عشر سنوات على الثورة من جنيف السورية إلى جنيف الليبية- والمقارنة بين الثورتين.
عُقد في الخامس من فبراير / شباط الحالي منتدى الحوار الليبي في مدينة جنيف، يأتي هذا المنتدى مع مرور عشر سنوات على الثورة الليبية التي انطلقت في 17 فبراير/ شباط عام 2011م، والتي استطاعت بفعل التدخل الدولي العسكري- حلف الناتو- إسقاط النظام الليبي الذي كان يرأسه معمر القذافي، وبالتالي استطاعت إعلان انتهاء مرحلة تاريخية تمثلت يإسقاط نظام القذافي وعقد انتخابات برلمانية خلال المرحلة الانتقالية كانت نتائجها مقبولة بداية لأنها عكست التنوع الحقيقي للشارع الليبي، ثم لتدخل في مرحلة تاريخية مختلفة من الصراع المناطقي والقبلي والحرب الأهلية على أساس الخلاف الجذري بين القوى الإسلامية المتمثلة بالجهادية والإخوان المسلمين والمتمركزة في غرب ليبيا، طرابلس وجوارها، وبين بقايا جيش النظام السابق بقيادة الجنرال خليفة حفتر وقوى قبلية من شرق ليبيا متضررة من سيطرة غرب ليبيا على كامل البلاد والتي تحالفت مع قوات الجيش الوطني الليبي والمدعومة خليجياً ومصرياً في مواجهة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميين الآخرين. ويمكن إجمال المرحلة السابقة بسيطرة الإسلام السياسي على البرلمان والحكومة مقابل محاولة بقايا النظام السايق وبعض القبائل استرداد السيطرة من يد الإسلاميين.
وقد زاد الوضع تعقيداً دخول تركيا على خط الصراع في دعمها التام بالعتاد والسلاح والمقاتلين السوريين لحكومة السراج والإسلاميين عموماً والإخوان المسلمين خصوصاً، بالمقابل قدمت الإمارات وروسيا ومصر بعض الدعم لخليفة حفتر وقواته، لكن ليس بالحجم المقدم تركياً.
تميزت هذه السنوات بتعقد التدخلات الإقليمية والدولية بدءا بالتدخل العربي المصري- الإماراتي، مرورا بالتدخل الفرنسي والتركي وانتهاء بالتدخل الروسي، كما تعددت المؤتمرات التي عقدت لحل النزاع الليبي- الليبي من مؤتمر الصخيرات إلى منتدى الحوار في جنيف، وتعدد المبعوثين الدوليين الذين تولوا الملف الليبي، وصولاً إلى مؤتمر برلين 2020 واللجنة الدستورية التي تحتضن أعمالها مصر اليوم. ومما جاء في المنتدى الاتفاق على إنهاء الصراع والانقسام الليبي القائم، وتشكيل حكومة تنفيذية مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات المقرر إقامتها في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2021م، والذي يحظى بالدعم الدولي والأممي الكافي، ولكن على الرغم من ذلك قد لا تكلل هذه العملية بالنجاح كما يراد لها في ظل غياب الثقة، وتعقيد تنفيذ الإجراءات التي تم الاتفاق عليها سابقا ولا سيما إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من طرابلس.
تظهر الأزمة الليبية مقدار التداخل بين الدول على مصالحها في المنطقة ومحاولتها الدائبة على التوسع “الإمبراطوري” في المنطقة في مواجهة الدول الكبرى على حساب الشعوب واستقرار البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي مثل سوريا وليبيا واليمن، كما تظهر مقدار المعارضة الدولية لسيطرة الإسلام السياسي في ليبيا وتفسر محاولات الدول الأوربية كفرنسا وإيطاليا وألمانيا معارضة التوسع التركي في ليبيا ومساندته لقيام دولة إسلامية في ليبيا. فهل يمكن أن نقارن ما يجري في ليبيا مع ما يجري في سوريا؟
أما سوريا والتي قاربت الذكرى العاشرة على ثورتها، والتي يمكن القول أنها تتشارك مع الحالة الليبية جزءا من المسار السياسي وتتفارق في محطات كثيرة، لم تستطع إنهاء ما يسمى بالمرحلة التاريخية المتعلقة بالنظام ورأس السلطة الذي مازال جالسا على كرسيّه الدموي يستعد بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين إلى الترشح إلى الانتخابات القادمة في حزيران المقبل في ظل مجاعة وحصار اقتصادي ووباء، كما لم نحظ بالتدخل الدولي لإزاحته، كما مرت سوريا بمؤتمرات دولية متعددة أولها مؤتمر جنيف والذي انتهى إلى سوتشي وأستانا، وإخراج الملف السوري بفعل التدخلات الإقليمية والدولية المباشرة من جنيف إلى الأروقة الضيقة بيد الروس والإيرانيين والترك وملف اللجنة الدستورية الذي تبنته روسيا وتركيا وإيران لتعترف بها لاحقا الأمم المتحدة، كما تعدد المبعوثين الأمميين الذين توالوا على الملف السياسي، ولا حقا الحديث عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي يطرحه للروس جزء من المعارضة السورية الذي قد يكون مخرجا آخر للنظام.
في المقاربة:
بالتأكيد إن السياق الدموي للتجربة السورية والليبية هو جامع ، مع الاختلاف الكبير وعدم إمكانية إجراء مقارنة من حيث المجتمع والموقع الجغرافي ، لكن في السياق الدولي للحلول السياسية ومساراتها يمكننا المقاربة فعلاً، كما أن طول فترة الصراع والنزاع واستعصاء الحل أمر يمكن مقاربته وخصوصاً دعم تركيا للقوى الإسلامية في سوريا وليبيا والخلاف الناشئ مع الدول الأوربية واستعدادها لتأييد قيام نظام ديكتاتوري على قيام نظام إسلامي، والأهم من ذلك هو الدول الفاعلة بشكل مباشر في الملفين الليبي والسوري، وتحديدا الروس والترك، واللذين كان لهما الدور الأكبر في المآل السوري سواء من إطالة عمر النظام وانتهاء بسحق المعارضة تماما، هما الآن فاعلان مباشران وأساسيان في الملف الليبي وذلك عبر إرسال المرتزقة والمقاتلين والدعم العسكري واللوجستيات والمستشارين، ولعل السوريين خير من شهد آثار الصراع والتقارب بينهما على أرض الواقع، ففي الوقت الذي كانت الحرب في أقصى درجاتها بين قوات المشير حفتر وحكومة السراج قبل عام ، كان الصراع بين الترك والروس قائما في الشمال السوري، وفي الوقت الذي بدأ التقارب والتهدئة بينهما في ليبيا بدا في سوريا وبالعكس، ففي الوقت الذي تم فيه بدء إجراء تدريبات مشتركة الشهر الفائت لتسيير دوريات مشتركة على طريق M4، نجد حلفاءهم الليبيين يجلسون على طاولة الاتفاق في منتدى الحوار السياسي في جنيف.
وعلى الرغم من كل الدعم الدولي والتأييد للخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها الأطراف الليبية إلا أن المخاوف من الفشل قائمة ولكن إن استطاعت هذه القوى تنحية الخلافات والحد من التدخلات الدولية ستنجح في نقل ليبيا إلى الاستقرار وانتشالها من الدم، ولإن كل تقدم في الملف الليبي سيشكل تقدما في الملف السوري والعكس صحيح -سنأمل أن يتم ذلك -، ولكن ليس بالضرورة التقدم الذي نريده كسوريين، ولا سيما مع استمرار النظام ومع تمسك داعميه به ولو مؤقتا على المدى المنظور على الرغم من الآمال العريضة والواعدة، وفي الحالتين ثمة شعبين كان عليهما الخوض طويلا في التهجير والدم والانتظار طويلا للوصول إلى حلول لا تشبه أحلام 2011م.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 16 شباط/ فبراير 2021