انتخابات على وقع الطبول
قد تكون مظاهر الابتهاج والفرح تعبيراً حقيقياً عن مشاعر المشاركين، أثناء وبعد المناسبات الانتخابية الديموقراطية، الرئاسية أو البرلمانية، التي تشهد تنافساً حقيقياً، وهذا ما افتقده السوريون منذ زمن الأسد الأب، الذي استفاد في بداية حكمه من قبول شعبي واسع على أرضية انفتاح نسبي، سياسي واقتصادي، مقارنة بمن سبقوه، لكنه ما لبث أن حول سورية إلى ما أصبح يدعى بعد ذلك “مملكة الخوف”، وحول كل الشعارات والمؤسسات إلى مجرد أدوات لتأبيد سيطرته هو وعائلته مع مجموعات متغيرة من المستفيدين. وأصبحت سورية مسرحاً حقيقياً لتجسيد أحداث رواية جورج أورويل المعروفة “1984”.
مع ذلك فإن التهليل والدق والرقص، في هكذا مناسبات بشكل لافت للنظر، وتوظيف الإعلام والصحافة وجميع مؤسسات الدولة التعليمية والدينية، كما هي العادة عند السلطة الطغمة في مناسبات مثل تجديد البيعة لرأس السلطة، الذي تسميه بعض وسائل الإعلام العالمية “انتخاباً”، كل ذلك لازال يدعو المراقب الممتلك للحد الأدنى من الموضوعية، لأشد حالات الدهشة والاستغراب، لكن العارف بسياسة السلطة- الطغمة يدرك، بدون أدنى عناء، أنها توجه للداخل السوري رسالة المنتصر، مشفوعة بمظاهر الإذلال للشعب المغلوب على أمره، وتوجه للدول الرافضة لهذه المهزلة، وأهمها الدول الغربية الخمس، تحدياً سافراً بالاستقواء بالدول الداعمة مثل روسيا ذات السمعة الأسوأ بين الأنظمة الديموقراطية، وإيران نظام الملالي الذي يستمد مشروعيته من أفكار القرون الوسطى، ويؤسس عليها شرعيته السياسية الداخلية ونفوذه الإقليمي. والنظام يبدي من” التصاغر” لهذين الداعمين يقدر ما يبدي من “التعاظم” على الداخل السوري.
يتوزع المشاركون في المهزلة الإنتخابية إلى عدة فئات فمنهم المستفيدون بشكل مباشر من اقتصاد الحرب كالميلشيات العسكرية ومنهم الزعامات السياسية والمحلية والدينية، ومنهم الذين لا يزالون يعتقدون أن النظام يحمي طوائفهم من خطر التطرف، ومنهم من لا يزالون يخافون من الخطر الخارجي الداهم، لكن الكثرة الغالبة هم الذين لا يريدون أن يتركوا على سجلاتهم الأمنية أية علامة قد تربك حياتهم المربكة أصلاً في جميع جوانبها، وهنا الموضوع لا يتعلق بثنائية الموالي-المعارض بل بولاء ثابت، على الأقل ظاهري، غير قابل للنقاش.
إن الإنتخابات، كأحد أدوات النظام الديموقراطي، لا بد لها من توافر الحد الأدنى من شروط ومقدمات قانونية وسياسية واجتماعية، وإلا أصبحت إكراهاً مباشراً أو غير مباشر، وبهذا المعنى فإن بعض التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تبدو مفارقة للحقيقة عندما تستعجل شتم جميع المشاركين أو اتهامهم أو السخرية منهم بالقول أن فلاناً يصوت لقاتل أخيه وفلانة تصوت لقاتل زوجها، فهذه الطريقة في المعالجة تتجاهل أن الإنسان هو ابن ظرفه الاجتماعي ويعود للتكيف معه، رغم أنه في فترات تاريخية معينة يتحدى هذا الشرط ويدفع الثمن، وهذا ما فعلته شعوب الربيع العربي.
إن ما يؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه هو مراقبة تلك المناطق السورية التي لا تخضع لسيطرة النظام السورية، جزئياً أو كلياً، والتي جرت فيها حالات من الاستنكاف أو الرفض وصولاً إلى التحدي و رفع شعارات الثورة السورية في بداياتها.
وإن ما يجري في سوريا من مهزلة الانتخابات الرئاسية اليوم هو إجراء معاكس لكل الأعراف السياسية والديمقراطية والإنسانية المشروعة. إنه ببساطة معاد لتطلعات السوريين لإنهاء عقود من الاستبداد والإذلال والقتل والتشريد، وللانتهاء من تعاقب المسرحيات الهزلية المتعلقة بانتخابات معلومة النتائج، وبدون منافسة حقيقية، وبدون مراقبة وشفافية، وذلك منذ اغتصبت هذه السلطة- الطغمة مقاليد السلطة وحولت البلد إلى مزرعة يعامل فيها جميع المواطنين كعبيد.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه حاجة السوريين إلى الدخول في حل سياسي يبدل كل مناحي حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يقوم أزلام النظام ورأسه بتقديم أبشع تحد للعالم وللشعب السوري موالاته ومعارضته.
ومن المفارقات المريرة التي رافقت هذه المهزلة الانتخابية أنها تضع خارج دائرة الانتخاب حوالي نصف الشعب السوري سواء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو في بلدان اللجوء، وقد فعلت خيراً بعض الدول الأوربية التي منعت حدوث الانتخابات على أرضها، انطلاقاً من مخالفة جميع المعايير الأساسية في مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق السياسية والعامة وبكل ما يتعلق بالحقوق الأساسية للجماعات البشرية؛ وبكل ما يحيط بهذه العملية من شكوك وتجاوزات قام بها النظام في لبنان وغيرها من البلدان.
لقد تجاهلت هذه الانتخابات كل ما طالب به المجتمع الدولي، بما فيه حلفاء النظام كالروس وتجاوزت عملية الانتقال السياسي كما حددها القرار2254لعام 2015 وقبله بيان جنيف 2012، وبالتالي يمكن اعتبار هذه العملية الانتخابية رداً على المجتمع الدولي وتجاهلا لقراراته، بشان القضية السورية.
على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من حليفيه إيران وروسيا، أثبت هذا النظام أنه عاجز بالمطلق عن معالجة الوضع الإنساني الكارثي، الذي تسبب به في سورية، كما أثبت عجزه عن تقديم حلول للأزمات العامة التي يعيشها السوريون، ويمكن إضافة الكثير إلى لائحة الاتهامات بحق هذا النظام، لكن التهمة الأخطر هي تشجيعه للانقسام العمودي الحاد بين مكونات المجتمع السوري على أسس طائفية وقومية ودينية، وبالتالي تحويل المجتمع السوري إلى مجموعات بشرية متناحرة ومستقطبة بين الدول الإقليمية وعاجزة حتى الآن عن أخذ زمام المبادرة بيدها نحو مستقبل تعيش فيه بحرية وكرامة.
إننا، في تيار مواطنة، نعتقد أن القرار 2254 الذي رسم طريق الانتقال السياسي في سوريا، هو الطريقة الوحيدة الآن للبدء بعملية انتقال سياسي حقيقية، وبإشراف دولي، ولوضع نهاية للمهازل التي يقودها رأس النظام، ومن أجل أن تعود للانتخابات قيمتها السياسية والمعنوية والإنسانية.
تيار مواطنة
مكتب الإعلام 27 أيار/ مارس 2021