السودان من الثورة.. إلى الانقلاب العسكري – مروان عبد الرزاق

مقالات 0 admin

-١-

الثورة الشعبية في السودان التي بدأت في “٢٠١٨” على الطاغية التاريخي، الذي حكم السودان منذ ثلاثين عاماً، تكللت بالنجاح، حيث جرى الانقلاب العسكري على البشير، في “ابريل ٢٠١٩” وأزاحت الطاغية، وأصبحت السودان أمام مرحلة جديدة، هي مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد اسقاط رمز الاستبداد الأول. وتشكلت الحكومة البديلة بالمشاركة بين الجانب العسكري والمدني. فكان القسم العسكري بقيادة “البرهان”، الذين نفذوا الانقلاب من جهة، ومن جهة ثانية الجانب المدني، بقيادة “قوى الحرية والتغيير” والتي شكلها مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية، والتي كان لها دور كبير في المظاهرات الشعبية ضد النظام البائد، والتي شكلت الحكومة بقيادة “حمدوك”، وفق الوثيقة الدستورية” التي فصلت العلاقة بين القسم المدني والعسكري، على أن يحكم العسكريين لمدة سنة ونصف، ثم يتلو ذلك الحكم للمدنيين عبر مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان الامل كبيراً باتفاق العسكريين والمدنيين على قيادة الانتقال الديمقراطي، وهي تجربة فريدة في ثورات الربيع العربي، في تصفية بقايا الاستبداد، والتأسيس لحقبة ديمقراطية حديثة.

وبالرغم من توتر العلاقة بين الجانب العسكري المسيطر، والجانب المدني، إلا ان الجانب العسكري والمدني استطاعا أن يفككوا جزءاً من تركة الاستبداد القديم، منها: رفع السودان من تهمة رعايته للإرهاب، والتصالح مع الحركات المسلحة، دون أن يقدموا أي برنامج اقتصادي وسياسي، بحيث يشعر الشعب انه يعيش المرحلة الانتقالية الأولى نحو الديمقراطية، مثل: مجلس للشعب، والتحضير لبرنامج انتخابي الخ. حيث بقي الشعب يعاني من الازمات التاريخية، مثل الجوع، حيث في “ بداية عام 2020، قدرت الأمم المتحدة أن 9,3 مليون سوداني، أي 23% من السكان، سيكونون في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية” أي تحت خط الفقر وعدم الرعاية الصحية والتعليمية، مع ازدياد البطالة في أرجاء البلاد. بحيث أن المشكلات الاقتصادية مثل التضخم والديون، والبطالة استمرت كما هي في العصر السابق. وأثبت التاريخ أن الديمقراطية لا تبنى مع الجوع والتدهور الصحي، والأزمات المستفحلة للمجتمع.

وكان مصدر التوتر بين الجانب العسكري والمدني يتلخص بسيطرة العسكر على المدنيين وقراراتهم، من جهة، وكذلك تعرض “قوى إعلان الحرية والتغيير” للانقسامات بحيث أصبحت ضعيفة أمام العسكر. وكذلك من جهة ثانية، ضرورة تسليم القيادة للمدنيين وفق الوِثيقة الدستورية، بعد انتهاء قيادة العسكر لمجلس السيادة، وتلك كانت الاشكالية الكبرى أمام العسكر الذين يحكمون. وهذه هي الاشكالية التي فجرت الشراكة بين “مجلس السيادة”، أي العسكر، وقوى الحرية والتغيير. إذ كيف يسلم العسكر السلطة للمدنيين بكل بساطة!

-٢-

عندما جاء دور المدنيين باستلام السلطة في المجلس السيادي، قام العسكر أي مجلس السيادة العسكري بإحداث انقلاب عسكري وسيطر على السلطة، بحجة عجز الحكومة عن الانتقال الديمقراطي، وانهم يبحثون عن السلطة والمحاصصة، وأنه يقوم “بحركة تصحيح لمسار” الانتقال الديمقراطي، ولتفادي “الخطر الداهم” و”الحرب الاهلية” التي يسعى اليها المدنيون، وتعهد البرهان رئيس مجلس السيادة العسكري، بالتزام القوات المسلحة نحو الديمقراطية.

هل هذا انقلاب عسكري ام لا؟ او هل يمكن تسميتها بحركة تصحيحية، أم أنها محاولة لمنع “الحرب الاهلية” كما يسميها الانقلابين؟

إنه انقلاب عسكري واضح. والتصحيح الذي طرحه البرهان، يشبه “الحركة التصحيحية” للطاغية السوري في “١٩٧٠”، حيث قال انه يصحح مسار الثورة، واعتقل الحكومة السابقة لعشرات السنين، وأسس دستوراً جديداً، وحكومة جديدة، ونقل السلطة الى ابنه الطاغية الجديد، الذي قتل مئات الآلاف من الشعب السوري في ثورته المستمرة حتى الآن.

وقد استفاد من الانقلاب العسكري بقيادة السيسي في مصر على الرئيس المنتخب، وهي حركة “تصحيحية” للمسار الانتقالي، حيث عمل على تقسيم المجتمع ضد الاخوان والرئيس، وأحدث مجازر واعدامات لا تعد ولا تحصى، وهو مستمر في طغيانه، وانقلب. على. الاخوان المسلمين، وعلى الشعب عموماً بمن فيهم الجماهير والشباب المناهضين للإخوان.

والذي عمله “البرهان” لا يختلف في الجوهر عما جرى في سوريا ومصر. حيث تم إسقاط الحكومة، ومجلس السيادة، وإلغاء العديد من بنود “الوثيقة الدستورية”، وإلغاء كافة الحكام المدنيين، وتم اعتقال رئيس الوزراء والوزراء، والعديد من قادة الأحزاب السياسية لقوى الحرية والتغيير، وتم تجميد “لجنة التمكين” اي كتلة تفكيك النظام. القديم، والنقابات المهنية الأخرى، وأعفي العديد من المدنيين من وظائفهم الذين وقفوا ضد الانقلاب ولم يجدوا فيه حركة تصحيح، بمن فيهم بعض السفراء، وقطع خط الهاتف والخليوي، وسيطر على الإذاعة، واوقف العمل بالمطار الخ. وأعلن قانون الطوارئ ضد الملايين من البشر الذين تظاهروا وأعلنوا العصيان المدني ضد الانقلاب العسكري، لأنهم يريدون حكومة مدنية تنقلهم الى الديمقراطية وحقوق الإنسان.

يبدو أن “البرهان” تعلم من “السيسي” في تقسيم المجتمع ايضاً. حيث عمل السيسي على قسم من المجتمع ضد “الإخوان المسلمين”، وأقاموا مظاهرات لإسقاط الرئيس، وعمل المجازر ضد المؤيدين. كذلك البرهان وجد قسم من المجتمع ضد الحكومة المدنية، والذين دعوا في مظاهراتهم لإسقاطها وهل من المعقول ان ينادي قسم من الشعب بحكومة عسكرية للانتقال الديمقراطي. مثل: حركة “تحرير السودان؛ جناح “مناوي”، و”حركة العدل والمساواة” التي ووقفت مع الانقلاب، وطالبت بإسقاط الحكومة.

تلك مأساة عمل عليها الجيش السوداني! ومن الأرجح انه سيعيد. الإسلاميين الذين كنوا متحالفين مع الطاغية السابق للحكم من جديد وههنا نجد أنفسنا وجهه لوجه، أمام الدولة العميقة التي لم يتم تفكيكها. وبالتالي نحن أمام فترة طويلة للانتقال الديمقراطي في السودان. حيث سيتم قمع العصيان المدني، مع كافة المعارضين للانقلاب وسيشهد السودان مظاهرات كبرى لإسقاط الانقلاب ورموزه، حتى تبدأ فترة انتقال جديدة نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقد سيطر العسكر على كل مفاصل الدولة، ووعد بحكومة مدنية متوافقة معه، وألغى بذلك الوثيقة   الدستورية التي تنقل الوطن الي الديمقراطية، وانه سيتم الانتقال الى حكومة منتخبة بعد عام او عامين في “٢٠٢٣”.

ألا يشكل ذلك انقلاباً عسكرياً واضح المعالم. وهذا كله بسبب عدم تسليم السلطة للمدنيين. إنهم العسكر الذين لا يؤمنون إلا بالعصا والسجن والتعذيب، وسيظلون يحكمون بالقوة العارية رغم أنف الشعب الذي يناضل ويضحي بأرواحه في سبيل الحرية والديمقراطية. إنهم العسكر في السودان والعالم العربي والبلدان المتخلفة عموما وفي بلاد الربيع العربي، حيث سيطر العسكر المعارضين للنظام بحثاً عن السلطة، كما هو حاصل في سوريا والعراق، ولبنان، وليبيا، وتونس، واليمن، ومصر، وفي كل البلدان العربية التي لم ينفجر فيها الصراع، أو الذي تم قمعه واضطهاده.

فهل ينضم “البرهان” ومجلس السيادة إلى القوى المضادة للثورة السودانية؟ نعم وبكل وضوح لأنه يعمل على قطع الطريق أمام الانتقال الديمقراطي. فالعسكر في كل التاريخ كانوا ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان. والمجتمع الدولي الذي وقف مع الشعب ضد الانقلاب العسكري، ومجلس الامن الذي طالب بإعادة “الحكومة الانتقالية” المدنية، هو حديث غير مجدي، بحيث أنه لا يهمهم الانتقال الديمقراطي، وحقوق الإنسان، وخاصة الانقلاب حصل بعد أيام من زيارة المبعوث الأمريكي “جيفري فيلتمان” للسودان، طالما الانقلاب مدبر، ومدروس، بتوافق مع مصر بشكل خاص وربما السعودية ودول الخليج أيضاً، وربما يكون الانقلاب وإسقاط الحكومة متوافقا مع إسرائيل، حيث رفضت الحكومة انضمام إسرائيل كمراقب الى الاتحاد الافريقي وإدانة الجامعة العربية للانقلاب بلا معنى طالما اغلب الدول العربية متوافقة مع الانقلاب.

فإن قدر المنطقة والسودان من ضمنه، أن تتقلب على جمر النار، بين أيدي العسكر المسيطرين والمغامرين، ووكلاء الغرب النهابين للسلطة والثروة. وأمام الشعب السوداني مرحلة جديدة، ومظاهرات مليونيه لإسقاط العسكر والانتقال نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.

مروان عبد الرازق – ٣٠-١٠-٢٠٢١

الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة