طالبان من الإرهاب، إلى السلطة – مروان عبد الرازق
-١-
منذ “١١-سبتمبر-٢٠٠١”، وتفجير برجي التجارة في نيويورك، بيد عناصر ”القاعدة“، حيث أعلن الرئيس الأمريكي “جورج بوش” في أيلول “٢٠٠١”، “الحرب على الإرهاب”، وأنه “سوف يجفف مصادر تمويل الإرهابيين، ويدب الفرقة بينهم، ويطاردهم من مكان إلى آخر”. وعليه خاضت أمريكا أهم حروبها خلال عقدين من الزمان.
وكانت الحرب الأولى في أفغانستان. وكان الأمريكان مدفوعين بالانتقام والقتل والهمجية في اسقاط حكومة ”طالبان”، التي رفضت تسليم ”اسامة بن لادن” لأمريكا، وصرّح الرئيس “بايدن” بجرأة أمام الموقف الانهزامي الذي رافق سحب جنوده مؤخراً، بأننا “لم نذهب إلى أفغانستان لبناء أمة، فهو حق ومسؤولية الشعب الأفغاني وحده أن يحدد مستقبله وكيف يريد إدارة بلاده”، وعليه لم يكونوا مدفوعين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وفق الشعارات المرفوعة. وتم التأسيس لحكومة بديلة، وتم صرف المليارات لتأسيس جيش أفغاني يحارب القاعدة وطالبان. حيث خسرت أمريكا “٢٣٠٠” جندي، وأكثر من”٢٠” ألف من الجرحى، وقتل أكثر من “٦٠” ألف أفغاني، وتم قتل “ابن لادن”، وتم إضعاف القاعدة في أفغانستان، بينما طالبان ظلت تقاتل الامريكان حتى اتفاق الدوحة والانسحاب.
وبنفس الوحشية تم احتلال العراق، وكان ذلك ذروة الهيمنة والغطرسة الأمريكية في العالم، بالسعي لتشكيل ”شرق اوسط جديد“، وفق نظرية “الفوضى الخلاقة”. حيث اسقطت الحكومة، وتم إعدام الرئيس، والآلاف أيضا، واكتظت السجون والمعتقلات، في سجن “أبو غريب” وغيره، وتم تدمير الدولة ومؤسساتها والجيش مما أدى لتشكيل عدد من الفصائل المقاومة للاحتلال، وكذلك نشوء ”القاعدة في العراق“ التي تقاتل الأمريكي، وسيطرت الطائفة الشيعية على السلطة وهي المرهونة بيد إيران، أي أنه تم تقديم العراق هدية لإيران على طبق من النفط والذهب، ومازالت الحرب الطائفية مشتعلة حتى الآن، حيث تم تفتيت المجتمع الى أقليات متناحرة يعوزها الماء والكهرباء، والمشردين، في حين أن العراق من أغنى دول المنطقة.
ويرى “اكيرمان” أن إرسال الجنود الأمريكيين إلى العراق، بيد “بوش” أدى إلى صعود تنظيم “القاعدة في العراق”، فيما “أدّى سحب القوات الأمريكية بيد “أوباما” إلى ولادة خليفة “القاعدة”، أي تنظيم “داعش””.“ ما تكبدته أميركا من أثمان في الحرب على الإرهاب. إليوت أكيرمان. اندبندنت عربية: :5/9/2021….” و “وهذان خطآن استراتيجيان فادحان“. فرغم حصار داعش وإخراجها من الموصل بعد أن استولت على أسلحة الجيش، إلا أنها لم تختف ومازالت تقوم بالعمليات مقابل الفصائل الشيعية لينخرا معاً الوطن والشعب.
-٢-
الانسحاب من أفغانستان
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تم ضمن الاستراتيجية الأمريكية للانسحاب والمعدة منذ “اوباما” وحتى الآن، حيث صرح الرئيس الأمريكي بايدن “بقدرة أمريكا على مكافحة الإرهاب دون أي تدخل عسكري”، وهذا يعني عبر الأصدقاء والوسطاء الداعمين لأمريكا، أو عبر الفضاء، والقتل عبر الجو بالطائرات المتمركزة في دول الخليج العربي، وغيرها. فـ”الانسحاب كان ضروريا من أجل التركيز على مواجهة التحديات الكبرى من روسيا والصين في المستقبل”. وهذا الانسحاب تم بسبب أن أمريكا حققت أهدافها وذلك بالقضاء على “ابن لادن” في “٢٠١١” والقاعدة ثأراً لأحداث ”١١ أيلول ٢٠٠١”، بمعنى أن القضاء على الارهاب هو الهدف وتم تحقيقه.
فهل انتصرت أمريكا في حروبها على الإرهاب؟ اذا أخذنا كلمات بوش بعين الاعتبار، وهي تخرج مهزومة من أفغانستان. حيث من الصحيح أنه لم يعد هناك أرضاً للقاعدة وداعش في الموصل والرقة، لكنهما مازالتا موجودتين و تقاتلان كل يوم، وما نهضة الإسلام السياسي في دول الربيع العربي، في سوريا، والعراق، وليبيا، ومصر، وتونس، إلا لأن أمريكا لم تقاتل الإرهابيين حتى النهاية. وفي أفغانستان كانت النهاية. ففي مطار كابول خلال الانسحاب فجّرت داعش خراسان المطار، وراح ضحية التفجير العشرات ومنهم جنود أمريكان.
فهل انتصرت أمريكا في حربين اختارتهما في العراق وأفغانستان؟ والجواب بالتأكيد لا، إنها لم تنتصر، بل انهزمت. فالنصر لن يأتي عبر قتل السلطة. والجيش والدولة، والمجتمع، وتبني دولة من جديد، ومجتمع جديد. وما فعلته هذه الحروب أنها عملت على “انقسام مدني– عسكري عميق، لا يقل حدّة عن أي انقسام عرفه المجتمع“، أي انقسام سياسي- عسكري، وهذا أدى إلى التناقض بين أوامر الرئيس وأوامر البنتاغون ووزير الدفاع. وقد يفسر النصر باعتباره “منع حصول نتائج سلبية” وليس “تحقيق نتائج إيجابية” وهذا لن يتحقق أيضاً، فالقاعدة موجودة في أمريكا مثلها مثل كل أوروبا.
وإن “مواجهة التحديات الكبرى من الصين وروسيا في المستقبل”، خرافة العصر. حيث يدرك بايدن أن الصين أصبحت أكثر عسكرةً واقتصاداً، وأن الروس سيطروا على القرم ودعموا ايران والسلطة بسوريا، وامتلكت كوريا الشمالية الأسلحة النووية، في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تقاتل في العراق وأفغانستان بمعني آخر العالم لم تعد تحكمه دولة واحدة مثل أمريكا، وذلك كما كان حين سقوط الاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي. “والنصر ليس سوى وهم فلاسفة ومجانين”، كما يعبر “أكيرمان”، من رواية “الصخب والعنف” لويليام فوكنر.
ويرى “هنري كيسنجر“ في ”الإيكونوميست”، أن سبب فشل أمريكا في أفغانستان يعود لعدم تحديد “الأهداف العسكرية فكانت مطلقة للغاية وغير قابلة للتحقيق، وكانت الأهداف السياسية مجردة ومراوغة للغاية. وأدى الفشل في ربطها بعضها بعضاً إلى توريط أميركا في صراعات من دون وجود نقاط نهائية محددة، وإلى دفعنا داخليًا إلى تفكيك الهدف الموحد والوقوع في مستنقع من الخلافات والجدالات المحلية”. ولأن أفغانستان ليست دولة حديثة وتفتقر لمكونات الدولة مثل الالتزام المشترك والمركزية، لذلك فشلت بناء الدولة، والانقسامات القبلية جعلت من أفغانستان “قاعدة جذابة للشبكات الإرهابية في المقام الأول”، وكان ممكناً “احتواء طالبان وليس القضاء عليها” لوقف الإرهاب في أأفغانستان.
ويرتكز الانسحاب الأمريكي إلى مجموعة من العوامل لاباس بتعدادها: أولاً: خسارة الجنود في الحرب الخارجية، وثانياً: المصاريف المادية الكبيرة المتعلقة بالسلاح واللوجستيات المتعددة، والتي أدت إلى حالة إنهاك للخزينة الامريكية، وثالثاً: أن التدخل الخارجي لم يكن من أجل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورابعاً: لم نحقق أية مكاسب هامة على الصعيد الوطني، ويكفي أن نكون شرطيا في العالم الخارجي، لأن ذك يسيء إلى سمعتنا في الخارج، خامساً: الوضع الداخلي والاصلاحات فيه هو الأهم ولشعبنا. ولذلك كان الفشل في التدخلات العسكرية الامريكية، والهزيمة، ابتداء من سايغون وانتهاء في سوريا، مرورا بأفغانستان والعراق.
وإذا كان الهدف قد تحقق منذ مقتل “ابن لادن”، لماذا لم يتم الانسحاب منذ عقد من الزمان؟ أليست العقلية الاستعمارية التي تحكم أمريكا، بسيطرة شركات الأسلحة والشركات المتعددة الجنسية، والتي استفادت المليارات من الغزو والاحتلال، هي التي منعت أمريكا من الانسحاب! حيث أن أغلب الأموال التي صرفت كانت على الأسلحة، وهذه من نصيب شركات الأسلحة. ودائماَ كان هناك صراع بين الرئيس الأمريكي والمؤسسة العسكرية التي ترفض الانسحاب، كما حصل في أفغانستان والعراق وسوريا.
والانسحاب الراهن تم تنفيذه بموجب العقد الجريء الذي نفذه “ترامب”، ووقعه مع “طالبان” منذ “٢٠١٩”، والذي يقضي بانسحاب أمريكا من أفغانستان، وعودة طالبان إلى الحكم، دون معرفتنا بتفاصيل الاتفاق بينهما، لأنه ببساطة لم يتم إعلانه. ثم كيف تتم المفاوضات بدون ممثلين شرعيين للسلطة القائمة، وكأن الاحتلال يتصرف كما يرغب ويشاء!. وكان هذا الاتفاق قد تم بموافقة الجمهوريين والديمقراطيين، وتم بموجب موافقة أغلبية الشعب الأمريكي، حسب استطلاعات الرأي، الذي يهمه الوضع الداخلي والمعيشة، رافضا التدخل والحرب في الخارج.
وجاء الرئيس الجديد “بايدن” لتنفيذ الاتفاق، والانسحاب في موعد نهائي في”٣١-٨-٢٠٢١”، بحسب وعوده الانتخابية، وبحسب حاجته للأموال التي تصرف بدون فائدة في أفغانستان، دعما لمشاريع البنية التحتية والتي ستكلف المليارات داخل أمريكا. ويزعم “فرنسيس فوكوياما” “أن عوامل ضعف أمريكا وتدهورها مصدرها محلي أكثر من كونه خارجيا”، و”أنه ليس من المرجح أن تستعيد الولايات المتحدة وضعها السابق في الهيمنة” (فرانسيس فوكوياما، الانسحاب من أفغانستان، وعهد الهيمنة الأمريكية على العالم قد انتهى – موقع theEconomist).
وهذا الانسحاب مقدمة للاستراتيجية التي تستند إلى فشل التدخلات العسكرية في الشرق عموماً. فبعد أفغانستان واسقاط طالبان من السلطة، وتركيب حكومة متوافقة مع التدخل العسكري، تم الذهاب إلى العراق وإسقاط حكومة “صدام حسين”، والتأسيس لحكومة طائفية جديدة، وبرعاية إيرانية، وبروز الطائفية المضادة برعاية “داعش” وغيرها، ومازالت الحرب دائرة، في صراع طائفي مستمر إلى الآن. وامريكا مستعدة للانسحاب من العراق بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى وواشنطن، ووعد الرئيس بذلك دون موافقة البنتاغون على ذلك، بعد خسارة “٥٠٠٠” جندي، وآلاف الجرحى، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف العراقيين، وإنفاقها المليارات على الحرب الممتدة إلى قرابة العقدين من الزمان.
وفي سوريا كان التدخل العسكري لصالح الأكراد، في هجومهم ضد “داعش”، مما أحدث ثغرة وصراع بين العرب، والكرد، أو بين الكرد والثورة السورية التي رفض الامريكان مساعدتها، وعدم تقديم السلاح اللازم للانتصار، مما أدى إلى فشلها، وسيطرة الفصائل الداعشية التكفيرية مثل النصرة وغيرها وسيطرتها على المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وسيطرت “تركيا” على باقي الفصائل العسكرية وتم تجنيدهم كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان، ولمصالحها الخاصة، وكلنا يعلم أنه لم يتم إطلاق طلقة واحدة للتحالف مع درعا البلد التي تحارب النظام.
فالتدخل العسكري الأمريكي في الشرق عموماً غير مجدي، ولم يتم لصالح الشعوب. فالتأسيس لحكومات متوافقة مع الاحتلال، وخسارة الجنود والأموال، وفي النهاية التدخل لم يتم من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان، كما يشاع احياناً ووفي النهاية عودة إلى نقطة الصفر من جديد، رغم كل الخسائر للشعوب ولأمريكا ايضاً. ولذلك بنيت استراتيجية الانسحاب من أفغانستان، بعد الآلاف من القتلى، الجرحى، وصرف المليارات، وفي النهاية عودة “طالبان” إلى الحكم، بعد عقدين من الصراع مع أمريكا، وتلك هي عقدة الانسحاب من أفغانستان.
إنها الهزيمة الأمريكية في أفغانستان. هزيمة عسكرية وسياسية أمام طالبان الذين حاربوهم لمدة عقدين من الزمان وأسقطوا سلطتهم، باعتبارهم إرهابيين، أو داعمين للإرهاب. وعودة طالبان بقوة السلاح إلى السلطة، واستيلائهم على السلاح الأمريكي بيد الجيش الأفغاني المهزوم، الذي يقدر بالمليارات، هي هزيمة عسكرية لأمريكا، وثانياً: نسف السلطة السياسية القديمة، وهي سلطة أمريكية، وعودة حكم “الملالي” الذين تم هزيمتهم منذ عقدين، هي هزيمة سياسية بامتياز. وكان شكل الهزيمة في الطريقة التي خرجت فيها من المطار بعد سيطرة طالبان على كابل، والتي تم وصفها ب “العار”، و”الخيانة” من قبل الجمهوريين. حيث بقي الامريكان بعشرات الآلاف محصورين في المطار، واستقدموا أحدث الطائرات لمغادرة جنودهم، ورعاياهم من الأففان، مع آخر تفجير انتحاري، حيث رحلوا مع قتلاهم، وجرحاهم، وتركوا الباقين في أفغانستان لانتهاء الوقت في “٣١-٨-٢٠٢١”. ولم تتعرض طالبان للجيش الأمريكي في المطار، بموجب الاتفاق في المفاوضات، بين الأمريكان وطالبان في الدوحة والمستمرة منذ سنتين، حيث يتم اجلاء الجيش بشكل آمن، لكن بشكل مخزي ومهزوم، مقابل تسليم أفغانستان لطالبان.
-٣-
والسؤال الحارق يقول: هل انتصرت طالبان في أفغانستان؟
حسب دائرة المعارف الحسينية، تسمية “طالبان” هي جمع “طالب” باللغة البشتونية، لطلبة المدارس الدينية ففي ولاية قندهار، وهم الذين حاربوا السوفييت، وبايعوا “الملا عمر” كأمير لهم ففي عام “١٩٩٤”، حيث يشكل الباشتون “٤٨٪ من السكان. وهم يؤمنون بالحنفية “ديويندية” نسبة إلى قرية “ديويند” الهندية، وفيها مدرسة للعلوم الإسلامية كالحديث والتغيير والسيرة، وفق صيغة محمد عبد الوهاب، حيث كانت مدعومة من السعودية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى بعض العلوم النظرية التي تدرس بطريقة تقليدية قدسية، وترفض التيارات الفكرية التجديدية في العلوم الاسلامية. حيث يدرس الطالب ليصبح “الملا”، وبعد ذلك يصبح “المولوي” ويحصل على إجازة للتدريس في المدارس، ويضع العمامة السوداء.
وليس عند طالبان هيكل إداري واضح، ولا لوائح تنظم شؤونها الداخلية وبرامجها، ولا برنامج لتربية أعضائها، ولا توجد بطاقات عضوية توزع على الأعضاء لتسجيلهم. وأنهم ليسوا حزبا مثل الأحزاب الأخرى، فلا يهتمون بالنظام الإداري التنظيمي، بل يريدون أن يخدموا الشعب كله عن طريق تفعيل الدوائر الحكومية. ويرفضون تشكيل الأحزاب بحجة أنها “تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية، وهي نوع من العصبيات الجاهلية، الامر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس”. ومع ذلك تتمتع بالتماسك الداخلي وذلك للخلفية الفكرية الموحدة لعناصرها.
وترفض طالبان استعمال كلمة الديمقراطية، لأنها تمنح حق التشريع للشعب، وليس لله، وهو المشرع الأول. “والشورى معلمة، وليست ملزمة”، ولا ترى أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة، فالقرآن والسنة ههما دستور الدولة الإسلامية. وأمير المؤمنين بمثابة خليفة ينتخبه أهل الحل والعقد، ويتمتع بنوع من السيطرة الروحية على الافراد، ومخالفته معصية شرعية، ويتم عزله إذا خالف أمور الدين. ويحرّمون الموسيقى والصور، والتماثيل، ويحرّمون تعليم المرأة، وعملها بين الرجال، الخ وتشرف على ذلك هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما يتمتع أفراد طالبان بالعناد، والصلابة، والخشونة، وتحمل العمل الشاق وشظف العيش، وتحمل رجال الدين. أما أموالها فمستمدة من تجارة الافيون والمخدرات والضرائب على المزارع، والفدية من المخطوفين، بالإضافة إلى التبرعات من المشايخ واهل الدين.
وطالبان رغم أنها جهادية وتكفيرية وإرهابية، إلا أنها من المجتمع الافغاني وثقافته وطقوسه وبالتالي هي انتصرت بقوة البنادق والسلاح، على أمريكا، والسلطة التي أنشأتها. وخلال أسبوعين سيطروا على أفغانستان، حيث كان قرار الحرب عند البعض من طالبان هو السبّاق- كما صرح احد المشايخ- وتم نسف المفاوضات بين أمريكا وطالبان وانفرط عقد الجيش الذي صرفت أمريكا لإنشائه مليارات الدولارات ولم يقاتل طالبان، وتم التسليم لطالبان، وذلك بسبب أن نصف الجيش كان متحالفاً مع طالبان، وهو يفتقر الى الرواتب منذ ثلاث شهور، وغاب الدعم اللوجستي، وتفاقم نقص التدريب والمعنويات، بالإضافة إلى وجود شرخ بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، فضلاً عن هروب الرئيس، خشية أن تقتله القوى الامنية -كما صرح بذلك- فانهارت الحكومة والجيش، ولم تتخذ أية قرارات حاسمة للدفاع عن أفغانستان. ولذلك تم الدخول إلى المحافظات المتعددة وكذلك كابل بدون طلقة رصاص واحدة، رغم أن تقديرات الأمريكان راهنت على صمود الجيش لستة أو ثلاثة أشهر وهو البالغ تعداده “٣٠٠” ألف، وهو المزود بأحدث الأسلحة لكن الذي تبين انه لا يتجاوز “١٦٠” ألفاً ويغط بالفساد، فانهار بسرعة وسلم أسلحته لطالبان التي كانت جاهزة لاستلام السلطة.
وكما فعل الرئيس الهارب “أشرف غني” الذي طالب طالبان بالمسؤولية للحفاظ على شرف وممتلكات المواطنين الأفغان! كذلك فعلت أمريكا وحلفها المقدس فلم تتصدى لطالبان، وكان بإمكانها التصدي لطالبان على الأقل في كابول، لكن يبدو انهم التزموا بالاتفاق مع طالبان حول تسليمهم أفغانستان، دون أن يتعرض الجنود الأمريكان للخطر، وهذا الذي تم تنفيذه، لكن ليس بالكامل. فالعملية الانتحارية التي نفذها “تنظيم الدولة” في المطار وراح ضحيتها “١٣” جندي امريكي مع جرحى وبالتأكيد كان لطالبان علاقة ما بالعملية كهدية أخيرة لأمريكا.
لكن ليس بالسلاح وحده يتحقق الانتصار فنحن لسنا أمام معركة ما، في جبل ما، إنما نحن أمام مجتمع مهزوم حيث تسلطت عليه قوى جهادية تعيده للوراء آلاف السنين. ولم تفده “الفوضى الخلاقة” التي رسمتها “كونداليزا رايس” في “٢٠٠٥”، التي عنت الفوضى وعدم الاستقرار، ولم يتحقق انشاء نظام سياسي جديد يضمن الأمن والحرية والازدهار، كما حصل في أفغانستان، وكافة بلاد الربيع العربي حيث سيطر الإسلام السياسي بأنواعه المتعددة. فالمجتمع متعدد عرقياً، وقومياً، ودينياً، ويحتاج إلى دستور وبرنامج يرعى أموره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحقوق الإنسان والمكونات المتعددة.
وتعتبر طالبان الأشد تزمتاً وإرهاباً عن باقي الإسلام السياسي، فهي تتبع الديونيدية الحنفية المتشددة، وتسعى لفرض الشريعة الإسلامية، وهي “داعشية” بالجوهر، تقتل وتحطم المقدسات، وتقطع الرؤوس والأيدي، وتقوم بالرجم والجلد والاعدام العلني، وتمنع النساء من العمل والتعليم، وتعتمد وفق تعبير أحمد الرمح “على جاهلية المجتمع، والعزلة الشعورية والجغرافية وعدم مخالطة الجاهلية، و” تستند إلى “الحاكمية لله وحده“ كمنطق للحكم، وإن الناس عبيد الله وحده، ولا شريعة الا من الله، وذلك بالاستناد إلى “سيد قطب”.
ليس بالخلافة، أو الأمير، أو أمير المؤمنين، أو “حكم الملالي”، يمكن أن يتحقق حكم المجتمع، وتسيير اموره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إنما بحكومة توافقية، وشاملة مع المجتمع، ومجلس للنواب منتخب، وقضاء مستقل لا يحكم بقطع الايدي والأرجل، إنما وفق القوانين الموضوعية، وحكومة تحفظ حقوق الإنسان، وحرية المرأة … والتقدير أن طالبان لن تقوم بذلك، ولذلك ستفشل في الحكم كما فشلت “داعش” في الموصل والرقة، وأيضا “النصرة” وباقي الفصائل الإسلامية في سوريا، لأنها ستواجه بالتأكيد حركات تمرد والحرب الأهلية في أفغانستان لامندوحة قادمة.
كما أن طالبان ليست جسداً واحداً. فداخل طالبان “حركة طالبان الباكستانية”، وتعرف ب”ُTTB“، التي حاربتها باكستان، وتطالب أفغانستان بعدم نشاطها ضد باكستان، “. وكذلك عناصر القاعدة الذين يشكلون ثلث قوات طالبان، والمحاربين، والمهجرين، وكل ذلك سيكون له دور في أفغانستان المستقبل. وهناك تيار داخل طالبان يطالب بحكومة جامعة لكل مكونات أفغانستان، كما يتوسل المجتمع الدولي، للاعتراف بالحكومة المعلنة. وكذلك حركة ”أحمد مسعود“ الإبن المسلحة مازالت تقاتل طالبان، ويعتبر الشيعة في الهزارة والذين يشكلون “١٠٪” من السكان، مدعومين من إيران. أما طالبان فقد انتصرت الخلافة، وتم التأسيس لحكومة إسلامية طالبانية خالصة وبالتالي أصبحت الدولة الثانية الإسلامية بعد إيران. حيث القرآن والشريعة الإسلامية هي التي ستحكم، مستندة إلى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عموم البلاد، سواءاً بالصيغة السابقة التي حكموا فيها أفغانستان في الفترة “١٩٩٦-٢٠٠١”، أو مع بعض التحسينات البسيطة.
مروان عبد الرزاق-١٧-أيلول-٢٠٢١
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.