خروج كافة الاحتلالات!…. باعة لا يملكون البضاعة!

          قبل حوالي قرن فاضل “إبراهيم هنانو” بين المحتل الفرنسي والمحتل التركي قائلاً: “إذا ما جدّ الجد وقررت فرنسا الجلاء تمسكت بها وطلبت إرجاء ذلك فترةً، لأن أنتداب فرنسا أمرٌ عابر ومهما امتد الزمن فهو إلى زوال، أما عودة تركيا فعودةٌ إلى حقب من الاحتلال واقتسام لسورية وذلك اشد خطراً من الانتداب.”*
لم تكن ترفاً آنذاك وهي ليست كذلك الآن المفاضلة بين الاحتلالات، في ظل انعدام فرص وممكنات الخيارات الجيدة تكمن الحلول في تناول الوقائع وتحويل عناصرها إلى ممكنات وفرص وحلول. فليست من الشطارة أن تكتب العبارة الإنشائية “المطالبة بخروج كافة الاحتلالات” في مقدمة كل بيان وتظل تحاجج بمشروعيتها وفق القانون الدولي، أو تنافق بها وانت تدرك بأن بقاءك من عدمه مرتبط عضوياً بأحد هذه الاحتلالات.
إن وضع الاحتلالات في سلة واحدة هو تبيسط للمشكلة وإراحة للبال، وهو لا يقلل ولا يزيد في الواقع أو تحليله بشيء، هو قفز فوق التفاصيل والممكنات التي قد تفتح الأبواب أمام خيارات لم تكن موجودة.مع أننا ندرك أن السيادة الوطنية هي الوضع الطبيعي لأي دوله أو كيان سياسي لكنها تبدو كذبة كبيرة حين يخرقها أكثر الأطراف تشدقاً بها، فبعد أكثر من ستة عقود من تجربة الاستقلال وعقد من الحرب المدمرة الذي لم يشهد التاريخ الحديث مآلاً يشبهها يعود قادة المعارضة، بشياطينها وملائكتها، ورجالات الطغمة إلى وضع كافة الاحتلالات في سلة واحدة، عدا عن أن الاحتلال التركي، وفق تصور البعض، ليس احتلالاً وروسيا في عرف آخرين دولة صديقة، وإيران عند البعض تدافع بشكل شرعي عن أمنها القومي وهلالها الشيعي.علينا ان نتحلى بالجرأة الكافية لأن نكون خارج التفكير السائد وأن نحمل صليبنا إن اقتضى الامر، متحررين من قيود الجغرافيا والتاريخ، متمسكين بأظافرنا بأولوية المواطن وحقوقه العامة والشخصية فوق أية أولوية أخرى. لنقول أننا نفضّل العيش بكرامة وحرية (ان كان ذلك ممكنًا) في ظل إنتداب واحتلال على العيش في دولة حرة “ذات سيادة” تحت حكم دكتاتور ومستبد، وإذا كانت معظم الانتهاكات الفظيعة التي يندى لها جبين الإنسانية بحق المواطن تحدث تحت هذا العنوان (السيادة) فلتذهب كل الخطوط الحمر التي تحافظ عليها إلى الجحيم.
أيّة مسوغات تشرعن وضع، من فتح حدود بلاده أمام أكثر من أربعين ألف جهادي ليدخلوا إلى سوريا، مع من يقوّي ويصلّب عود الإدارات المحلية في سلةٍ واحدة؟ نعم كلاهما احتلال، التركي والأمريكي.
أيةُ مبررات تتيح وضع حليف النظام الدموي في قصف البلدات والمدن مع من يحمي شرق الفرات من أنياب التركي ومخالب النظام؟ نعم كلاهما احتلال الروسي والأمريكي.
بأي منطق يمكن مقارنة حامي الحسينيات وصاحب الهلال الشيعي وداعم حزب الله اللبناني والحوثي اليمني مع المحتل الأمريكي! نعم كلاهما احتلال الأيراني والأمريكي.
إن من يدعو إلى خروج كافة الاحتلالات أربعة اطراف رئيسة:
النظام السوري الذي لولا وجود المحتل الروسي وميليشيات المحتل الأيراني لسقط قبل سبعة أعوام على أقل تقدير.
سلطات جبهة النصرة وفصائل الجيش الوطني الذي لولا المحتل التركي لما استطاع السيطرة على شبرٍ واحد من الأرض السورية.
مجلس سوريا الديمقراطية مسد الذي لولا المحتل الأمريكي لاجتاحت تركيا كافة مناطقه تحت انظار الروس والنظام، او لقصفها الطيران الروسي واجتاحتها بقايا الإسلاميين والصداميين.
المعارضة الملائكية التي قالت بلاءات ثلاث (لا للتدخل الخارجي-لا للعنف -لا للطائفية) والتي لم تمنع لاءاتها توحش الطغمة من ابتلاع الحركة الأحتجاجية وهرس عظام شاباتها وشبابها.والمفارقة ان من يقبل بشرعنة الاحتلال التركي لعفرين ورأس العين وتل أبيض يرفض البحث في أية حلول تخص الموضوع الكردي ويستكثر علينا القول بالحقوق المشروعة للشعب الكردي وفق العهود والمواثيق والدولية، رغم عدم وجود أية مطالب انفصالية في وثائق وبرامج الأحزاب الكردية حيث يكاد المطلب الكردي يقتصر على اللامركزية التي يمكن بحث تفاصيلها بين السوريين في مناخ من الحوار الديموقراطي.ببساطة وبوضوح: الترك يدفعون نحو الأسلمة والتطرف والروس والأيرانيون يدفعون بإصرار لإعادة تأهيل النظام وبقائه بأي ثمن.الأمريكان والأوربيون بشكل خاص يدفعون نحو حماية تجربة شرق الفرات أولاً ومن ثم الضغط عليها ثانياً نحو مزيد من الانفتاح على قبول الآخر والابتعاد عن محور النظام والتأسيس للقطيعة مع الاستبداد ومع محور قنديل.

الا تصلح كلمة “ابراهيم هنانو” الآن؟

عندما فكّر الأمريكان بالمغادرة ارتعدت فرائص اكثر من خمسين الف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية ”قسد”، وطالبوا ببقائهم وانتقدوا سياسة القادة الأمريكان في قرار الأنسحاب، هم وكل الأحزاب السياسية في شرق الفرات، مع أن كل المؤشرات تدل على أن الأمريكان سيغادرون عندما تستقر الأوضاع.

وعندما يطلب الروس المغادرة، وهم لن يفعلوا، ستركع الطغمة وتقبل الأيادي والأرجل لبقائهم.

وعندما يطلب الترك المغادرة، وهم لن يفعلوا، ستقبّل فصائل الجيش الوطني نعال الجندرمة الترك ليبقوا.

وإيران بالعقلية الحالية غير مطروح انسحابها لا من قريب ولا من بعيد، لا بطلب من النظام ولا بطلب من الروس.

مقولة المطالبة بخروج كافة الاحتلالات نفاقٌ بيّن وهي شبيهة بحالة باعة لا يملكون بضاعة، الجميع يبيع مواد لا يملكونها، ولا يودون فقدان وهم امتلاكها.

27 آذار 2022

مكتب الإعلام تيار مواطنة-نواة وطن

* مقتبس من ص79 مذكرات احمد نهاد السيّاف

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة