تساهم في تعميق المأساة السورية وتزيد في تمزق نسيجها الاجتماعي والوطني.

مالم تبادر القوى الديمقراطية السورية إلى تقديم الحلول الوطنية البعيدة عن جميع أشكال التشدد والحافظة لحقوق جميع السوريين على قدم المساواة، ورفع الشعارات التي تثبت جميع السوريين في الحل المأمول فإننا سنبقى أسيري مصالح القوى الإقليمية والدولية وستبقى سوريا مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

تيار مواطنة

مكتب الإعلام   24 كانون الأول 2019

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة