سوريا والروزنامة الدولية، ليس بعد!

يتشارك متابعو الأحداث في منطقة الشرق الأوسط أن الاهتمام الدولي بالشأن السوري لم يعد من الأولوية الوحيدة بل واحداً من الأولويات المتزامنة، خصوصاً لانشغال الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الشأن السوري بمشاكل إيران وليبيا ولبنان والعراق، وسخونة الأوضاع في تلك المناطق تجعل الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا الغربية وتركيا وإيران وإسرائيل متابعة حثيثة لتك التطورات والأحداث ولو عنى لها مجتمعة تأخير الملف السوري لأسباب الانشغال بجميع تلك الملفات أم لأسباب تتعلق باستنقاع الوضع السوري وعدم قدرة أي طرف أكان دولياً أم إقليمياً على الوصول إلى نقطة انطلاق “الحل السياسي” كما يصفه أصحاب القرار والأمم المتحدة.

فهل فعلاً يقف الحل السياسي عند عتبة القرار السياسي لتلك الدول أم يتعداه لما هو أكثر، لكن قبل ذلك لنتابع قليلاً تطورات الوضع على الساحات الساخنة؛

ففي ليبيا تقف المفاوضات بين طرفي حكومة الوفاق والجيش الوطني ممثلاً ببرلمان بنغازي أمام تعقد واشتباك التدخلات الإقليمية والدولية، وكل الطرفين لديه من الدعم الخارجي ما يجعله يصمد لسنوات في مفاوضات مطاطة، لكن الضغط الأمريكي الأخير على طرفي الصراع من خلال الضغط على حليفيهما الدوليين الروس والأتراك يبدو أنه يخلق الفرصة لحلّ يلوح في الأفق وهذا ما بينته مفاوضات بوزنيقة في المغرب ورغبة الطرفين بمواصلتها في القريب العاجل واتفاقات إعادة انتاج النفط وتصديره، كما يسهل التوصل لاتفاق تصريح السراج برغبته في التنحي مع نهاية شهر تشرين الأول والتصريح التركي اللاحق بأن المعاهدة موقعة مع حكومة الوفاق وبالتالي ليس لاستقالة السراج من أهمية، كما يبدو أن التراجع العسكري للجيش الوطني والدعم العسكري القوي الذي تلقته حكومة السراج قد جعلت من بعض حلفاء الجنرال حفتر يقبلون بحلول أقل مما كانوا يأملون بها. يبقى أن تركيا التي خاضت هذه المعركة بكل قواها لكي تفرض لها مكانة بين الكبار في الشرق الأوسط وهذا ما سينعكس بقوة على حصتها في الحل المقبل في سوريا في مواجهة الجميع؛ الروس والإيرانيين والنظام وحتى الأمريكان والأوربيين، كما وتبحث الآن مع حلفائها الأعداء اليونان وباقي حلف شمال الأطلسي تقاسم حقوق التنقيب في المياه الدولية وهذا التفاوض قابل للوصول إلى تفاهمات ولو بتنازلات مؤلمة لبعض الأطراف. وقد تكون المعاهدة التي وقعتها اليوم مصر وقبرص واليونان ولبنان وإسرائيل وإيطاليا رداً قوياً على محاولات استعراض القوة من قبل البحرية التركية وتدخلها في ليبيا ومحاولة لإظهار القوة الموازية عبر تحالفات سياسية واقتصادية، مع أن الرد التركي كان قوياً على هذه الاتفاقيات وينذر بتصعيد أكبر مالم تتدخل الولايات المتحدة لوضع حد لهذا التصعيد.

أما الوضع اللبناني فيذهب إلى الهاوية أكثر فأكثر لسببين: الأول، يتعلق بتحديث المنظومة القائمة نفسها، لكن بالتخلي عن المحاصصة التفصيلية التي فرضتها السيطرة السياسية لحزب الله خلال العقد الأخير، وهذا ما طلبه ماكرون قبل أربعة أسابيع وما يرفضه الثنائي الشيعي أمل وحزب الله ويصران على احتكار بعض الحقائب السيادية والمالية ما يهدد هذا التحديث الإسعافي. الثاني، إصرار المنظومة التقليدية الحاكمة على الاستمرار في نفس صيغة التوافق الطائفي، لا بل الإصرار عليه من قبل الثنائي الشيعي، وعجزها عن إيجاد صيغة “وطنية” جامعة تتجاوز اتفاق الطائف وصيغة التوافق الطائفي وتكريس المرجعيات السياسية التقليدية التي أثبتت أنها ذاهبة “إلى جهنم” كما قال ميشيل عون. وتبقى مطالب الفرنسيين المعتدلة إذا ما قورنت بالمطالب الأمريكية المتشددة تجاه وجود حزب الله في الحكومة وتجاه سلاحه وفرضه نفسه كدولة داخل الدولة، محط ترقب من المراقبين، لكن بلا أمل قريب حتى الآن بحل حتى على الطريقة الفرنسية، فلا الفرنسيين قادرون على التدخل الفاعل ولا الأمريكيين راغبون بالتدخل الفاعل وقد يستدعي هذا الموقف الانتظاري للولايات المتحدة إسرائيل إلى تنفيذ ما يناسبها في حال الاستعصاء.

ويبقى الضوء في نهاية النفق العراقي هو الأقوى والأكثر نشاطاً، ويبدو أن حكومة الكاظمي مصرة على تنفيذ إصلاحات جذرية في بنية الدولية العراقية تبدأ من محاربة ميلشيات الحشد الشعبي وسيطرتها على بعض مفاصل الدولة ولا تنتهي عند محاسبة المسؤولين الفاسدين بل تتعداها إلى إعادة صياغة العلاقة مع إيران بحيث تصبح “دولة مع دولة”. وإذا سمحنا لمنسوب التفاؤل أن يرتفع فإن هذه التطورات مفيدة جداً للوضع السوري والمنطقة والعالم كما بينا في افتتاحيتنا السابقة في 15 أيلول.

ويبقى السؤال المطروح الآن، إلى أي مدى تؤثر هذه التطورات الإقليمية على بداية المسار السياسي في سوريا؟ وهل آن الأوان لتبدأ هذه العجلة بالدوران؟ والواضح من مسار اللجنة الدستورية في جنيف الشهر المنصرم أن “طبخة البحص” لا تنضج بكثير من التصريحات ولا بمحاولات المسؤول الأممي غير بيدرسن تلطيف الأجواء والالتفاف على الحقائق بعدم تحميل السلطة مسؤولية فشل الجولة الأخيرة وما قبلها وما قبل قبلها، بل تنضج بالضغط الحقيقي على السلطة وحلفائها.. ويبدو أن المشكلة هنا تكمن في فكرة “الحل السياسي” نفسه كما تراه الأمم المتحدة، فالحل السياسي الذي يمارسه النظام وحلفاءه على طريقتهم يبدأ بالعمل العسكري المباشر والواضح، وينتهي على طاولة التفاوض حسب نتائج المعركة، فنظام الطغمة كالنظام السوري يفهم التفاوض حسب ميزان القوى العسكرية فقط، وهو المنطق الذي عمل ويعمل وسيعمل عليه في المستقبل ويترك المعارك الكلامية للمعارضة وحلفائها والمجتمع الدولي الذي ملّ تكرار الخطابات الإنشائية للمبعوثين الدوليين حول سوريا.

الحل السياسي، كما نراه في تيار مواطنة، بحاجة إلى مخالب وأنياب تدافع عنه وتجبر السلطة الطغمة وحلفائها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بكامل الجدية والحرص والقابلية على تقديم التنازلات.

تيار مواطنة

المكتب الإعلامي 22 أيلول/ سبتمبر 2020

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة