حول الانتفاضة السورية الثانية -لن نصالح- مروان عبد الرزاق
اثارت تصريحات وزير الخارجية التركي حول مصالحة المعارضة مع النظام بقيادة الطاغية، العديد من النقاشات الهامة حول مستقبل الثورة السورية، وكان أهمها المظاهرات العفوية والتي يقودها شباب جدد عبروا من خلالها رفضهم لتصريحات الوزير التركي، وتمسكهم بالثورة التي اندلعت والتي كانت تنشد الحرية والكرامة للشعب السوري، وانه لا صلح مع النظام الذي قتل مئات الآلاف، وقام بتهجير “١٣” مليون، أي نصف الشعب السوري، والذي يعاني من الفقر والجوع والعطش، والبرد والصقيع وبالتالي كل التحية للوقفة الشجاعة ضد الأتراك وتصريحاتهم، وبفعل الغضب الشديد تم حرق العلم التركي الموجود في كل الأراضي التي تسيطر عليها غربي الفرات. وهذا أولاً.
وثانياً: من هم الاتراك، هل هم أصدقاء للثورة السورية، أم هو عدو لها، أم هم من يدير أزمة الصراع بين الشعب والنظام الاستبدادي وفق مصالحهم الخاصة؟
منذ بداية الثورة وتركيا تعمل لمصالحها الخاصة. حيث استقبلت أربعة ملايين سوري بصيغة ليس اللجوء، ولكن ب”الحماية المؤقتة”، وقبضت مليارات الدولارات من الأمم المتحدة وأوروبا للاجئين، بحيث انها استفادت من المعونات ولم تصرف من جيبها أي شيء على اللاجئين. وأنها كانت تدعو للحرية والكرامة للشعب السوري، وان النظام إرهابي وقاتل ويمارس الإرهاب ضد الشعب. وهذا في بداية التورة ومع أصدقاء الشعب السوري الذين تبخروا في الهواء.
لكن منذ التدخل الروسي وسيطرته الى جانب ايران على سوريا، بدأت تركيا ثانياً، تنحاز الى جانب روسيا في ظلل الخلافات مع الأمريكان. على المستوى العسكري ساهمت في إخراج الفصائل المعارضة، من الغوطة، وحلب، والمعرة وسراقب، وحشرهم في إدلب. وبدأت بالتدخل العسكري في سوريا، وقامت بتجميع الفصائل في الجيش الوطني، الذي تخلى عن إسقاط النظام، وتحول الى أداة ضد قوات قسد الكردية، وال”ب ك ك”، وهو العدو التاريخي لتركيا، بفعل العنجهية الشوفينية الاستبدادية والتي ترغب في إزالة الاكراد وحقهم في تقرير مصيرهم كشعب له تاريخه وثقافته. كما عملت في الجيش كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان، وساهمت مع الفصائل بتصفية المعارضين لها بأشكالهم المتعددة. وأصبح قرار الفصائل الذين يقبضوا الأموال منها بيد تركيا ومخابراتها. ومنذ “٢٠١٦” تم احتلال جرابلس والراعي والباب، ثم عفرين وتشريد شعبها، وراس العين وتل ابيض، أي انها قضت على الجانب العسكري في الثورة السورية. ورسخت احتلالا عسكريا تركيا لسوريا مثل الاحتلال الروسي والأمريكي، والإيراني.
وعلى الصعيد السياسي التحقت تركيا مع الائتلاف والمعارضة عموما باستانا وسوتشي مع روسيا وإيران لترتيب الوضع السياسي لسوريا. والحفاظ على “سيادة سوريا”. فكانت هيئة التفاوض، ثم اللجنة الدستورية وغيرهم، وكلها اشكال كاريكاتيرية للحوار مع النظام وفشلت جميعها، وانتهى التفاوض مع النظام ولم يعد لجنيف وتفاوضاتها اية قيمة، ووضع القرار”٢٢٥٤” “الوهمي” الذي يتعلق فيه السوريون! تحت الطاولة.
ومع الحرب الروسية على أوكرانيا، ترغب روسيا في إيجاد حل سياسي. لسوريا التي دخلتها منذ سبع سنوات وهي تقتتل بالشعب السوري. وهذا الحل السياسي هو نفسه الذي كان النظام يطرحه وهو “تشكيل حكومة وحدة وطنية ” من النظام والمعارضة، بنفس الصيغة الواردة في. القرار “٢٢٥٤”، انما برعاية الطاغية في حين لم يشير القرار “٢٢٥٤” الى وضعية الرئيس هل يجب اسقاطه أمم لا.
وجرت الحوارات في اللقمة الثلاثية. في طهران، وبعدها القمة الروسية التركية في سوتشي الى تحريك الحل السياسي في سوريا، وشطب جنيف وغيرها من أوروبا، والاقتناع بسوتشي كموقع للحل. وإلغاء العملية العسكرية التركية في سوريا، للسيطرة على منبج وتلرفعت،، واستبدالها بعملية سياسية دبلوماسية وخلق تفاوضات مع النظام بما يحقق المخاوف الامنية التركية، بتصريح أردوغان. وهذا أولا، وأيضا تعمل على تضييق الخناق على الاكراد وهم العدو التاريخي ليس لتركيا فقط انما لسوريا وإيران أيضا، وملخص المحادثات بطلب من بوتين: يجب على تركيا التصالح مع النظام، وعلى اردوغان الاتصال الرئيس “الطاغية”، وتحقيق الصلح بين المعارضة المسيطر عليها من قبل الأتراك مع النظام بتشكيل “حكومة وحدة وطنية”،، وان يدخل النظام ويسيطر على غربي الفرات وشرقه، أي على كل سوريا، وتتخلص تركيا من محنة الأكراد وخطرهم على الامن القومي، بسيطرة النظام على الحدود الجنوبية لتركيا، وهذا ثانياًً.
وبذلك ينتقل اردوغان من “التسوية السياسية للازمة السورية” في “٢٠١١”، ثم ضرورة تنحي الرئيس، وان الرئيس طاغية وقاتل للشعب، ثم في المرحلة الثالثة تخلى عن “اسقاط النظام”، وانتقل الى الأكراد ودفع بجنوده في سوريا. عملياته. الثلاث، المرحلة. الرابعة الآن وهي التعامل مع النظام وفق “عجلة بوتين التطبيعية”، حيث يمكن الحوار مع الطاغية، وتأسيس حكومة وطنية تضم المعارضة بقيادة الطاغية.
ولأن اردوغان ليس ضد النظام منذ زمن طويل، ويعتبر صراعه مع النظام امراً ثانويا، وصراعه الأساسي مع الأكراد، منذ دخوله الى الآستانة وسوتشي. لذلك يبدأ مرحلة جديدة ضمن خارطة طريق واضحة، في ظلل حفاظه على مصالحه في الانتخابات، وتقوية علاقاته مع روسيا، في ظل علاقاته المتأرجحة مع أمريكا وأوروبا عموما. وبالتالي كان المدخل لتصريحات “اوغلو” رئيس وزراءه بالمصالحة بين النظام والمعارضة، من اجل السلام الدائم، وحتى لا يحصل تقسيم سوريا، والدعوة لقتل الأكراد، وبهذا التصريح يقف ضد المعارضة التركية ويناشد المؤيدين للنظام السوري. في تركيا، ففي جولة الانتخابات في العام المقبل. فالتيار القومي يضغط بورقة اللاجئين، وأحزاب المعارضة تتحدث عن ان “وجود اللاجئين هو أحد كوارث نظام العدالة والتنمية التي أتت على حساب الحالة الاقتصادية” المتدهورة. وهذا يهدد بقاء أردوغان في الحكم العام المقبل.
وبالتالي كانت تلك الصرخة طعنة كبيرة في ظهر السوريين الذين فقدوا الملايين من شعبنا، وعبروا عبر مظاهرات عفوية يقودها شباب جدد، عن رفضهم لتركيا والصلح مع النظام دون رحيل الطاغية، او محاكمته على الجرائم. التي اقترفها بحق الشعب، بشعار “لن نصالح”، في مظاهرات عمت المناطق المسيطر عليها تركيا. وبفعل الغضب الشديد، وتعبيرا عن الضغط التركي على السوريين وقتلهم تم حرق العلم التركي في مناطق متعددة. وبفعل ذلك اعتقل الأمن التركي العديد من الشبان الذين حرضوا على المظاهرات واحرقوا العلم الذي يعبر عن سيادة تركيا ورمز فخرها في القتل اليومي للسوريين وللأكراد.. فهي في البداية والنهاية دولة احتلال لا تختلف عن الاحتلال الأمريكي والروسي والإيراني لسوريا، وبالتالي يحق للشعب الغاضب حرق العلم التركي في سوريا لأنه علم احتلال.
وعبر الثوار ان الثورة مازالت مستمرة حتى نيل الحرية والكرامة، ولن يكون هناك صلح مع النظام. فالتصريح هو حقيقي، ووضمن خريطة طريق واضحة. لكن ربما سيكون غير قابل للتطبيق حاليا امام ثورة السوريين في الداخل، لكن هذا التصريح يأتي أيضا “كجس نبض” المعارضة المسلحة، والشعب السوري عموما، ولشعور الروس بالرضا باتباعهم خطة طريق جديدة، كما انها “مناورة” للأمريكان وعدم دعمهم للأكراد بحجة “التطبيع” مع النظام. لكن تلك الصرخة ستكون مقدمة للحل السياسي الروسي-التركي-الإيراني خلال العام المقبل. وقد دفعت تركيا بالمئات من الدبابات وراجمات الصواريخ الى منطقة غربي وجنوب إدلب تحسبا للحماية من “الجيش الوطني” والمتظاهرين ضدها.
أما المعارضة السورية وبأشكالها المتعددة بالائتلاف، والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض القابعة في الرياض وتتغذى بالدولارات، والدستورية، ووفد استأنا وسوتشي، جميعهم يقبضون رواتبهم ضمن فساد مستشري، يبدو انهم متفقين مع التصريح التركي، حيث صوتهم مع الحل السياسي التركي وهم في الرعاية التركية. وهي مؤسسات لا تمثل الثورة منذ زمن بعيد. ولا يهمهم الا مصالحهم الشخصية. وبحسب تصريحات وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة بان هناك بعض أعضاء الائتلاف يتصلون بالنظام وجاهزين لمواقع في الحكومة الجديدة-بحسب احمد رحال-. وقد قامت فصائل مدعومة من أنقرة دفاعا عن تركيا وعلمها، ببيان من “الجيش الوطني السوري”، ووزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بان العلم التركي “رمز مقدس لمن سالت دماؤه على الأراضي السورية من الجيش والشعب التركي”، وهذا يمثل عمل “الجهلاء ممن لا يمثلون ثوابت الثورة”. وتوعدت بمحاسبتهم على ايدي المخابرات التركية التي اعتقلتهم، علما انه لا يوجد عسكري تركي واحد فقد دمه في سبيل الثورة السورية. وكذلك الائتلاف الوطني رفض حرق العلم، لأنه علم الشعب التركي الذي يستضيف الملايين من السوريين، “واختلطت دماؤه بدماء السوريين”. وهذا الموقف للدفاع عن تركيا والوقوف ضد المظاهرات التي تدافع عن الثورة امر طبيعي ومخجل لمن يعيش في الأرض التركية ويعتاش من أموالها. والذين أكدوا مع النظام فيي تركيا بأن المسؤول عن التظاهرات هم النظام السوري وقسد، فأية مهزلة هذه.
“لن نصالح” النظام المجرم، الذي قتل الشعب وهجره، ولن نعود للذل من جديد. وهو شعار الشعب في انتفاضته الثانية الداعم للحرية والكرامة. انتفاضة ضد الاحتلال التركي ومشروعه التصالحي.
لكن لم تبرز المظاهرة وقوفها ضد مؤسسات المعارضة المتفقة مع تركيا. هذه المعارضة هي انتهازية وتبحث عن مصالحها الشخصية، وهذه المعارضة تاريخيا تبحث عن الخارج حتى تجد حل سياسي للصراع في. سوريا. وقد فشلت كل الحلول السياسية الآتية من الخارج، والآن نحن أمام حل تركي-روسي-إيراني، بمشاركة المعارضة، حيث يبحثون بدفع الشعب نحو القتل والنار. فلماذا لم يكن أمام الثوار في انتفاضته الثانية مشروع “إسقاط الائتلاف ومؤسساته” كشريك ففيي الجريمة القادمة؟ لماذا لم يتم التظاهر أمام مؤسسات المعارضة وترحيلهم؟ الا يكفي عقد من الزمان متربعين ويمثلون الشعب، دون ان يكون متفقا معهم، ههم غير منتخبين من الشعب، ويسرقون الشعب. اعتقد ذلك ضروريا في انتفاضة الشعب الثانية التي أعادت البريق من جديد للثورة السورية. والحل ان يتم انتخاب اشخاص جدد للمجالس المحلية لتدبير شؤون المناطق التي تصبح محررة فعلا. ويمكن للثوار في الداخل السوري التأسيس لممثلين للثورة من جديد تؤسس للثورة من الداخل دون أي اعتماد على الخارج ومآسيه ومصالحه الشخصية التي لا تتفق مع مصالح الشعب السوري.
وقد يكون للمثقفين في الداخل والخارج دورا في “أن يتدرّب النشطاء، ويتواصل السياسيون، حتى تكون هذه المرة انتفاضة التغيير التي لا تتوقف، ولا يمكن إيقافها قبل تحقيق أهدافها.” بتعبير برهان غليون. وليس صعبا على الثوار، وضباط الجيش المنشقين، والفصائل العسكرية االمناؤة للحل التصالحي المفروض من تركيا، أن يؤسسوا لفصيل عسكري مهمته “اسقاط النظام”، تللك المهمة التي دفع الشعب تجاهها مليون قتيل،، ومليوني مشوه، مازالت المهمة لم تنجز بعد.
١٧-آب/أغسطس ٢٠٢٢ الحوار المتمدن
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع