تبدلات أردوغانية مستدامة ..!
انطلقت الثورة السورية بضغط دافعين: الاول استبداد وفساد وطائفية السلطة والثاني الهام ثورات الربيع العربي حينها في تونس ومصر وليبيا والامل في فعالية الدور العالمي الذي أمل الشعب السوري فيه ان لا يترك النظام ليبطش كما يريد وما ان بدأت قبضة النظام بالتراخي عن بعض المناطق حتى سارعت مخابرات الدول وخاصة الاقليمية منها الى محاولة توجيه الثورة كل منها بالاتجاه الذي يريد, ولكن تركيا كانت الأكثر اهتماماً والاكثر تأثيراً في الشمال السوري.
نعتقد أن “رجب أردوغان“ كان قد بدأ بدعم وتسليح المعارضة السورية آملاً أن يمكّن الاسلاميين من الاستيلاء على السلطة انسجاماً وطموحه باستعادة امجاد السلطنة العثمانية بطريقة عصرية فقد عمل على منع توحد الفصائل كي لا يكون لها قراراً مستقلاً عن قراره وكي يستطيع ضرب أي فصيل يخرج ولو جزئياً عن خططه بفصيل آخر, وقد أفسح المجال لكل الفصائل بالدخول والخروج الى تركيا واستقدام المقاتلين الاجانب واستيراد السلاح بما فيهم ”داعش” وقدم لهم الدعم المالي المطلوب مستعيناً بقطر التي تكلمت نيابة عنه في المحافل الدولية اضافة لتقديم المال وقد حاولت هذه الاخيرة جر الغرب للتدخل عسكرياً لاسقاط النظام وقامت بتشكيل ”المجلس الوطني السوري“ لهذه الغاية على غرار مجلس ليبيا ولكن الوقت كان قد تجاوزها.
لقد كان التدخل الامريكي في العراق كارثياً بالنسبة لامريكا كما هو بالنسبة للعراق فحاولت الولايات المتحدة الاستفادة من التجربة ولم تتدخل بقوات على الارض في ليبيا وكان التدخل من الجو كافٍ لاسقاط القذافي ولكن سرعان ما فشلت التجربة الجديدة ايضاً, اذ سيطر الجهاديون المعادون للغرب على معظم الاراضي الليبية خلف القذافي وحينها نبّه السفير الامريكي في سوريا آنذاك (فورد) المعارضين السوريين ان امريكا لن تتدخل عسكرياً في سوريا وتأكد هذا الموقف بعد مقتل السفير الامريكي على يد الاسلاميين في ليبيا.
ان سكوت الغرب عن دعم قطر وتركيا للفصائل الجهادية والضغط على الدول الداعمة للنظام كان هدفه اجبار النظام على القبول بحل سياسي وهكذا سيطرت الفصائل على معظم الاراضي السورية وظنّ البعض ان سقوط النظام عسكرياً صار قاب قوسين أو أدنى.
لا أظن أن سهولة طرد داعش من شمال غرب سوريا وسهولة استيلائها على الشرق كان صدفة فمفاتيح القوة كانت بيد الدول الداعمة تمنحها لمن تشاء في الزمان والمكان الذي تشاء, بينما رغبت ايران بقيام ”دولة داعش“ كي تجر اقدام امريكا مرة اخرى الى المستنقع العراقي لذلك تم استيلاء داعش على شرق سوريا ومُهد لها كي تستولي على غرب العراق وتُركت لها الاموال والاسلحة التي تلزمها عمداً ثم ما لبثت داعش أن شنت عملياتها في الغرب الاوروبي والامريكي وهذا ما عجّل في نهايتها. فالغرب يستطيع ان يدفع مالاً لكنه لا يستطيع ان يدفع ارواحاً وعليه تشكل التحالف الدولي ضد داعش بعد ثلاثة اشهر تقريباً من اجتياح الاخيرة لغرب العراق. وكان التحالف بحاجة لقوات ارضية تطهر المناطق التي يطرد منها داعش بالقصف الجوي والصاروخي فامتنعت تركيا ومن يتبع لها من الفصائل عن دخول التحالف ضد الارهاب بحجة انه سيحارب داعش ولن يحارب النظام ولم يكن اردوغان يتصور ان البديل للجيش الحر الذي تقاعس عن المهمة هو ال P Y D المرتبط عضوياً بال P K K لسببين الاول ان الاخير كان حليفاً للروس والايرانيين والثاني انه مصنف دولياً كمنظمة ارهابية.
بعد عام من تشكيل التحالف تدخل الروس عسكرياً في سوريا ودون المضي بالتحليل المؤامراتي الزاعم ان هذا التدخل قد تم بناءً على اتفاق مع الامريكان الذين لم يغضبوا من هذا التدخل, فقد كان النظام يكاد يسقط بيد الفصائل الاسلامية وهذا ما لا يريده الغرب.
ربما وجدها اردوغان فرصة سانحة لانجاز التدخل الغربي الممتنع لاسقاط النظام فافتعل دخول الطائرة الروسية أجواء تركيا ليسقطها أملاً بجر الغرب الى التدخل دفاعاً عن دولته المنتمية لحلف الناتو ولكن الناتو أعلن أنه يلتزم بالدفاع عن حدود الدول الاعضاء لا عن حروبها الخارجية
ان تشكيل التحالف ضد داعش وامتناع الاتراك من الدفاع عنها واسقاط الطائرة جعل وضع تركيا سيئاً جداً فكل من داعش –التي ساءها تخلي الاتراك عنها– وال p k k –المدفوعة من الروس– نشطوا في القيام بتفجيرات في المدن التركية وبالتالي لم يستطع اردوغان جر الغرب للمواجهة فتخلى عن حلم اسقاط النظام وعقد تفاهماً مع الروس على اقتسام الغنيمة تجلى في اتفاقات استانة –التي لم يعلن عن مضمونها بعد– ولكن كانت نتائجها تسليم المناطق تباعاً ابتداءً من مدينة حلب حيث غلّ يد الفصائل عن القيام بأية عمليات في أية منطقة غير التي كان الروس يحاربون فيها, وبالنظر لضعف الموارد البشرية لدى النظام لتحارب على كل الجبهات فكان لا بد ان تتم العمليات منطقة منطقة لتحقيق النصر الروسي بالاتفاق مع الاتراك, ولا نعرف ان كان التفاهم التركي الروسي يقضي بتقاسم النفوذ في سوريا الموحدة او بترك حصة من الارض السورية للاتراك حيث الظروف الاخيرة تدل على هذا, فالتواجد الكثيف للجيش التركي في المنطقة الشمالية ومحاولة تركيا احتواء كل القوى السياسية والعسكرية المتواجدة فيها والاهم انه في حال طال النزاع وطالبت الدولة السورية بالاراضي المحتلة من قبل تركيا فهناك سوابق ان يجري استفتاء سكاني حيث ان المرتقب من المهجرين وهم كلهم حالياً من توجه واحد اختيار البقاء مع تركيا وربما يأمل اردوغان التعويض بشد العصب القومي التركي عن خسائره الشعبية بسبب تراجع الاقتصاد التركي وانخفاض مستوى الحريات والصفقات التي يجريها على حساب المسلمين الآخرين كما جرى مع الصين على حساب الايغور مؤخراً.
تهمنا نحن كسوريين وحدة بلادنا والتغيير السياسي الذي يضمن اخراج كل الاحتلالات الاجنبية ويرفض اي اقتطاع مهما كان سببه ومبرره, لذلك نرفض تثبيت النتائج الكارثية للحرب من تهجير قسري وتغيير ديموغرافي وسنعمل مع القوى الدولية لانهاء نتائج اتفاقات استانة والمساعدة في تطبيق صارم لقانون قيصر الامريكي الذي سيمنع النظام من مشروع اعادة الاعمار على اساس تثبيت نتائج الحرب واحلال سكان تابعين لايران ومنحهم الجنسية في بيوت المهجرين قسراً في الغوطتين والقلمون وحلب والجزيرة, فالحل السياسي المرتقب عليه –من بين حزمة مهام التغيير– اعادة كافة المهجرين قسراً الى بيوتهم واملاكهم والحفاظ على وحدة سوريا والعمل على استقلالها.
عبد المجيد شريف
٢-٨-٢٠٢٠
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.