الانتفاضة في الثورة التونسية – مروان عبد الرزاق

مقالات 0 admin

 لقد استطاعت الثورة التونسية أن تنجز المهمة الأولى في ثورتها بإسقاط الطاغية مع بعض رموزه الطغاة، دون أن تمر في حرب أهلية أو اضطراب كما حصل في باقي دول الربيع العربي، والذي تحول إلى شتاء قارس التهم البشر والحجر.
وكانت الثورة تهدف إلى الحرية والكرامة، والشغل، والخبز. وكانت الحرية الاجتماعية والسياسية أولى المكتسبات، حيث بدأت قوى الثورة بتشكيل أنفسها لإقامة دولة الحرية والكرامة. لكن عدم وجود قوى جذرية تقود الثورة وتحقق أهدافها، مما أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل، واليمين باليسار، بما فيها قوى الثورة المضادة من النظام القديم، وتشكلت أولى الحكومات مع دستور جديد يضمن الحريات ويؤسس لنظام برلماني، وفصل كامل للسلطات، والرئيس رمزي بدون أية صلاحيات فعلية وذلك تمرداً على الفترة السابقة لحكم ابن علي الاستبدادي.
لكن مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية ترسخت بانتخابات نزيهة. وحملت الطبقة السياسية الجديدة التي تتضمن بشكل جوهري: الإسلام السياسي المتمثل بالنهضة، ورموز من النظام القديم. والنهضة مع أنها من رموز الثورة، لكنها انقلبت نحو السلطة، دون أي برنامج سياسي لتحقيق أهداف الثورة، إنما فقط تعمل على تحقيق مصالحها الشخصية للتثبت في الحكم، وهذا هو حال الإسلام السياسي عموماً. مما جعلها تنتقل إلى القوى المضادة للثورة.
وبالتالي لم تتحقق أهداف الثورة. فالثورة لا تعني انتخابات نزيهة فقط، رغم أهميتها وضرورة توفرها، إنما الحاجة إلى قوى ثورية تمتلك برنامجا سياسيا واقتصاديا، يحقق الحرية والعمل والنمو الاقتصادي والاجتماعي للشعب. لكن انعدام وجود هذه القوى والبرامج للحكومات المتعددة، التي كان يهمها السلطة ووفق البرنامج القديم، وبالاستعانة بصندوق النقد الدولي لتوفير الأموال اللازمة. لذلك عمت المظاهرات الشوارع من جديد مطالبة بإسقاط الحكومة التي تغيرت عدة مرات.
والأزمة الأخيرة بدأت في «2019» مع الانتخابات النيابية والرئاسية والتي فاز بها «قيس سعيد» بالرئاسة، وهو أستاذ في القانون الدستوري وغير منتسب للأحزاب السياسية، ومن خارج الطبقة السياسية، وجاء تعبيراً عن رفض الشعب للطبقة السياسية التي حكمت منذ سقوط الطاغية، والتي لم تقدم شيئاً للشعب.
ومع سيطرة «حركة النهضة» على البرلمان، والحكومة أيضاً، بدأت التناقضات بين الرئيس من جهة، وهو لا يملك أية سلطة فعلية على الأرض، والبرلمان والحكومة من جهة ثانية بإشراف حركة النهضة الإسلامية.
وكان لانتفاضة الشعب دور كبير، حيث طالبت بإسقاط الحكومة، وحل مجلس الشعب، وتوفير الخبز والعمل والحرية والكرامة وهي مطالب الثورة بالأساس. وكان على الرئيس أن يستجيب لهذه الانتفاضة بالاستجابة إلى مطالبها من جهة، وحلل أزمة الحكم السياسي المتناقض بين الرئاسة، والحكومة والبرلمان، ثانياً، وتحجيم الامتداد الواسع لحركة النهضة والقضاء على وجودها السياسي في الحكومة والبرلمان ثالثاً، بالإضافة إلى محاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، واستقلال القضاء، رابعاً. وبالتالي كان على الرئيس أن يقوم بالانتفاضة في الأعلى، ويحل أزمة الحكم السياسي في تونس، وتحقيق المطلب الشخصي له كي يكون له دور في السلطة. والذي جرى في تونس بعد انتفاضة الشعب في الشهر الماضي كالتالي:
انتفاضة شعبية في الشارع تنادي بإسقاط مجلس الشعب، والحكومة لعدم تمسكهم بمسار الثورة، وعدم تلبية الحاجات الضرورية للشعب في المأكل والصحة وخاصة عند الهجمة القوية لفيروس كورونا، والتي عجزت الحكومة عن معالجته، وغيرهما، أي في الاقتصاد والصحة والسياسة أيضاً.

فالأزمة في النظام السياسي تتلخص في الصراع بين الرئيس «قيس سعيد» الذي يسعى ليمثل الثورة ومطالب الشعب، وحركة النهضة الإخوانية، ورئيس الحكومة، والذين لا يعملون إلا لمصالحهم الخاصة، دون أي برنامج سياسي واقتصادي لمصلحة الشعب، أي التزاماً بمبادئ الثورة وأهدافها.
وبالتالي استند الرئيس إلى الفصل «80» من الدستور، والتي تسمح له بالتدخل اذا تعرض الوطن للخطر، واتخاذ إجراءات وقوانين استثنائية، وهو يرى الخطر قائماً بسيطرة النهضة والفساد والنهب المستمر للمال العام، والجوع الذي يعم الشعب، والتقصير في مكافحة الوباء ـ أي كورونا، وعلى هذا الأساس وبالاتفاق مع الجيش وأجهزة الأمن، بدأ بشكل تدريجي بتجميد مجلس النواب واقالة الحكومة، وأصبح رئيساً للنيابة العامة، وأصبح القائد الأوحد، في تونس، وبعض القرارات المهمة الأخرى، وهي قرارات تدريجية لاستئصال حركة النهضة الإسلامية، حيث ترتفع الأصوات عالياً في الشارع لاستئصالها.
وبدون شك وافق أغلبية الشعب، على هذه القرارات وبنسبة «80٪» ويطلبون المزيد. وهذه الانتفاضة أحدثت صدمة في الطبقة السياسية الحاكمة، فاعترض البعض ثم وافقوا عليها، وعارضتها بشدة حركة النهضة واعتبرت ذلك انقلاباً على الدستور. وذلك لتجميد مجلس الشعب، ومنع النواب من الدخول إليه، حيث يجب أن يكون مجلس الشعب في حالة انعقاد دائم وفق نص الدستور. ولأن مجلس الشعب هو ممثل للشعب ولا يجوز إغلاقه. وتم وصف انتفاضة الرئيس بالانقلاب على الثورة. وبالتالي هذا التجاوز منن قبل الرئيس ضروري لأن مشكلة الحكم تتعلق بسيطرة النهضة على مجلس الشعب والحكومة، والطلب الشعبي حل مجلس الشعب وليس تجميده فقط، كما فعل الرئيس.
العديد من المعارضين الأعداء وصفوا إجراءات الرئيس بالانقلاب العسكري، وخاصة بعد دعم الجيش والأمن للرئيس، لكن هذا الدعم ليس غرضه الانقلاب العسكري، إنما تحقيق الأمن والسلامة للشعب، ولم يكن هناك البيان رقم واحد، واعتقالات، واعتداءات على حرية الرأي والتعبير، كما يحصل في كل الانقلابات العسكرية.
والآخرون أصحاب القانون، أصحاب الدستور، اعتبروا ذلك «انقلابا دستوريا» بحجة أن الرئيس انقلب على الدستور، بحيث لا توجد أزمة في الوطن.
والإجراءات التي اتخذها الرئيس لا تسمح بها المادة «80» حيث يجب أن يبقى مجلس النواب منعقداً، وليس مجمداً. ومن لا يرى انسداد آفاق الثورة عند المجتمع والازمة السياسية في الحكم، وضرورة معالجتها، فهو من أعداء الثورة وليعتمد الدستور المناسب له. فالأزمة واقعة والمطلوب انتفاضة لمعالجتها. والآخرين فسروا تصرف الرئيس هو مقدمة لتحوله إلى دكتاتور. رغم معرفة الجميع بديمقراطية الرئيس، ووعوده بحرية الرأي والتعبير، والمحافظة على الديمقراطية وحقوق الإنسان، واستقباله لمنظمات المجتمع المدني وهم الداعمون له، بالإضافة إلى أغلب الأحزاب السياسية.
إنه ليس انقلاباً عسكرياً، أو دستورياً، فالرئيس هو أستاذ القانون، وهو ديمقراطي ونزيه جداً، ولن يتحول الرئيس إلى دكتاتور، إنما هي مرحلة خاصة تمر فيها الثورة التونسية، وبحاجة إلى ثورة ثانية بقيادة ثورية كي تحقق أهدافها في الحرية والكرامة. لكن نحن الآن لسنا أمام ثورة جديدة، إنما انتفاضة يقودها أستاذ القانون الدولي لتصحيح المسار الحالي المتمثل بسيطرة النهضة، وبعض رموز العهد الاستبدادي القديم.
فالرئيس ليس ثورياً كي يضع حكومة ثورية قادرة على الفعل الثوري. كما أن الظروف السياسية لم تنتج حركة ثورية قادرة على قيادة الثورة، إنما الجميع اشترك في صناعة البديل، وخاصة سيطرة الإسلام السياسي، وهذا هو حال مجموع الثورات في الربيع العربي، حيث الحاجة إلى ثورة ثانية، وثالثة حتى تتحقق الديمقراطية وحقوق الإنسان. إنما انتفاضة «قيس سعيد» التدرجية تهدف إلى تحجيم دور النهضة والحد من هيمنتها، وهو قادر على ذلك دون أن يكون قادراً على إلغائها، دون معرفة حتى الآن عن خريطة الطريق لديه لإعادة الديمقراطية. لكن من المفترض في الواقع الراهن، أن يؤسس لحكومة إنقاذ، غير فاسدة، وأن يحل مجلس الشعب ويدعو لانتخابات جديدة وفق قانون جديد، وإذا استطاع أن يجري استفتاءً حول تغيير الدستور الذي دشنته النهضة في «2014» بدستور برلماني رئاسي جديد، بحيث يمكن بذلك حل مشكلة أزمة الحكم. وإذا استطاع أن يعلن أن حركة النهضة إرهابية لقيامها بالاغتيالات السياسية، ويخرجها من الحياة السياسية، تكون انتفاضته مقبولة من الشعب، والذي تتعرض مسيرته في الثورة إلى انتفاضات متعددة حتى تتحقق أهداف الثورة في الحرية والكرامة.

القدس العربي 18 – أغسطس – 2021

الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة