البغاء … ما وراءه وما أمامه !
،، المهنة الأقدم في التاريخ، يقال أن أول بغي في التاريخ هي عنق او عناق ابنة آدم أبو البشر حسب الروايات الدينية في الاديان الابراهيمية الثلاثة ( اليهودية ، المسيحية والاسلام )، الدراسات والقرآءات كلها مجمعة على أن المسبب الرئيسي الذي يدفع النسوة( والرجال أيضا )لممارسة البغاء .. لهو الفقر والعوز المادي … وهذا صحيح في كثير من الأحيان لا كلها
رحلة قصيرة في محرك البحث( googel ) قد تمكننا من الاطلاع على الكثير من المواقع التي تصل المومسات بزبائنهن بشكل مباشر .
يكفي أن تدخل اسم الدولة واسم المدينة في البحث حتى يزودك الموقع بصور المومسات وارقامهن وعنواينهن والخدمات الجنسية التي يقدمنها واسعار تلك الخدمات .
قد أرى الفقر سببا لانخراط فتاة اوكرانية واخرى برازيلية او تشيكية أو رومانية أو روسية او تركية في العمل في البغاء .
انعدام فرص العمل ، غلاء المعيشة ، التفكك الاسري الذي يرفع التكليف والمسؤلية عن الأب او الاخ وحتى الزوج والشريك ، غياب الضمان الاجتماعي وتعويضات البطالة في تلك الدول يجعل من البغاء الخيار السهل الوحيد لتحصيل لقمة العيش وسد الاحتياجات من سكن وغذاء ودواء ولباس وتعليم للأطفال .
لكنني لا أستطيع أن أضع الفقر كمبرر أو دافع .. لسيدة المانية أو بريطانية أو سويدية او هولندية أو فرنسية .
فهذه دول .. ذات سوق عمل كبير متعطش للتوظيف والتشغيل بشكل دائم ، الضمان الاجتماعي فيها مفعل , اعانة العاطلين عن العمل وتعويضات البطالة سارية وكافية لتأمين عيش كريم ومقبول ، الرعاية الصحية فيها مجانية وممتازة، تعليم الاطفال مجاني .
مدينتي التي اسكن بها مدينة صغيرة محافظة في مقاطعة ربما هي الأكثر محافظةً في ألمانيا ( ساكسونيا ) ، يقطنها 60 الفا او أقل وتقدم الخدمات الجنسية فيها أكثر من 180 سيدة بشكل مرخص ومعلن وقانوني ، ويصل العدد الكلي للمومسات فيها مع الاتي يعملن بلا ترخيص وبلا رقم ضريبي الى 370 مومس في المدينة وذلك حسب تحقيق صحفي قامت به الجريدة المحلية هنا في العام الفائت وهذا رقم هائل لمدينة صغيرة محافظة يدل على ارتفاع الطلب في سوق الخدمات الجنسية .
البغاء في سوريا :
إذا ما قرأنا تاريخ سوريا الحديث فسنجد أن البغاء فيها كان مرخصا ومقننا ومحدودا للغاية وتحت المراقبة الطبية والأمنية محصورا في دور معروفة بعينها على الاطراف البعيدة للمدن الى ان قامت الجمهورية العربية المتحدة .. فتم تجريم البغاء واعتباره وكل الأفعال المتعلقة فيه جرائم جنائية تلزم العقوبة واغلاق كافة الدور التي كانت تؤي المومسات وتنظم عملهن .
لينتقل البغاء الى داخل المدن والاحياء السكنية والشقق ويزدهر ويعمل بشكل خفي وعلني في آن واحد .. فالبرغم من تجريم البغاء ، فقد ابرم القوادون وعصابات الاتجار بالبشر اتفاق ( لا شرف ) تحت الطاولة فيما بينهم وبين القوى الامنية في سوريا .. رجال الشرطة في وقت ما .. ولاحقا عناصر وضباط افرع المخابرات .
تقدم شبكات البغاء لهم المال والخدمات الجنسية ، ويقدمون لهم الحماية والغطاء والانقاذ في حال تعرضهم لمشكلة مع الجيران او الزبائن او السلطة نفسها .
لم يقف عمل تلك الشبكات على المومسات السوريات بل وصل الى استيراد المومسات وعاملات الجنس من روسيا واوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق ونيجريا وتايلند والمغرب وتونس ومصر واريتيريا تحت غطاء قانوني مزيف كعقود عمل كفننات أو مضيفات أو مصففات الشعر أو كجروبات قادمة إلى سوريا بغرض السياحة .
حدث ذلك بوتيرة تصعادية بدأت في منتصف الثمانينيات ووصلت اوجها في عام 2005 ( واستمرت في التصاعد )
حتى تم وضع سوريا في قائمة البلدان ال15 للسياحة الجنسية الزهيدة الثمن في قائمة اعدها المركز الأمريكي في بوسطن لأبحاث السياحة والسفر
وأصبحت سوريا قبلة السياح ممن يقصدون البغاء وكلنا نتذكر الحضور الكثيف في كل صيف للمراهقين القادمين من دول الخليج العربي بشكل أساسي في شوارع دمشق وفنادقها واسواقها ومرافقها بصحبة المومسات والعاهرات . هنا اختفت مرحلة الخفاء .. وانتقل البغاء في سوريا وبقرار وغطاء سياسي الى العلن رغم انف المشرع والقانون والمجتمع وذلك لما تدره السياحة الجنسية على الدولة والقوى الامنية من مكاسب مادية كبيرة
مابعد الثورة ،،
انهار سوق البغاء المنظم والمافيوي في سوريا وتضرر شأنه شأن كل القطاعات الخدمية والتجارية في البلاد جراء إغلاق الحدود وتوقف رحلات الطيران والاحداث الامنية والاشتباكات المسلحة … حتى اضمحل واقترب الى التلاشي …
في المقابل تفشى بل انفجر بغاء الحرافيش … بغاء الجواعى والمعوزين ، نسوة وحيدات ضعيفات على استعداد لوهب انفسهن في مقابل وجبة طعام … ظهر هذا البغاء بمأساته متوحشا علنيا لا يعرف المواراة والخوف … فأصبح عرض الخدمات الجنسية بخسة
الثمن يعرض جهارا نهار في شوارع دمشق الاساسية واسواقها
وجه آخر للدعارة والبغاء
عايشنه الكثير من السوريات في مخيمات اللجوء في كل من تركيا ولبنان والاردن … الا وهو البغاء المغلف بقشرة الدين والحلال .. يتم بموجبه بيع البنات الى الأقرباء باسم الزواج ، اغلبهن قاصرات .. يقبض الاب المهر ويدفع بابنته الى فراش المتعة وماهي الا أسابيع او اشهر وهي عائدة إليه ليعيد الكرة تلو الكرة !
أمام كل ما يحيط بالبغاء من تعقيدات ..هل سيقف المشرع السوري في سوريا ما بعد الأسد عند القانون ذاته أم سينظر للمسألة كإشكال اجتماعي متشعب الجوانب … استيعابه ووضع الحلول له لا يكمن في صرامة قانون جنائي بل في القضاء على مسببات البغاء قبل تجريمه
هذا ما ستكشفه لنا الأيام .
أسد القصار
١٢-٨-٢٠٢٠
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع