صراع الفيلة من إدلب إلى أطراف حلب

مقالات 0 admin

منذ انهيار الهدنة الهشة التي أعلنها الرئيسان الروسي والتركي، في 12 كانون الثاني الفائت، في منطقة خفض التصعيد الخاضعة نظرياً لاتفاق سوتشي الروسي – التركي (أيلول 2018) ترتفع وتيرة التوتر السياسي بين موسكو وأنقرة باطراد. وبلغ الأمر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن قال إن مسار أستانة في طريقه إلى الانتهاء. وتتهم أنقرة موسكو بالإخلال بالاتفاق، في حين تتهم موسكو أنقرة بعدم الوفاء بالتزاماتها وفقاً للاتفاق نفسه.

في هذا الإطار واصلت ميليشيات النظام الكيماوي تقدمها، خلال الأيام القليلة الأخيرة، فاستولت على معرة النعمان، وتتجه الآن نحو سراقب، وهما مدينتان رئيسيتان على الطريق الدولي حلب – دمشق، ذلك الطريق الذي كان من المفترض أن يتم تأمينه وفتحه وفقاً لاتفاق سوتشي، وفشلت تركيا في تنفيذ ذلك كما تقول موسكو التي قررت تحقيق هذا الهدف بالقوة، أي بالقصف المتواصل وتهجير السكان وصولاً إلى احتلال المناطق الواقعة على طرفي الطريق.

من المحتمل أن تركيا لم تحصل في مباحثاتها مع الروس، الشهر الماضي، على ما تريد، فكان قرارها تصعيداً عسكرياً في مواجهة زحف ميليشيات النظام وقضمها المزيد من المناطق، وما رافق ذلك من تهجير للسكان المدنيين في أكبر موجة نزوح شهدتها المنطقة منذ نيسان 2019. لا نعرف ما الذي طلبته تركيا من روسيا بالضبط، مقابل التخلي عن منطقة خفض التصعيد، وهناك تكهنات تتحدث عن مطالبة تركيا بشريط حدودي شمال محافظة إدلب، على غرار المناطق الحدودية الأخرى التي غزتها القوات التركية في السنوات السابقة.

وهكذا انتقلت الصدامات إلى مناطق جديدة فيما يمكن تسميته بصراع روسي – تركي مصغر داخل إطار التعاون بينهما في مسار أستانة، صراع يستهدف فرض الإرادة على الشريك اللدود بالقوة. فإضافة إلى ريفي حلب الغربي والجنوبي اللذين تعرضا لقصف جوي مكثف من الطيران الروسي والأسدي، انتقل الصراع الساخن إلى مدينة الباب التي قصفت فيها طائرات روسية سوق الهال القديم وجامعين قامت تركيا ببناء أحدهما. هذا تطور خارج المألوف بالنظر إلى أن المدينة المستهدفة تقع ضمن إطار منطقة “درع الفرات” التركية منذ العام 2016. هذه أول مرة تقصف فيها طائرات روسية “منطقة تركية” في شمال حلب. كما تحدثت أخبار غير مؤكدة، في وسائل إعلام تركية، عن قصف طائرة تركية لمواقع لميليشيات الأسد غربي مدينة حلب الذي يشهد اشتباكات ساخنة منذ يومين. قد يكون هذا التفصيل الأخير مفبركاً، ولكن مجرد فبركة خبر من هذا النوع هي مؤشر قوي على مدى التوتر بين الروس والأتراك.

من المحتمل أن أحد أسباب التوتر الروسي – التركي هو رغبة روسية في إرضاء أصدقاء جدد يتمثلون في دول عربية إضافة إلى إسرائيل

من السذاجة بمكان توقع إنجازات ميدانية لمصلحة الفصائل على حساب قوات النظام، في أرياف حلب وإدلب. ما يجري هو معركة وظيفية تريد تركيا بواسطتها فرض بعض الشروط على روسيا. قد يتعلق الأمر بمنطقة نفوذ جديدة على الشريط الحدودي شمال محافظة إدلب، بما يخلق اتصالاً برياً يمتد من ريف حلب الشمالي، ومنطقة عفرين، وصولاً إلى أبعد ما يمكن غرباً. وقد يتعلق الأمر بالوضع في ليبيا، حيث باتت تركيا وروسيا على طرفي خط الصراع، هناك أيضاً، أي بين حكومة طرابلس المدعومة من تركيا وقوات حفتر المدعومة من روسيا. وأخيراً قد تتضمن المطالب التركية من روسيا أيضاً ضمان عدم مشاركة “مجلس سوريا الديموقراطية” (الإطار السياسي لقوات سوريا الديموقراطية) في أي مسار سياسي. وقد كان هذا المطلب متحققاً طوال السنوات الماضية، فبقي حزب الاتحاد الديموقراطي خارج مسار جنيف، وخارج مسار اللجنة الدستورية، بضغط من أنقرة على مختلف القوى الفاعلة في الملف السوري. غير أن تعاوناً مستجداً بين قوات روسية وقوات سوريا الديموقراطية في مناطق واقعة شرق نهر الفرات، وأخباراً تتحدث عن استعدادات جارية لدى “مسد” للمشاركة في العملية السياسية بدعم من روسيا، جعلت بدن تركيا يقشعر خشية تحقق ذلك. ومن المحتمل أن تدعم روسيا، في الفترة القريبة القادمة، إدخال “مسد” في المسار السياسي لإرضاء شركاء جدد، السعودية ومصر والإمارات، وهي دول تخاصم الحكومة التركية بشدة ولا تتوقف وسائل إعلامها عن الهجوم على القيادة التركية. وقد يمكن إضافة إسرائيل أيضاً التي شارك بوتين في إحيائها ذكرى المحرقة اليهودية. ليس من قبيل “حكي الجرائد” أن تنشر إحدى الصحف الإسرائيلية، قبل أسبوعين، مقالةً تشبّه رئيس جهاز المخابرات القومية التركي هاكان فيدان بقائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني الذي اغتالته طائرة أميركية مسيرة أوائل شهر كانون الثاني الماضي، فتقول إنه بعد مقتل السليماني “ينبغي تركيز الاهتمام على هاكان فيدان”! باعتبار أن سليماني كان رأس حربة التوسع الإيراني في المنطقة، وفيدان “مهندس التوسع الامبراطوري العثماني المستجد”. من المحتمل إذن أن أحد أسباب التوتر الروسي – التركي هو رغبة روسية في إرضاء أصدقاء جدد يتمثلون في الدول العربية المذكورة إضافة إلى إسرائيل. هذا إضافة إلى أن الجهة التي تدعمها موسكو في الصراع الليبي، أي قوات حفتر، مدعومة أساساً من الإمارات ومصر.

من المبكر الحديث عن قطيعة روسية – تركية كاملة، فحجم المصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين لا يسمح بافتراض مماثل. والمرجح أن ينتهي “الكباش” الجاري حالياً في الشمال السوري إلى توافقات جديدة بين بوتين وأردوغان.

بكر صدقي – تلفزيون سوريا

3-2-2020

الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة