ماذا يحدث في الجنوب السوري – نزار بعريني
《 اللجنة المركزية في الريف الغربي وبالتنسيق مع مجموعات معارضة شرق وشمال درعا تعلن “النفير العام وإعلان الحرب” ما لم تتوقف الحملة العسكرية التي يشنها النظام والميليشيات على أحياء مدينة درعا 》!
في ضوء احد أبرز عناوين الأخبار التي تتداولها صفحات المعارضة ، نتساءل :
ماذا يحدث في الجنوب السوري ، وفي ايّ سياق ؟
تأتي أحداث الشهرين الماضيين في سياقها العام؛ مع اطلاق العمليات العسكرية الاولى، وما رافقها من حصار ، ووسائل إخضاع ، لإنهاء ظروف حالة ” التسويات المؤقّتة / الهدن ” السابقة، التي كانت مستمرّة نظريّا منذ ٢٠١٨ ؛ كاستمرار لمقتلة ” الحلّ العسكري ” ، الذي بدأت إرهاصاته الأولى مبكّرا خلال أذار، كخيار استراتيجي لقوى “ حلف الاستبداد “ ، محليّا ، ثمَّ، إقليميّا وإمبرياليّا ، في مواجهة حراك السوريين السلمي، الإصلاحي ، في ربيع ٢٠١١ ، ومن اجل قطع سبل الانتقال السياسي، والدفع بخطوات تفشيل مؤسسات الدول….، وميلشة الجيش !
صحيح أنّ مَنْ يدفع ثمن هذه الجولة الجديدة من الحرب بشكل مباشر هم أهالي درعا ، والفقراء من السوريين في قواعد القوى المهاجمة ، وأنّ ما يظهر في مسرح الصراع هو فقط نفس القوى التي قادت مسارات الحرب في خندق ” المحور الروسي”، منذ التدّخل العسكري الروسي في ٢٠١٥ ، ونفس الأدوات المستخدمة ؛ لكن في الجوهر ، تعكس هذه الجولة الحالية ،ارادة سياسيّة مشتركة ، تقاطعت مصالح اصحابها في العمل على إخضاع المنطقة !!
في ضوء عوامل السياق العام ، يمكن رصد بعض ما يميّز سياق المعركة ” الخاص ” :
في جولات حروب الأمس المتعاقبة ، بين ٢٠١٥- ٢٠٢٠، كانت السّمة الرئيسيّة للصراع تنافسيّة،تصادميّة، في سياق سعي كلّ طرف في المحورين الرئيسيين ، التركي / الروسي ؛ شركاء “خيار الحرب الأمريكيّ”، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية؛ للحصول على الحصص الأكبر ؛ في إطار إعادة تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، وفي أعقاب نهاية المرحلة الاولى من حروب “الخيار العسكري “، بين ٢٠١٢- ٢٠١٤ ، والتي تكاملت خلالها الجهود ، والأدوات، والسياسات المتصارعة للجميع، من أجل قطع طريق التغيير الديمقراطي ، والوصول بمقومات “الدولة السوريّة ” إلى حدود التدمير القصوى .
الصراع على درعا اليوم يأتي في سياق مختلف “نسبيّا” ، يحدد سماته الرئيسيّة الأخذ بعين الإعتبار هواجس” ملك الأردّن ” حول تداعيات أي عمل عسكري جديد على بلاده ، خاصّة فيما يتعلّق بتهريب ” السلاح والمخدّرات ” ، علاوة على عدم تجاوز سقف توافقات ” الصفقة السياسيّة” التي توّصّلت اليها قيادة الصفّ الأوّل في الحلف ، “روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل” ، والتي اعترفت ب، وشرعنت، ما حصلت عليه الاطراف من حصص حتى آذار ٢٠٢٠ ، وبما يضع” درعا ” تحت السيطرة الروسيّة / الايرانية ؛ ويجعل ما تقوم به الميليشيات، بغطاء روسي، من أجل إخضاع المنطقة ، عملا مشروعا ؛ من وجهة نظر بقيّة الشركاء ، أمريكيّا ّوتركيّا وإسرائيليّا ،؛ وهو ما يفسّر خاصّة تجاهل الولايات المتحدّة وإسرائيل للحدث، ويحدد مآلاته !!.
في سياق غير منفصل ، يبرر مخاوفنا حول الوضع في السويداء، المجاورة ،يطرح السؤال نفسه :
هل سيتم اتخاذ نفس الإجراء ؟
تُظهر مؤشرات عديدة ، إلى ذهاب ” الحل ” في السويداء على طريق مختلف ، هو أقرب إلى” التجربة القسديّة ” ، في شمال شرق سوريا ، وإمارة ” النصرة ” في ” إدلب ” ، و” الجيش الوطني ” ، في شمال غرب ؛ حيث تعمل ” ميليشيا ” قويّة ، مدعومة نسبيّا من جميع اطراف قوى المحورين الروسي والتركي ، بواجهة مدنيّة ، كسلطة أمر واقع ، وركيزة مؤقّته ،…. او دائمة ، وفقا لطبيعة الحلّ المطلوب أمريكيّا !
هنا ، في هذه المحافظة المتميّزة ، التي يشكّل إخضاعها الكامل إحدى أهمّ ” انتصارات ” قوى الحلف المعادي لأهداف التغييرالديمقراطي للشعب السوري ، يأخذ ” حزب اللواء السوري ” نفس دور” قسد” ، وميليشيات ” الجيش الوطني ” ، او ” الهيئة النصراويّة “، بغطاء مدني ، يمثّل يافطته تآلف المشاركين في ،” المؤتمر السوريّ ” ،
( الذي عقد مؤتمره الاوّل ، بدعوة كريمة من قائد ميليشيا حزب “اللواء ” ” بمن حضر من “ التكتلات والشخصيات السياسيّة والوطنيّة ” من ابناء المنطقة، وتحت شعار ” حقّ السويداء ، وواجبها الوطني في تقديم رؤيتها في سوريا القادمة ، بشكل سياسي ، سلمي مدني وحضاري ” ، وتحت يافطة المطالبة بتنفيذ القرار العتيد”٢٢٥٤” – الذي يفتقد لآليات التنفيذ، واصبح” ورقة التوت” الوطنيّة، الديمقراطية ” التي تستر عيوب ، ومواقف جميع طوابير اطراف قوى الثورة المضادة – ” بكل تفاصيله ، وتشكيل هيئة حكم انتقالية ….لضمان انتقال سلمي….وإقامة الدولة الديمقراطية..” إلى نهاية هذه” الأسطوانة المشروخة” ،شديدة الابتذال !!) ، وبما يشكّل، على المدى البعيد، ” دمّلة” أخرى في الجسد السوري !!
ادراك السوريين لهذه الوقائع قد يخفف من اضرار قيام إصطفافات جديدة ، تعمل على تمزيق بقايا “الصف الديمقراطي الوطني” ، وتعمّق الخنادق بين مناطق الجغرافيا السوريّة. فهل نتعلّم من دروس الدّم والدمار ؟!
” درعا كوني بخير… ، للسويداء الأمل الجميل ؛
السلام والعدالة، لجميع السوريين .
نزار بعريني – ٣١-آب-٢٠٢١
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.