دجاجة هاردي !
،،، طوال السنوات التسع الماضية وأنا أسمع وأقرأ الانطباعات المخلوطة بخيبة الأمل واليأس والفانتازيا والكوميديا السوداء في أحيان كثيرة .. حول واقعنا كسوريين من السوريين انفسهم .
برغم الألم والنكبة التي عشناها وما زلنا نعيشها منذ اندلاع الثورة في آذار عام 2011 .. إلأ أننا جميعا مدينون لما كشفته لنا من :
– هوية وطنية مزيفة
-قومية مزيفة
– ممانعة مزيفة
-صمود مزيف
– كرامة مزيفة
-سيادة مزيفة
– انتخابات مزيفة
– منظومة دينية مزيفة
– منظومة أخلاقية مزيفة
– منظومة اجتماعية مزيفة
-منظومة تعليمية مزيفة
-منظومة اقتصادية مزيفة
– نخب ومثقفون مزيفون
،، أربعة عقود ونحن محاطون بالزيف نتنفسه ونرضعه لأطفالنا مع الحليب المغشوش والمجرثم وننشؤهم عليه ، حتى الهواء والماء و خبزنا اليومي كانوا معجونين بالتلوث والزيف .
بوووووووووووم … بدنا حرية !
صرخةٌ كشفت القشر عن كل ما سبق وعايشناه من زيف ، ليظهر مجرداً كما هو كقبحٍ خالص ونقي .. هذا ان صح اقتران القبح بالنقاء
،،إذا ما استثنينا حقبة المظاهرات السلمية والكفاح الثوري المدني ، الذي انتهى تماما مع أفول عام 2012 .. واذا ما راقبنا كل الأجساد والهيئات والتكتلات والكيانات والتنظيمات والميلشيات المعارضة التي تم افرازها عقب اندلاع الثورة ، سنجد أنها استنسخت ذات الزيف الذي أصبح لها ديدنا ونهجا .
الإسلاميون : زيف ، القوميون : زيف ، العلمانيين والليبرال : زيف ،اليسار : زيف ، قسد : زيف !
وفي المحصلة النهائية نجد أن كل من النظام والمعارضة لم يقدما للسوري أي مشروع سوى الزيف .
الأكثر بؤسا .. أن اللاعبين الكبار في سوريا .. إذا ما استثنينا أهدافهم المصلحية المباشرة للتواجد على رقعة الشطرنج السورية .. فسنجد أن كل تصريحاتهم وكلامهم عن مأساة الشعب السوري أو ضرورة الوصول إلى صيغة حل ما في سوريا .. لهو كلام مزيف .
قال لي زميل وصديق صحفي من تونس ذات مرة :-
أبو عبدو ،،، افهم أننا أبناء منطقة واحدة وثقافة واحدة وهم عام واحد ،،،لكن ما لا أفهمه حقا اقبال السوريين المنقطع النظير على صرف اهتمامهم بشكل مبالغ بخصوص قضايا اقليمية ، متفوقين بذلك التفاعل على اصحاب القضايا انفسهم .. مثل : الحراك الثوري في العراق اولبنان او السودان ، على السخط الشعبي في مصر الموجه ضد السيسي ، حكومة اردوغان وما حولها من جدل الخ ، انتم فعلا شعبٌ عجيب ! ( انتهى كلامه)
… فعلا،، أصاب الرجل فبالرغم من كل ما تحمله النكبة السورية من قضايا وملفات ومصائب لا تترك للسوريين هذا الهامش الكبير من البحبوحة والدعة ليفردوا أرداحاً من أزمنتهم للتعاطي في شؤون غيرهم ،تجدهم السباقين دوما في الخوض والانحياز والترويج ، لا لرفاهية أو تناسي أو لا واقعية ، أبداً .. فكل سوري يعايش الالم في كل ساعة تمر في يومه … الا أن تشبع الشأن السوري بالزيف ولا شيي سوى الزيف .. أصاب السوريين بما يشبه نوبة يأسٍ جمعية من انجلاء الزيف ذاته .. فبتنا نبحث عن الحقيقة والثورة والعدالة والحق والجمال في قضايا غيرنا .
كطفل يتيم يدرك تماما أن لا ام له في الحياة ومع ذلك، لا مانع لديه من أن ينادي أي امرأة تبدي له قدرا من الحنان ب : أمي !
،،أذكر جيدا ذاك الحوار من مشهد في احد افلام الثنائي الكوميدي الرائع( لوريل وهاردي) .. يحكي الفيلم قصة اثنين من مغنيي الشوارع في مدينة نيويورك يعيشان ظروفا ماديةً صعبة للغاية ، المشهد :-
-لوريل : هاردي أنا جائع
-هاردي : حسنا مالذي تشتهيه
-لوريل : أريد دجاجة مشوية
-هاردي : حسنا سأذهب الى المطبخ واحضر لك الدجاجة .
-لوريل : المطبخ فارغ ولا نقود لدينا هل تخدعني ؟
-هاردي : اخرس وانتظرني ، دقائق وسأحضر الدجاجة .
( يذهب هاردي الى المطبخ ويعود بطبق فارغ ويضعه على المائدة )
– هاردي : هيا بنا نتقاسم هذه الدجاجة اللذيذة .
-لوريل : الصحن فارغ أيها المهبول .
( يصفع هاردي لوريل على وجهه بقوة )
-هاردي : اعلم ذلك .. تعال وكل نصف الدجاجة الخاص بك والا سأصفعك مرة أخرى .
– لوريل : حسنا .
( ويبدأ الاثنين بأكل الهواء على أنه فعلا دجاجة )
-هاردي : هل اعجبتك ؟!
-لوريل : لذيذة جدا .. لكن من فضلك في المرة القادمة ان تقلل من الملح .
-هاردي : حسنا .. والآن وبما أننا انهينا العشاء فلننم ، لدينا الكثير من العمل غدا صباحا ، تصبح على خير
– لوريل : تصبح على خير .
(انتهى المشهد )
،، أنا شخصيا اجد كل ما يظهر لي بخصوص كل ما يتعلق بالشأن السوري( باستثناء الألم والمأساة) يتجسد في ( دجاجة هاردي) الزائفة .. وبشكل أو بآخر ، حقيقة أو مجازاً أحس بصفعة أو صفعات على وجهي تحاول دوماً أن تجبرني أن التهم هذه الدجاجة .. رغم قناعتي بزيفها .. وان انام !
أسد القصار
١٠-٨-٢٠٢٠
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع