قراءة في المشهد السياسي شرقي الفرات وآفاق المرحلة المقبلة

تحت عنوان “قراءة في المشهد السياسي شرقي الفرات وآفاق المرحلة المقبلة” عقد منتدى المواطنة ندوة استضافت الناشط السياسي “كرم دولي” في مساء السبت ١١-نيسان-٢٠٢٠ عبر السكايب, حضرها جمع من المهتمين بالشأن السياسي السوري واستهلها الضيف بالنص التالي:

السيدات والسادة المحترمين مساء الخير

بداية أود أن أشكر الأصدقاء في تيار مواطنة على دعوتهم وعلى نشاطهم المميز في هذا المنتدى، وأرجو أن تحقق ندوة اليوم الغاية المرجوة منها.

لا أخفيكم سرا أنني واجهت صعوبة كبيرة نسبيا في تحديد المحاور التي يمكن من خلالها الإحاطة بموضوع الندوة ” قراءة في المشهد السياسي شرقي الفرات وآفاق المرحلة المقبلة”، لكني بعد اطلاعي على عناوين الندوات لاحظت بأنه كانت هناك أكثر من ندوة مخصصة للحديث حول واقع هذه المنطقة ولديكم اطلاع كافي على أهم ما شهدته منذ العام 2011. لذلك سأبتعد عن موضوع التقييم للادارة القائمة وسأركز على استعراض أهم الفاعلين في المنطقة ومصالح كل طرف منها،. ثم سأحاول استعراض بعض السيناريوهات المحتملة وصولا لمحاولة الاجابة عن ممكنات العمل انطلاقا من هذه المنطقة.

أرجو لكم استماعا ممتعا.

نشوء منطقة شرقي الفرات كمنطقة نفوذ جيوسياسي تحت سلطة الإدارة الذاتية:

تعتبر منطقة شرق الفرات مع امتداداتها المفتوحة على البادية، منطقة حيوية، وذات موقع استراتيجي هام، نابع من كونها تحاذي العراق وتركيا، ومفتوحة على الأردن ودول الخليج، وهي غنية بثرواتها ومواردها النفطية والمائية والزراعية، ما جعلها ساحة صراع مفتوح، ومسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. وتشكل هذه المنطقة أكثر من ربع مساحة سوريا، وتضم ثلاث محافظات هي: الرقة وديرالزور والحسكة.

إن سيطرة تنظيم داعش على معظم المنطقة عام 2014، دفعت التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة، لتركيز كل جهوده لتحريرها من داعش، بالاعتماد على وحدات حماية الشعب (الكردية) التي ترى فيها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني, الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية وتحاربها منذ عقود، وبعد رفض غالبية فصائل ما كان يعرف بالجيش الحر شروطها باقتصار قتالهم لداعش دون النظام. في تشرين الاول 2015 وبتشجيع أمريكي تم الإعلان عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حيث بقيت وحدات حماية الشعب والمرأة تشكلان نواتها الصلبة، بعد ضم مجموعات عربية وتركمانية وسريانية آشورية إليها، لتجنب استفزاز تركيا وامتصاص نقمتها على دعم حليفها في حلف الناتو لمجموعات تصنفها تركيا على لائحة الإرهاب.

بموازاة التقدم في محاربة داعش، وانتزاع المزيد من الأراضي منه، تمكنت الولايات المتحدة من تحويل المنطقة إلى منطقة نفوذ تابعة لها، وبات مصطلح ” شرق الفرات ” منذ 2016 يبرز للتعبير عن منطقة نفوذ رسمت خطوط التماس مع الروس بعدما أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية  العديد من القواعد العسكرية في أرياف الرقة وديرالزور والحسكة، ضمت حوالي (2200) جندي أمريكي من القوات الخاصة والمستشارين والمدربين، إضافة لأعداد أقل من قوات تابعة لفرنسا وبعض دول الناتو.

الدعم الكبير الذي قدمه التحالف الدولي لقسد، جعل منها القوة العسكرية الثانية بعد قوات النظام، ومكّنها هذا من السيطرة على أراضٍ شاسعة في شرق الفرات وأخرى غربه (منبج). وبالتزامن مع التضخم العسكري لقوات (قسد)، أقيمت في المنطقة إدارات ذاتية ومجالس مدنية خاضعة لسيطرة وتحكّم حزب الاتحاد الديمقراطي – النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني. زاد هذا من مخاوف تركيا من قيام كيان كردي على حدودها يقوده عدوها اللدود pkk  بدعم من حليفها الأمريكي، ووفق الرؤية الاستراتيجية التركية، فإنّ ذلك يشكّل خطراً على الأمن القومي التركي، ونتيجة لذلك، ساءت العلاقات التركية الأمريكية، وبلغت درجة عالية من التوتر، جعلت تركيا تميل لتعزيز العلاقة مع روسيا وإيران، وبفضل العلاقات الجديدة، تمكنت من السيطرة على مناطق شمال شرق حلب عبر عملية درع الفرات، وعلى منطقة عفرين عبر عملية غصن الزيتون بمشاركة فصائل سورية موالية لها.

تركيا:

مع قرب الانتهاء من القضاء على داعش، والفشل الأمريكي (أو عدم الرغبة) في تبديد الهواجس والمخاوف التركية رغم تحويل المظلة السياسية للإدارة الذاتية و(قسد) إلى مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بدلا من حركة المجتمع الديمقراطي (تفدم) المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنظومة PKK ، وبذل محاولات غربية لفك ارتباط القوة المهيمنة على الإدارة الذاتية عن قيادة قنديل، لكن هذه المحاولات لم تفلح في تهدئة الاستياء والغضب التركي الذي استمر في حشد قواته والتهديد باجتياح عسكري لخلق منطقته الآمنة.

بعد تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة على خلفية الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب واستمرار اعتقال القس الأمريكي أندرو برونسون. شهدت العلاقات انفراجةً كبيرةً بين الدولتين في الأشهر الاخيرة من العام 2018، وحملت بعض الأخبار السارة لتركيا، وجاءت لتصبّ في خدمة مصالحها وتعزيز دورها في الملف السوري. فبعد إطلاق سراح القس الأمريكي، تقدمت واشنطن بخطوات نحو أنقرة، بهدف وقف تقاربها مع موسكو. وفي هذا المجال، أجادت الحكومة التركية في إدارة لعبة التوازنات بين الطرفين الروسي والأمريكي. حيث بدا اتفاق سوتشي الموقّع بين بوتين وأردوغان (بدعم دولي) حول إدلب وبمعزل عن الشريك الإيراني، بدا وكأنّه نوع من المكافأة لتركيا، وإضافة لرصيدها كضامن للمعارضة ضمن ثلاثي أستانا. ومن ناحية أخرى بدا وكأنّ التهديدات التركية باقتحام شرق الفرات وكأنها أتت أكلها في دفع الرئيس ترامب لإصدار قراره بسحب القوات الأمريكية من المنطقة وإعلان التنسيق مع تركيا لإقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، والذي جاء بمثابة هدية غير منتظرة لأردوغان، واستجابة من كافة الأطراف بمراعاة هواجسها الأمنية في دفع وحدات حماية الشعب بعيداً عن حدودها.

هذه التطورات، بقدر ما أراحت تركيا، فإنها في الوقت نفسه أثارت لديها مخاوف من الوقوع في فخ سوء التقدير وتحميلها مسؤوليات أكبر قد تدفعها للانزلاق أكثر في المستنقع السوري، لهذا فإنها عملت على موازنة خطواتها بحذر وعبر تنسيق أكبر مع الأمريكان والروس. تجلى ذلك بتفاهمين منفردين مع الجانبين الروسي والأمريكي أنهيا عملية “نبع السلام”  التي أخضعت المنطقة الحدودية الممتدة من رأس العين الى تل ابيض وبعمق 30 كم الى النفوذ التركي، وكان من تداعياتها أيضا تصاعد الدور الروسي في المنطقة وكذلك حضور خجول لقوات النظام.

إنّ تركيا تدرك أنها رغم امتلاكها للعديد من الأوراق التي تسمح لها بالتأثير في مجرى النزاع السوري، وتأمين مقعد لها على طاولة التسوية السياسية مستفيدة من عامل الجوار الجغرافي، وقدرتها على التحكّم بالمنافذ الحدودية، والإمساك بملف الفصائل المسلحة في الشمال، وجزء مهم من المعارضة السياسية (الائتلاف)، فإنها لا يمكن لها الاستغناء عن التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة وروسيا القادرتان على وضع سقف لطموحاتها، وهي من جرّبت هذه القدرة في مراحل سابقة.

الولايات المتحدة الامريكية:

طيلة مراحل الصراع في سوريا، فإنّ تعاطي الإدارة الأمريكية مع الشأن السوري اتسم بالغموض، وانطوى على تناقضات أربكت الجميع بما في ذلك حلفائها، ما أفقدها الكثير من المصداقية. وفي وقت كانت قد تكشّفت فيه ملامح رؤية استراتيجية جديدة للتعاطي مع الملف السوري، تستند لفكرة البقاء لأمد غير محدد، ولهدف القضاء على تنظيم داعش نهائياً وضمان عدم عودته من جديد، وتقليص النفوذ الإيراني، والمساهمة في الوصول إلى حل سياسي في سوريا. ومع بدء ظهور مفاعيل ونتائج هذه الاستراتيجية عملياً على الأطراف الأخرى من خلال إرساء نوع من التوازن العسكري والسياسي على الساحة السورية. جاء إعلان ترامب بسحب القوات الأمريكية من شرق الفرات، صادما للجميع، وخلّف تداعيات داخلية وخارجية لا تزال تتفاعل. فبعد عملية نبع السلام باتت المنطقة مزدحمة بقوات روسية وامريكية وتركية بالإضافة لقوات النظام وقوات قسد وهو وضع لا يحمل مقومات الاستمرارية بل يشي بوضوح الى أن الوضع ذاهب لا محالة الى حالة ستقوم على أسس جديدة وستعكس خارطة نفوذ جديدة، فأمريكا تريد الانسحاب، مع حفظ المصالح التركية وحماية القوات الكردية، ومنع النظام السوري من استعادة السيطرة على شمال شرق سوريا، وبنفس الوقت فإنّ القوات الأمريكية ستحتفظ بقدراتها على توجيه ضربات لداعش عبر الحدود العراقية، والاستمرار في محاربة النفوذ الإيراني، عبر الإبقاء على قاعدة التنف، وإطلاق يد اسرائيل في استهداف مراكز ومواقع إيران في سوريا، وهي أهداف متناقضة ولا يوجد أية ضمانات لكيفية وآليات تحقيقها.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأحد الجزم بثبات الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب على قراراتها، فإنه من الواضح أنها لا تبدي اهتماماً كبيراً بتفاصيل ما هو محلي حتى ولو بدا للبعض تناقضا مع مصالحها، فهي مثلاً  – إن لم تشجع – فإنها لم تعترض على محاولة الإدارة الذاتية للتفاهم مع النظام بوساطة روسية تحقق لها مكاسب الحد الأدنى وتحميها من الخطر التركي، كما أنها تعيش اليوم حالة مساكنة مع القوات الروسية التي لا تبعد عن بعض نقاطها بضعة كيلومترات، في حين أنها جابهت قبلها محاولة مجموعة روسية تابعة لشركة أمنية خاصة (فاغنر) الاقتراب من حقول الغاز في دير الزور برد عنيف وحازم.

روسيا من جانبها، تعتبر المنطقة مهمة في إطار صراعها مع الولايات المتحدة على النفوذ في سوريا. وبنى الروس قواعد لهم في ديرالزور مقابل القواعد الأمريكية وايضا في ريف القامشلي والحسكة في خطوة تهدف إلى بسط النفوذ على كامل مساحة سوريا. بنفس الوقت فإنّ أنظار روسيا تتركز أيضا على ثروات المنطقة، والتي تحتاجها في استثماراتها المستقبلية من أجل تمويل وجودها العسكري.

وهي التي تخطط للبقاء طويلاً في سوريا، واستخدامها كمنصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، واستعادة دورها على الساحة الدولية. وهي تدرك أنّ هذا لا يمكن أن يتحقق في ظل التعقيدات التي تلفّ المسألة السورية وتعدد اللاعبين المنخرطين فيها، دون أخذ مصالح الآخرين بعين الاعتبار، لذلك تعمل على تخفيف حدّة التنافس مع حلفائها وشركائها في أستانا، وتسعى لإقامة توازنات دقيقة، تراعي فيها مصالح الدول المتدخلة في النزاع السوري. فنراها تتعاون مع تركيا، وتضمن لها مصالحها في مناطق درع الفرات وإدلب، وتمنحها الضوء الأخضر لاحتلال عفرين وترسم معها حدوداً جديدة ضمن شرقي الفرات عبر عملية نبع السلام. وفي الوقت الذي تسمح فيه لإسرائيل بضرب القواعد والميليشيات الإيرانية في سوريا، فإنها لا تستطيع الاستغناء عن إيران ولا تريد ذلك، لحاجتها إلى الميليشيات الإيرانية لضمان بسط سيطرة النظام على الأرض، وبالتالي تعزيز قدرة روسيا على السيطرة والتحكّم.

إيران أيضا، تتمتع بنفوذ كبير في ريف ديرالزور الشرقي، حيث تتواجد العديد من الميليشيات التابعة لها في مدن ديرالزور والبوكمال والميادين، وتتطلع إلى توسيع نفوذها في المنطقة، لأنها تعتبرها منطقة حيوية لإكمال مشروعها الرامي إلى إنشاء ممر بري يبدأ من طهران وينتهي في الضاحية الجنوبية لبيروت على البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا. لكن الوجود الأمريكي يمنعها من القيام بذلك، ولا يستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة لخوض مواجهة غير مباشرة مع إيران في شرق سوريا، عبر وكلائها في (قسد) وربما مغاوير الثورة المتمركزة في التنف، في حال تجاوزت إيران الخطوط الأمريكية الحمراء بالاقتراب من منشآت النفط والغاز. وهي التي دعت الى تكثيف الضغوط على إيران من خلال تشكيل حلف إقليمي ودولي لمواجهة الخطر الإيراني من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي عقد في العاصمة البولندية وارسو في شهر شباط من العام الماضي.

لا شك أنّ الضغوط لن تتوقف على إيران وعلى تمدّدها الإقليمي، وفي ضوء المواقف المعلنة أميركياً واسرائيلياً وخليجياً، فمن المنطقي ان يكون أحد العناوين الأساسية للصراعات في المنطقة هو “محاربة نفوذ إيران”. وهذا سيضاعف من مشاكلها في حال راهنت على خيار المجابهة، وهو خيار لن يحميها من الانزلاق نحو الانهيار، أمّا في حال ارتضت (تجرّع شيء من السّم)، واستجابت لشروط الإدارة الأميركية، فقد تستطيع الحفاظ على شيء من مكاسبها ونفوذها، لكنّها لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن تحظى برضى وقبول شريحة واسعة من السوريين تعتبرها شريكاً أساسياً في مفاقمة مآسيهم.

وتشي التفاعلات الأخيرة التي اقتصرت على الروس والأتراك بعيداً عن ايران في كل من الشمال الشرقي والغربي عن تراجع واضح للدور الإيراني وربما بداية تصدع في محور أستانة الذي استفنذ الحاجة لبقائه برؤوس ثلاث باتجاه صيغ جديدة أكثر تعقيداً يقع فيها الدور الإيراني الى الخلف وراء الحضور والدور الروسي في الشمال السوري. مقابل بروز دور محوري لتفاهمات تركية امريكية روسية مرشحة لرسم ملامح المشهد السياسي والعسكري في المرحلة المقبلة.

النظام السوري من جهته، يتحيّن الفرص للعودة إلى المنطقة، وفرض سيطرته عليها، لما تتوفر عليه من ثروات (النفط والغاز والمياه والسدود والزراعة والثروة الحيوانية)، والتي بدونها لا يستطيع بناء بنية اقتصادية متكاملة تسمح له بإدارة البلاد بعد انتهاء الحرب، لهذا يسعى بكل السبل للعودة إليها، لكن الفيتو الأمريكي يحول دون عودته، علما أنّ النظام ما زال يحتفظ بمربعين أمنيين في الحسكة والقامشلي وفوجين في ريفي القامشلي والحسكة وبعد عملية نبع السلام زاد حضوره العسكري لكن بشكل خجول اقتصر على بعض المناطق وذلك لعدم توافر زخم عسكري كافي في ظل تكثيف تواجده في الشمال الغربي.

الإتحاد الأوروبي:

رغم الخلافات مع الادارة الأمريكية , فإن دول الاتحاد الأوروبي تقف خلف الموقف الامريكي، مع مراقبة للدور الروسي المتنامي في سوريا عن قرب، ولم تظهر هذه الدول فعاليةً كبيرةً في التأثير على أطراف الصراع في سوريا, باستثناء الأدوار الإنسانية التي التزمت بها, واستقبال موجات من اللاجئين. مع ذلك يبقى الدور الأوروبي هاماً وضرورياً في مرحلة ما بعد الصراع المسلح, وخاصة فيما يتعلق بربط عملية إعادة الإعمار بعملية انتقال سياسي حقيقي, والضغط على الروس من أجل تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي, حيث يسعى الأوربيين لاستثمار ورقة إعادة الإعمار لتخفيف الجموح الروسي في سوريا, إدراكاً منهم بأن النظام وحلفائه لا يملكون القدرة والإمكانية على إنجازها.

تنظيم الدولة (داعش)، فقد الكثير من حضوره في المنطقة، لكنّه ما زال يحتفظ بوجود له شرقي الفرات بمحاذاة الحدود العراقية والبادية، ولا شك بأن الامتداد الصحراوي على بادية الشام والعراق يوفر له إمكانات التخفّي ولملمة فلوله، للعودة من جديد في حال حصول أي تراخي في ملاحقته والقضاء على ما تبقّى منه.

بعض الدول العربية (السعودية والإمارات)، حاولت خلق مراكز نفوذ لها في المنطقة، بالاعتماد على استمالة العشائر العربية، ودعم قوات سوريا الديمقراطية، من أجل مواجهة التغلغل الإيراني، ومناكفة تركيا، وسيلتها لتحقيق ذلك المشاركة في إعمار بعض المناطق، وَضخ أموال لشراء الولاء بين العشائر.

ويلاحظ أنّ المعارضة السورية في منطقة شرق الفرات غائبةً تماماً، ولا تملك أي وجود عسكري أو حتى سياسي في مناطق ديرالزور والرقة، والكثير من العشائر العربية في المنطقة غير راضية عن تحكّم سلطة ذات طابع كردي بشؤونها. فهناك عشائر بقيت علاقاتها مع النظام وتنسق معه وتنتظر قدوم جيشه، وهناك عشائر مدعومة من بعض الفصائل المكونة من أبناء المنطقة (تعمل في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) راهنت ولا تزال على دخول عسكري تركي من شأنه قلب الموازين لصالحها بعد أن اختلت لصالح ( الكرد ) وفق اعتقادهم.

اطلالة على المشهد العسكري بعد عملية نبع السلام في 9 اكتوبر 2019:

سيطرت القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني” على المنطقة الممتدة من رأس العين الى تل ابيض وبعمق حتى الطريق الدولي M4 مع بقاء بعض القرى شمال تل تمر تحت سيطرة قسد والنظام.

فككت الولايات المتحدة الأمريكية عدداً من قواعدها العسكرية في تل ابيض ومنبج وريف عين العرب فيما قامت بتعزيز وجودها العسكري في قواعد أخرى قرب حقول النفط قرب الرميلان والقحطانية بالاضافة الى قاعدة في هيمو غرب القامشلي. كما قامت بإنشاء قاعدتين عسكريتين في محافظة دير الزور، إحداها بالقرب من بلدة “الصور” شماليّ المحافظة، والأخرى في الريف الشمالي الغربي للمحافظة.

حضور القوات الروسية بات ملحوظاً أكثر من ذي قبل خاصة في مطار القامشلي وايضا من خلال الدوريات التي تسيرها بشكل مشترك مع تركيا على الشريط الحدودي ضمن منطقة نبع السلام بين راس العين وتل ابيض وكذلك من القامشلي باتجاه عين ديوار على الحدود المشتركة التركية العراقية السورية.

أما  قوات النظام، فقد انتشرت في مناطق عدة لم تدخلها منذ 2012 أهمها في تل تمر وريفها الشمالي والشرقي بالإضافة الى وجود رمزي على الشريط الحدودي من الدرباسية الى المالكية.

آفاق المرحلة المقبلة:

المشهد الحالي ببعديه العسكري والسياسي لا يشي ببقائه دون تغيير خلال المرحلة المقبلة التي لا يمكن تحديدها بدقة خاصة في ظل انشغال الجميع بموضوع مواجهة جائحة كورونا ، وربما أيضا بانتظار ترتيبات لاحقة في محافظة ادلب.

عسكريا تشهد المنطقة ازدحاما لقوات امريكية وروسية وتركية تتعزز بالسلاح والعتاد بشكل مستمر. وفصائل اسلامية تحت مسمى الجيش الوطني، بالإضافة الى قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام والميليشيات التابعه لها، ولكل منها مصالح ومشاريع تتناقض مع الآخرين.

الأمر الذي يجعل من حالة صدام عسكري امراً متوقعاً في كل لحظة .

سياسياً: لا تزال سلطة الأمر الواقع التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي تبحث عن اعتراف سياسي يضعها على طاولة التسوية السياسية للمشاركة في رسم ملامح المستقبل عبر بوابة هيئة التفاوض واللجنة الدستورية. في الآونة الاخيرة كانت هناك مساعٍ  مصرية خليجية لتوسعة منصة القاهرة لكي تكون منظومة مسد/قسد جزءاً منها كبوابة للعبور الى النادي الدولي للمعارضة السورية إلا أنه تأجل الى اشعار آخر.

على الرغم من ان افتقادها للمكمل السياسي كان سبباً دائماً لشعورها بالقلق إلا أن التطورات الاخيرة إبان وبعد الاجتياح التركي يجعلها تشعر بقلق وجودي يتمثل بالخشية من اجتياح تركي جديد يأتي على ما تبقى من الشريط الحدودي شرق وغرب منطقة نبع السلام تنفيذاً لمشروع المنطقة الآمنة مع ما يرافقه من تغيير ديمغرافي. الأمر الذي دفعها للبحث مجدداً عن صفقة مع النظام بوساطة الروس للحفاظ على الحد الأدنى من المكتسبات إلا أن هذا التوجه لم يثمر عن شيئ لحد الآن فالنظام لا يزال متمسكاً باستعادة كامل السيطرة على المنطقة وحل قوات سوريا الديمقراطية والتحاق عناصرها بجيشه مع  قبوله ببعض التعديلات الطفيفة على قانون الإدارة المحلية.

بموازاة ذلك، فشلت جميع المحاولات الامريكية والاوروبية في مساعيها لسورنة المنظومة عبر مجموعة من التعديلات في مستوى البنية والخطاب بغية تخفيف هواجس تركيا كما لم تفلح ايضا المحاولات الفرنسية لرأب الصدع مع المجلس الوطني الكردي.

هذه التحديات يضاف لها تحدي آخر يتعلق بطبيعة التنوع القومي والديني في المنطقة وحجم التناقض في الرؤية والمصالح. فعلى الرغم من انضواء عدد كبير من العرب ضمن صفوف قسد والادارة الذاتية إلا أنه لا يعبر بالضرورة عن قناعة بمشروعها بقدر ما يمكن أن يكون مدفوعاً بالحاجة المعيشية والمصالح المؤقتة التي افرزتها حالة السلطة الجديدة، فغالبية العرب ومعهم غالبية السريان الاشوريين والأرمن لا ينظرون للمشروع إلا من حيث كونه مشروعاً كردياً بكل ما تستحضره هذه النظرة من سرديات متصارعة ومتناقضة وأخرى مستندة الى رغبة جامحة وتطلع لعودة النظام من جديد، مع وجود بيئات مدفوعة بالرغبة للثأر والانتقام على خلفية بعض الممارسات التي وقعت عليها من قبل قوات الاسايش او وحدات الحماية، ويضاف الى كل هؤلاء نسبة غير قليلة من الكرد تنطلق من حالة التفرد في ادارة المنطقة مع شكوك حول طبيعة وموقف المنظومة اتجاه المشروع القومي الكردي وفق ما يطرحه المجلس الوطني الكردي .

من جانب آخر، فإن غالبية قوى المعارضة السورية في المنطقة وخارجها، نظرت دوماً بعين الريبة لطبيعة الموقف السياسي لمنظومة الادراة الذاتية حيال طبيعة العلاقة مع النظام والموقف منه، والذي لا يزال ملتبساً.

سيناريوهات محتملة:

السيناريو الأول:

يرتكز على مشروع روسي، يحظى برضى النظام، وتدعمه قيادات في حزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية، ويقضي بتوفير غطاء روسي يقوم على إبرام اتفاق مرحلي مؤقت مع الحكومة السورية، وينص على عودة مؤسسات الدولة إلى المنطقة، وانتشار قوات النظام على الحدود مع تركيا لمنع تركيا من تنفيذ تهديداتها باجتياح المنطقة وتكرار سيناريو عفرين ونبع السلام وبموجب هذا السيناريو تستعيد الحكومة المنشآت النفطية والمرافق الإدارية والخدمية، ومن ثم التوصّل في مرحلة لاحقة إلى تفاهمات مع الحكومة السورية برعاية روسية بشأن مصير الإدارة القائمة، والمطالب القومية للكرد. أما المخاوف التركية بخصوص الأمن القومي التركي، ترى روسيا أن تفعيل اتفاق أضنة 1998 كفيل بإزالتها. وعلى ضوء هذا السيناريو الذي يشكّل أحد الخيارات المفضلة عند pyd ، كونه يتقاطع مع خريطة الطريق التي عرضتها وفوده على روسيا، فإنّ قوات النظام ستتولّى حماية الحدود الشمالية مع تركيا، مقابل ضمان التوزيع العادل للموارد والثروات الباطنية الخاضعة لسيطرة (قسد)، وإقرارها في الدستور، وفي حال تم الاتفاق سيعمل الطرفان على دمج مقاتلي (قسد) في جيش النظام، وإيجاد صيغة مناسبة لدمج هياكل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا وضمانها في الدستور، مع التمسك  بأن يكون نظام الحكم نظاماً لا مركزياً. أما بالنسبة للادارة الامريكية فربما تكتفي بوجودها عبر بعض القواعد العسكرية على الخط الشاقولي من عين ديوار الى التنف مع توكيل حليفتها في الناتو بمهام أمنية أكبر و احتفاظها الدائم بقدرتها على تعطيل اي سيناريو لا توافق عليه.

المؤشّرات تدل على عدم حصول تقدم في المفاوضات بين الإدارة الذاتية والنظام بسبب عدم استعداد النظام لتقديم أي تنازلات، وإصراره على إعادة المنطقة لسيطرته دون شروط، ولرغبة الادارة الذاتية بالحفاظ على الحد الأدنى من مكاسبهم، إضافة إلى رفض الأتراك والأمريكان لتاريخه لعودة سيطرة النظام، وبروفة منبج تؤكد هذا الموقف. وهذا بلا شك يشكل نقطة ضعف لاحتمالات نجاح هذا السيناريو.

السيناريو الثاني:

هناك سيناريو آخر تم الترويج له ضمن بعض الاوساط الكردية، يشير إلى أنّ المسؤولين الأمريكيين المشرفين على الملف السوري، أعدّوا مشروع إدارة مدنية جديدة في شرق الفرات (الترويج للسيناريو جرى قبل أكثر من عام، وسبق ذلك قرار الانسحاب الأمريكي)، على أن تكون هذه الإدارة جامعة وشاملة لكل الأطراف الكردية وممثلي المكونات المجتمعية الأخرى في المنطقة، وتكون خالية من كوادر pkk . ووفقا لهذه الأطراف، فإنّ التحالف الدولي يقترح تشكيل قوة موحدة تضم (18) ألف مقاتل تم تدريبهم من قبل القوات الأمريكية، ويخضعون للإشراف الأمريكي المباشر مع ما يقارب (6) آلاف مقاتل من قوات (بيشمركة روج) إضافة إلى عشرة آلاف مقاتل من قوات (سوريا الديمقراطية)، لتكون هذه القوات هي المكلفة بحماية المنطقة تحت إشراف مباشر من التحالف الدولي. على أن تناط مسؤولية الحماية في المنطقة الآمنة إلى قوات عربية (منها النخبة) وبعض الفصائل العربية التابعة لقسد في المناطق ذات الغالبية العربية. بينما تتولّى الحماية في المناطق ذات الغالبية الكردية قوات كردية مدعومة بقوات من المكونات الأخرى على طول الحدود مع تركيا.

السيناريو الثالث:

هذا السيناريو قد يترجم صفقة تركية روسية بموافقة أمريكية تقتضي التخلص من جبهة النصرة والتنظيمات المصنفة إرهابية مقابل ال pkk. وهي الصفقة التي تراهن عليها تركيا مستفيدةً من الدور المناط بها وفق اتفاقات استانة وسوتشي بتفكيك وانهاء وجود التنظيمات المصنفة ارهابية. وتشكيل إدارة مدنية غرب الفرات خاضعة للنفوذ التركي وإعادة تشكيل الادارة الذاتية شرقي الفرات بعد استبعاد كوادر ال pkk منها وبالتشارك مع بقية القوى والتمثيلات السياسية والاجتماعية وذلك  تمهيدا لخلق البيئة المناسبة للخوض في عملية التسوية السياسية.

وبعيدا عن تفاصيل كل سيناريو واحتمالاته فإن ما يجري في منطقة شرق الفرات لا يمكن فهمه ليس فقط بمعزل عما يجري في بقية أجزاء سوريا لا بل عن محيطها الاقليمي ابضا ويبقى الامريكان هم الفاعل الأهم الذي ينتظره الجميع لوضع تصوراتهم بدلالته.

مواقف السوريين حيال سلطة قسد.

يمكن القول بأن هناك ثلاث مواقف بارزة. الاول يمثله النظام ومن معه والذي يرى فيها مجموعة انفصالية لها مشروعها الكردي الخاص الذي من شأنه تقويض سلطته المركزية.

وتشترك مع النظام في هذا الموقف غالبية القوى والفصائل الخاضعة للنفوذ والهيمنة التركية، على خلفية سياسية ترى فيهم حلفاء للنظام وأخرى قومية مناهضة لحقوق الكرد أو اسلامية ترى فيهم مجموعة من الملاحدة.

قوى المعارضة التي تتواجد في المنطقة تطرح مشروع إعادة صياغة الادارة وفق أسس تشاركية حقيقية بين جميع أبناء المنطقة وبموقف سياسي يقطع من النظام وينسجم مع تطلعات السوريين في انجاز التغيير الديمقراطي ويسكت المسوغات التي تطرحها تركيا لتدخلها.

هناك ايضا بعض قوى المعارضة وبعض الشخصيات التي ترى بأن المشروع الذي تطرحه منظومة مسد يشكل برؤيته السياسية ونموذجه الاداري أرضية مناسبة للعمل الوطني وتدعو الى تفاعل بقية القوى معه لتطويره وانضاجه وتوسيعه ليكون نموذجاً لسوريا المستقبل.

هل يمكن أن يشكل الشمال السوري وحدة سياسية بمواجهة النظام؟

في سوريا اليوم ثلاث مناطق نفوذ كل منها يمثل عالم سياسي تديره دولة أو أكثر عبر وكلاء سوريين وهم لتاريخه يتسابقون لتحقيق مصالحهم بالقوة العسكرية التي يدفع ثمنها السوريون وحدهم رغم تكرارهم الممل لعبارة أن لا حل عسكري في سوريا، ان هذا يعني بأن التوصل الى تسوية سياسية واستعادة الأمن والاستقرار مرتهن بطبيعة مصالح كل دولة ومدى رغبتها في إنهاء الصراع في الملعب السوري.

ويمكن للفرضيات التالية ان تشكل ملامح لما يجب العمل عليه في المرحلة المقبلة:

الفرضية الاولى تقول بأن اتفاق منطقتي النفوذ شمال سوريا غربي وشرقي الفرات أي المنطقة الممتدة من ادلب الى دير الزور على موقف موحد مقابل محور النظام – الروس – الايرانيين سيكون كفيلا بخلق ندّية كافية في مواجهة النظام واجباره على القبول بعملية تسوية سياسية من شأنها تحقيق الانتقال السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية.

الفرضية الثانية: ان استمرار جبهة النصرة وبقية التنظيمات المصنفة ارهابية في السيطرة على ادلب هو عامل عدا عن كونه نقيضاً لمشروع دولة المواطنة فإنه يعرّض المدنيين في المنطقة الى مزيد من الهجمات والجرائم والمزيد من موجات النزوح والتهجير على ايدي النظام والروس والايرانيين.

الفرضية الثالثة: ان استمرار النموذج الذي تدير به تركيا مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام و ما يشهده من انتهاكات يومية لابسط حقوق الانسان ولحقوق الملكية وما يترافق معه من تغيير ديمغرافي كفيل بتعميق الجراح في النسيج المجتمعي السوري ويمثل فتيلاً جاهزاً لاشعال الفتنة الاهلية.

الفرضية الرابعة: ان استمرار شعور سلطة قسد بالتهديد التركي كفيل بدفعها للارتماء في احضان محور النظام بدون أي مكاسب تذكر.

الفرضية الخامسة: ان استمرار سلطة الامر الواقع شرقي الفرات بادارة المنطقة وفق عقلية الاستفراد بعيداً عن تحقيق شراكة حقيقية لجميع ابناء المنطقة سيزيد من درجة الشعور بالغبن وحدة الاحتقان الذي قد يترجم بتزايد عدد الذين يفضلون عودة النظام او عاملاً مساعداً لعودة انتعاش التنظيمات التكفيرية مثل داعش وايضاً بيئة ملائمة لاشعال فتنة اهلية على خلفية صراع عربي كردي قد يكون من اهم الاوراق التي يلعبها النظام او تركيا في مرحلة من المراحل.

ملامح المشروع:

يهدف المشروع الى إقامة منطقة ذات موقف سياسي موحد بمواجهة النظام، و تضم منطقتي النفوذ الأمريكي في شرق الفرات والتركي غربه،  ويحتاج هذا السيناريو إلى تفاهم أمريكي تركي كامل وبتأييد من دول الغرب (حلف الناتو)، من أجل إقامة هذه المنطقة مقابل منطقة النفوذ الروسية الإيرانية (في الداخل والساحل السوري)، بهدف خلق نديّةً حقيقيةً قادرة على فرض سلام عادل، ويحقق انتقال سياسي حقيقي في سوريا، ويمنع عودة التنظيمات الإرهابية، ويقوّض الوجود الإيراني. ويرتكز تحقيق هذه المعادلة الصعبة بين الولايات المتحدة وتركيا على تقويض سيطرة كل من جبهة النصرة والميليشيات الإسلامية ذات العقيدة السلفية الجهادية في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، وتقويض سلطة حزب العمال الكردستاني pkk في مناطق شرق الفرات.

ومن أجل توفير مقومات لإدارة مدنية مشتركة بين هذه المناطق، ينبغي على أطر المعارضة ، العمل وبدعم تركي على إعادة هيكلة الأطر المدنية والعسكرية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وإدلب، وإبداء الاستعداد الدائم للانفتاح والحوار مع كافة التعبيرات السياسية والاجتماعية في مناطق شرق الفرات، وعلى رأسها المجموعات السورية في حزب الاتحاد الديمقراطي pyd والأطراف المتحالفة معه من السوريين، ويفضّل أن يكون هذا الحوار برعاية من الاتحاد الأوربي.

أمّا في شرق الفرات، فإنّه يجب العمل في الرقة وديرالزور، لمنع انقياد البعض لإيديولوجيا داعش، أو العودة لأحضان النظام، من خلال إزالة الغبن الذي تشعربه تحت سلطة ذات طابع كردي، وتمكين العرب في هذه المناطق من تحقيق حضور وازن ضمن المجالس المحلية، وتعزيز مكانتهم ودورهم ضمن صفوف (قسد) وفي قوى الأمن الداخلي.

أمّا في محافظة الحسكة فالوضع مختلف، فالنظام الذي يحتفظ بقوات له في كل من مدينتي القامشلي والحسكة وريف تل تمر، مع ميل غالبية العرب والمسيحيين لكفة النظام وانتظارهم اليوم الذي يستعيد فيه سيطرته على المنطقة. عدا أنها منطقة حيوية سياسياً، حيث تنشط فيها العديد من التعبيرات السياسية الكردية والسريانية الآشورية والعربية، لذلك فإن تطوير الإدارة فيها، يجب أن يستهدف تحقيق شراكة تعطي بقية المكونات إمكانية المشاركة في القرار، وبالتالي تفعيل دورها في عمليات البناء والحوكمة والاستقرار، وخلق شبكة أمان اجتماعية منيعة تجاه مجمل التحديات التي يمكن أن تعيد الأوضاع إلى ما قبل 2011، وأيضا تكون قادرة على تطمين تركيا إزاء مخاوفها عبر استبعاد العناصر غير السورية من مفاصل القرار، مع دعم العملية الاقتصادية وتحرير حركة الأفراد والبضائع من خلال فتح الطرق مع بقية المناطق.

ويجب التركيز بداية على فتح حوار بين الفاعليين السوريين في المنطقتين يهدف لبلورة موقف سياسي يعبر عن توافقات الحد الأدنى يترافق مع خلق شبكة مصالح اقتصادية عبر تحرير حركة الافراد والبضائع مع المحافظة على خصوصية الادارة في كل منطقة.

على أيّ حال فإنّ هذه السيناريوهات ليست ثابتة أو محسومة، وإنما هي مجرد أفكار يتم تداولها ومناقشتها بين الأطراف المؤثرة في الملف السوري. تبنّي أحدها، أو دمج بعضها، بالتأكيد يحتاج إلى  توافقات تلبي مصالح هذه الأطراف. وأيضا فكرة هذا المشروع قد تصطدم بالكثير من المعوقات والتحديات في الواقع وبالتالي قد يكون اقرب الى الرغبوية السياسية، إلا أن ذلك لا يجب ان يمنعنا من العمل والمبادرة وأنضاج الافكار البناءة والتي أعتقد بأنها يجب أن تقوم على:

– العمل على انضاج هذا المشروع بالحوار بين مختلف القوى، مدفوعا برؤية سياسية وعمل سياسي يعمل وفق منطق الممكنات ومحاولة توسيعها، و يسعى لتحييد مصالح السوريين عن الأجندات الدولية ووفق بوصلة الصراع الاساسي بين النظام والشعب.

– القبول بان اعادة انتاج ادارة في مناطق قسد وفق معايير الشراكة الحقيقية وبشكل لا يتناقض مع مصالح الاطراف الاقليمية والدولية هو أمر صعب جداً لكنه ليس مستحيل خاصةً إذا كان سياق المشروع الجديد يحقق لهذه المنظومة مصلحةً حقيقيةً ويتفهم احتياجاتها وطبيعة بنيتها وارتباطاتها المحلية والدولية. كما أنه لا يمكن أن يتحقق بمجرد اتفاق او قرار بل ربما يحتاج الى عملية بناء ثقة تسبق القيام بتحقيق الشراكة ووفق منطق المراكمة والخطوات المتدرجة.

– العمل على دعم القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في مناطق النفوذ التركي والسعي لمنحها صوتاً سياسياً وازناً في بنية الادارة المدنية ما بعد انهاء سيطرة النصرة والمجموعات السلفية الجهادية .

– القبول بأنه لا يمكن لأية وصفة جاهزة بأن تمثل الحل في ظل حالة التبدل والسيولة في المشهد السوري الذي يشهد دوماً تبدلات في التحالفات وخرائط النفوذ لذلك فإن العمل يتطلب اسلوبا مبتكرا لا يقع في شرك محاولات ايجاد أطر تمثيلية جامدة على غرار ما شهدته الساحة خلال السنوات السابقة  ( من قبيل انشاء اطار يضم مجموعة من القوى وانتخاب قيادة له ) بل يبحث عن الفواعل من تجمعات او بنى او حتى افراد يمكنهم ان يشكلوا شبكة مصالح ذات بنية مرنة بين مختلف الادارات تخدم هذا التوجه وايجاد قنوات للتشبيك بين الفاعلين المحليين و الدوليين.

وشكرا لإصغائكم.

كرم دولي – عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الاثورية الديمقراطية

١١-٤-٢٠٢٠

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة