قانون مناهضة التطبيع وحقائق السياسات الأمريكي – مقالة رأي
كتب الاستاذ نزار بعريني
تحتفي نخب المعارضات السورية، خاصّة العاملة من واشنطن، ومنصّاتها الأوروبية، بخطوة اجتياز “مشروع مناهضة التطبيع”، عتبة “الكونغرس”، آملين أن يتم تمريره، أو “نسخة شبيهة”، إلى مجلس الشيوخ، ومن ثم المكتب البيضاوي، لينال بركة الرئيس، ويصبح بعض أدوات إداراته لفبركة الرأي العام، وفقا لمقتضيات دعاية سيد البيت الأبيض وحاشتيه، على طريقة “الحرة” الأمريكية .. (١)
أحاول في هذا المقال كشف ما يبدو لي نهجاً في سياسات الكونغرس بشكل خاص وقيادات مؤسسات النظام الأمريكي عموما لتصنيع رأي عام سوري نخبوي غير مدرك لحقائق مصالح وسياسات السيطرة الأمريكية، خاصة فيما يرتبط بطبيعة و وقائع “العلاقات التشاركية” مع “النظام الإيراني” التي باتت تجسيداتها أكثر من واضحة في نتائج الحروب الأمريكية ” التشاركية ” المباشرة، المستمرة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ، خاصّة في عراق ما بعد غزو ٢٠٠٣، وفي سوريا واليمن ما بعد حراك ربيع ٢٠١١، بما يجعل من سيطرة وتحكّم ميليشيات النظام الإيراني على قلب مثلث الطاقة الإستراتيجي العالمي، وممرات ومضائق التجارة العالمية في محيطه الجيوسياسي – الموقع الأكثر حيوية في خطط وسياسات الهيمنة الإقليمية والسيطرة العالمية للولايات المتّحدة- الذي تسعى للسيطرة عليه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ولن تتنازل عنه بأي ثمن – الحقيقة السياسية والعسكرية الأبرز، وبما يجعل من نظرية “الدعاية” الأمريكية لمحاربة “الإرهاب الإسلامي” الوجه الآخر لدعاية “نظرية المؤامرة” الإيرانية، لمحاربة “المقاومة الإسلامية”!!
وجه التكامل والتماثل يبدو جليّا في سعي أفكار وثقافة الدعايتين ( وما تفرّع عنهما من “نظريات “-برعت “خيرة” النخب السياسية والثقافية السورية في ترويج أكاذيبها ، وتحويلها إلى”رأي عام” و “برامج سياسية”- كنظرية “الأقطاب العالمية “و”الانسحاب الاضطراري” من المنطقة ، لمواجهة أخطار الصعود الصيني في بحر الصين الجنوبي و ” تراخي استراتيجي” وضعف وفشل “في سياسات واشنطن و “عدم اهتمام بسوريا وفشل إقليمي”، أتاحت “استغفال” ميليشات النظام الإيراني- والروسي – تبع ” حلم المياه الدافئة ، الدفين “- للأمريكان، على طريقة ” توم وجيري ” !!)،لتغييب وقائع تقاطع المصالح والسياسات والجهود بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني( والروسي ) في دفع الصراع السياسي على السلطة خلال ٢٠١١ على مسارات الخَيارالعسكري الطائفي المُدمّرة ، وما نتج عن حروب مراحله حتى نهاية ٢٠١٩ من هزيمة صيرورة الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي، وتفشيل مؤسسات الدولة السورية، وتحويل ميليشيات “الثورة المضادة ” إلى “سلطات أمر واقع “، تعمل على حراسة حصص ومصالح زعماء العصابة ، الذين يتحكّمون بأنظمة الولايات المتّحدة وروسيا الاتحادية وجمهورية إيران الإسلامية ، في واشنطن وطهران وموسكو !
هييك اللعب، برافوووو للشاطرين!
للراقصين على طبول أنغام القتل والتدمير في” نخب المعارضات السورية الديمقراطية ” ، الذين يحتفون بقرار الكونغرس، وتحوّله مواقعهم إلى ” نصر إلهي” على طريقة ” الإسلام السياسي”، أقول بكل صراحة لن تحصدوا اليوم أكثر من وجبات خيبات الأمل التي قدّمتها للسوريين دعايات “كلينتون أوباما” حول ” إنتهاء الصلاحية ” !
فلن يسعى هذا المشروع أو غيره، ولن يستطيع ، تغيير حاضر ومآلات وقائع السيطرة الجيوسياسية في سوريا التي صنعتها سياسات وحروب الولايات المتّحدة بالدرجة الأولى، ولا إلى التقليل من شرعية وسيطرة النظام السوري، أو إضعاف “سلطات الأمر الواقع”- لصالح قضية السوريين المركزية في مسارات أنتقال وتحوّل سياسي ، وبناء سلطة مركزية وطنية- ولن يشكّل، بالتالي، في أحسن الأحوال، في سياسات الإدارة، أكثر من ورقة ضغط، على غرار قانون قيصر وغيره من الأوراق التي طالما استخدمتها واشنطن بالتنسيق مع شركائها الأوروبين والإقليميين ، لفرض شروط التسوية الأمريكية (٢) على سلطتي النظام وقسد، بما يثبّت ويشرعن سوريّا آليات السيطرة الأمريكية الإيرانية القائمة ، بأقلّ الأعباء…وخسائر الموجهات ” الدون كيشوتية ” !!
يعزّز موضوعية هذا الاستنتاج عوامل وأسباب عديدة، منها :
١- يأتي قرار اليوم بعد هذا الشوط الطويل الذي قطعته خطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي مع “النظام الإيراني السوري” منذ مطلع ٢٠٢٠ ،عندما أطلقت واشنطن وموسكو صيرورة مشروع التسوية السياسية الأمريكية الشاملة على مساري ” تأهيل” سلطات قسد والنظام” على الصعيد السوري، و” تطبيع” العلاقات الإقليمية” .. وقد كانت الجهود الأمريكية والروسية الحديثة ” لتوثيق ” العلاقات بين قسد وحكومة النظام ، وخطوات إعادته إلى الجامعة، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، ورعاية واشنطن ” للتسوية في اليمن ” ، إضافة إلى جهود ” التطبيع الإبراهيمي ” السياسية والعسكرية ، هي الأبرز قبل هجوم طوفان الأقصى …وكان حضور الرئيسين السوري والإيراني قمّة السعودية الإسلامية في أعقابه ،وتسريع خطوات تأهيل سلطة النظام وقسد ( وجهود مشابهة على صعيد ” حكومتي” الإنقاذ والمؤقّتة “) “، واستمرار الضغوط الأمريكية على النظام وقسد لتأكيد الوصول إلى تفاهمات صفقة شاملة (٣) ، إضافة إلى حصول” صفقة غير مُعلنة” حول الملف النووي الإيراني، ( تحدّثت عن مخاطرها على “أمن إسرائيل” مصادر عبرية ، و يحرص اللاعبون الكبار على إبقاء حيثياتها ونتائجها بعيدة عن أبواق النخب السورية! )، الدليل القاطع على ترسّخ هذا النهج التوافقي الأمريكي الجديد، وهذا الاتجاه العام في العلاقات الإقليمية(٤).
كلّ ما يحصل في سياسات واشنطن يؤكّد حرصها على الدفع بخطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي على مسارات استراتيجية ، وقد باتت خطوات وإجراءات تحقيقها تحتل الأولوية في سياسات الولايات المتّحدة؛ كما تبيّن وتؤكد سياسات واشنطن السورية والإقليمية في أعقاب هجوم طوفان الأقصى، والحرب العدوانية على غزة(٥).
٢- لاينصّ ، ولا يسعى القانون الأمريكي الجديد، على الطعن بشرعية أو تقويض نتائج وإجراءات تأهيل سلطة النظام السوري التي سارت بخطى متسارعة منذ مطلع ٢٠٢٠، بموازاة خطوات التطبيع الإقليمي:
انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية….وتأهيل اقتصادي؛ ولم تفعل واشنطن ما يُعيق تقدّمها سوى قانون “قيصر”، السيء الذكر ، الذي برر للنظام قساوة إجراءات النهب الإقتصادية التي ينفذها في سياق التوافق مع شروط البنك الدولي، والخصخصة المعروفة …وموافقة واشنطن….
٣- عدم تقديم إدارة بايدن أي دعم “لانتفاضة السويداء”، قد يخرج عن إطار توافقاتها العامّة مع النظام الإيراني السوري، ويؤكّد عدم سعيها لزعزعة الخطوات التي يقوم بها، على صعيد” تطبيع” العلاقات مع سلطات الأمر الواقع، وعلى الصعيد الاقتصادي، وإقليميّا.
٤- يتجاهل صانعو القرار ومروجوه أنّ سلطة النظام باقية، حتى بدون تطبيع خارجي أو تأهيل داخلي، بفعل شبكة علاقاتها مع النظام الإيراني ..وهنا نصل إلى جوهر القضية ، التي تفضح طبيعة سقف أهداف مشروع الكونغرس وطبيعة التضليل في ترويجها :
لو كانت مؤسسات الدولة الأمريكية، في التنفيذ والتشريع، جادّة فيما تُعلن، وما تقول، لمحاصرة النظام السوري الإيراني،وتقديم دعم حقيقي لمعارضات وطنية وديمقراطية ، فليس عليها سوى تشريع أو اتخاذ قرار بخروج القوات الإيرانية من سوريا، كما فعلت تجاه الوجود السوري في لبنان ٢٠٠٥ (وكان فعليا لصالح تعزيز شبكة السيطرة الإيرانية)! فقط عندها، سيكون لقرارها تأثير الفعل المباشر، بسبب تقاطعه مع الجهد الإسرائيلي، أليس كذلك ؟!!
عوضا عن ذلك، تركّزت جهود إدارة بايدن الديمقراطية، في مواجهة تحدّيات هجوم طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية التالية، على منع إسرائيل من توسيع دائرة الصراع إقليميّا، بما يعني عدم السماح بتوريط إيران وحزب الله في حرب خاسرة، لا تستطيع واشنطن الوقوف فيها على الحياد، وقد كان لسياسات إدارة بايدن عامل الردع الحقيقي في مواجهة جهود إسرائيل لاستغلال الحرب من أجل توجيه ضربات مؤلمة للوجود الإيراني في سوريا، ولحزب الله، وشكّلت سياسات بايدن مظلّة حماية حقيقية للوجود الإيراني في سوريا.
٥- بناء عليه، من حقنا أن نفترض أنّ الهدف الرئيسي لقانون الكونغرس الجديد هو مساعدة سياسات الإدارة لإزالة العقابات التي ما تزال تواجه جهود التسوية السياسية الأمريكية في سوريا، بما يجعل منها مجرّد أوراق ضغط لصالح سياسات ورؤى السيطرة الأمريكية.
وهنا من المفيد توضيح أبرز التحديات التي ما زالت تحول دون إنجاز كامل أهداف مشروع التسوية السياسية السورية :
ا- عدم نجاح جهود واشنطن في الوصول بالعلاقات “التناحرية “بين قسد والنظام وتركيا إلى حالة التهدئة المستدامة المرجوّة .
ب- سياق وصيرورة أهداف وإجراءات التسوية الأمريكية لا تضمن فقط بقاء سلطة النظام وتسريع خطوات إعادة تأهيلها، في موازاة تأهيل سلطة قسد ، ( وسلطات الأمرالواقع الأخرى )، بل وما يجعل منها المظلّة السورية الشرعية على واقع سيطرة جيوسياسية معقّدة ،هشّة إجتماعيا واقتصاديا ، ومتناحرة سياسيا وعسكريا ، وهو ما يخلق لواشنطن المزيد من الصراعات بين الشركاء السوريين والإقليميين حول تقاسم الحصص ،( تتكامل مع التحديات التي تواجه سياسات التطبيع الإقليمي، خاصة على مساري العلاقات السعودية” الإسرائيلية” ، والتسوية السياسية الفلسطينية” الإسرائيلية”)، ويحّد من قدرتها على فرض شروطها بالطريقة التي تُريد ، ويفسّر حاجتها للمزيد من أوراق الضغط!!؟؟
ضمن هذا الإطار، نستطيع فهم طبيعة أهداف ورقة الضغط الجديدة من خلال إدراك طبيعة العقبات التي لا تزال تواجه انجاز أهداف مشروع التسوية السياسية في سوريا ؛ وقد شرحها بالتفصيل السفير الأمريكي السابق فورد من خلال توضيح طبيعة الشروط التي تعمل واشنطن على توفيرها قبل “الإنسحاب” من سوريا ..
في الختام، من المؤسف أنّ تتحوّل شخصيات ومنصّات “المعارضة” إلى مواقع لترويج دعايات الحملة الإعلامية والسياسية الأمريكية، الساعية لتضليل الرأي العام السوري، ومنع نخبه من إدراك حقائق أهداف أوراق الضغط في مصالح وسياسات الولايات المتّحدة ، وحقيقة المصالح المرتبطة بعلاقاتها مع النظام الإيراني، وما تشكّله شبكتها من مظلّة حامية لسلطة النظام السوري….وتفشيل شروط قيام حل ، وانتقال سياسي …..ومقوّمات الدولة الوطنية السورية !
———————————————–
(١)-يؤكّد القائمون على موقع ” الحرة” الأمريكي، أنّه لا يزال بمقدور “الأحرار السوريين!!” “الاستثمار في المواقف الأمريكية، لأسباب متعددة:
أ-أمريكا هي الدولة الأقوى في العالم وهي من سيكتب السطر الأخير في القضية السورية وفي كل القضايا التي تتدخل فيها.
ب- أمريكا تجاوزت مرحلة “سلطة النظام”، لكنها تُمَاطِل في المراحل التالية المتعلقة برحيل النظام ومحاسبته وإعادة تشكيل سوريا التي تحقق تطلعات الشعب السوري. ؟!!
ت- أمريكا التي سَايَرت “إيران” لمدة من الزمن هي اليوم تضع إيران في مرمى استهدافاتها سياسيا وعسكريا، فيما يبدو واضحا أن قرار إنهاء “حقبة الملالي” قد اتخذ فعلا. ” …..”الله أكبر “!
….وأنّه لازال كثير من النخبة السورية غير مدركين لحساسية الموقف ولأهمية التعاطي الرشيد مع الأحداث … “.. إلى آخر هذه النغمة النشاذ التي ما زالت تُطرب أسماع “الأحرار” الديمقراطيين في نخب المعارضات!!
هي “حقنة ” جديدة من الأكاذيب التي تستخدمها دعايات الولايات المتّحدة، على أعلى مستويات القيادة، لتضليل الرأي العام السوري وتغييب حقائق تقاطع المصالح والسياسات مع نظام ” الملالي “، الخادم الإقليمي الاوّل لمصالح الولايات المتّحدة على حساب مصالح شعوب المنطقة، ومؤسسات دولها الوطنية.
(٢)- ملاحظة مهمّة جدّا، ترتبط بأهميّة توضيح طبيعة مشروع التسوية السياسية الشاملة، الذي يصرّ “الوعي السياسي النخبوي المعارض” على تجاهل حيثياته وعوامل سياقه عند قراءة مستجدات الأحداث والمواقف :
“التسوية السياسية الشاملة” هو المشروع الذي أطلقت واشنطن وموسكو صيرورته في مطلع ٢٠٢٠، في نهاية مرحلة حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية التي بدأت في أعقاب تدخّل جيوش الولايات المتّحدة وروسيا ( ٢٠١٤- ٢٠١٥)؛ وذلك توافقا مع إعلان واشنطن انتصارها التاريخي على “داعش”، وتوقيع اتفاقيات خارطة السيطرة الجيوسياسية التشاركية الجديدة بين ” بوتين واردوغان” في سلسلة من المؤتمرات في إطار “الدول الضامنة” كان أبرزها اتفاق ٥ آذار، ٢٠٢٠.
عوامل سياق صيرورة الخَيار الأمني العسكري الميليشياوي ، (الذي أخذت مرحلته الأمنية الأولى بين ربيع ٢٠١١ وصيف ٢٠١٢، ومرحلته الثانية – صراع ميليشيات قوى الثورة المضادة على السلطة، بين صيف ٢٠١٢- ٢٠١٤، ومرحلته الثالثة، حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية، بين ٢٠١٥- ٢٠١٩) تجعل منها “المرحلة الرابعة ” ، ولا تخرج عن سياقها جميع إجراءات وخطوات تأهيل سلطات الأمر الواقع وإعادة تأهيل سلطة النظام السوري ، التي باتت تشكّل مرتكزات ” النظام السوري الجديد” ، وبما يثبّت وقائع الحرب، التي حوّلت سورية جغرافيا وبشريا إلى كانتونات هشّة، تحكمها سلطات غير شرعية ، تتنافس على الثروة والسلطة والإرتزاق للأجنبي، تشكّل صراعاتها ومصالحها التشاركية عقبات أمام جهود إعادة توحيد سوريا سياسيا وجغرافيا واجتماعيا ، وتجهض جهود السوريين وآمالهم للعمل معا لتحقيق هدف النضال الديمقراطي الوطني المركزي – الأنتقال السياسي.
إذ تعمل على توفير شروط “تهدئة مستدامة”- وفقا لنظرية مشروع ” RAND ” الأمريكي، المتناقض مع مسار جنيف والقرار ٢٢٥٤، وإجراءات ” آستنة بعد ٢٠١٧و ” مناطق خفض التصعيد “- بين سلطات الأمر الواقع، تركّز في هدفها الرئيسي على تحقيق معادلة أساسية ، يترابط فيها خطوات ” تأهيل سلطة قسد “،بما يضمن ديمومة واستقرار الحصة الأمريكية، مع” إعادة تأهيل النظام”، الضامن لاستمرار السيطرة الإيرانية ، ( بما يجعل من سعي تركيا لتنظيم ” سيطرتها ” على حصّتها ، سواء عبر صفقة مع النظام كما تريد واشنطن، أو من دونها،إذ تعثّرت سبل الوصول إليها ، تحصيل حاصل !!)،
هذه القراءة تفسّر حرص وجهد الولايات المتّحدة لوصول النظام السوري وقسد إلى تفاهمات صفقة حول شروط تقاسم السيطرة والثروة على مناطق الإدارة الذاتية، كما يأتي الحرص على إزالة الخطر الذي يشكّله النظام التركي على قسد والنظام معا ، من خلال وصول النظامين التركي والسوري إلى اتفاقيات صفقة شاملة.
على الصعيد الإقليمي، تعمل على توفير شروط قيام حالة ” تهدئة مستدامة “وتكامل اقتصادي ، تُعيد صياغة العلاقات الإقليمية المتصارعة في سياق رؤية استراتيجية أمريكية لطبيعة المرحلة التالية لنهاية حروبها الكبرى في المنطقة بعد إسقاط العراق (أمام تقدّم أدوات المشروع الإيراني)، وما حققته في مواجهة تحدّيات الربيع العربي والسوري، وبما يعزز في نهاية المطاف نتائج الانتصارات التاريخية لمشروع سيطرتها الإقليمية، التشاركية ، من جهة ، وبما يتوافق مع المنظور الأمريكي العالمي للصراع ضدّ روسيا، ويؤدّي إلى تشكيل تحالف إقليمي أوكراني، لمواجهة الغزو الروسي ، وإضعاف شبكة العلاقات والمصالح الإقليمية التي تساعد النظام الروسي على استمرار الحرب .
يرتكز مشروع التحالف التوافقي الجديد على ثلاثة محاور:
أ- تنسيق وتوافق سعودي إيراني، في إطار تطبيع العلاقات الإقليمية مع النظام الايراني،وسياق “تطبيع “العلاقات الأمريكية الإيرانية!!
ب- تعزيز وتطوير خطوات التطبيع في إطار ” اتفاقيات سلام إبراهيم “، لتضمّ “إسرائيل “إلى جانب “السلطة الفلسطينية”، في إطار “تسوية النزاع” الفلسطيني الإسرائيلي.
ت- كوريدور اقتصادي تقني تجاري ، واستثمار بمليارات الدولارات، على مسار طريق الحرير التاريخي ، الصين – الهند – إيران-السعودية – الإمارات- فلسطين المحتلة- أوروبا.
(٣)-
في مقابلة مع برنامج (حدث اليوم) الذي يقدّمه “نوينر فاتح” على شاشة” رووداو” أكّد السفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد ” أن الجيش الأميركي يريد إعداد قوات سوريا الديمقراطية بشكل أفضل قبل انسحاب الولايات المتحدة “، لكنّ هذا غير كاف لضمان مستقبل قسد، فأرسل تحذيرا شديد اللهجة لقيادة قسد من عواقب عدم التوصّل إلى تفاهمات مع النظام السوري . من هنا، فصّل الخبير في الشؤون السورية في طبيعة المخاطر، وطبيعة الحلول، وهي جميعها تؤكّد على اعتقاد واشنطن أن أفضل علاقات مع النظامين السوري والتركي، تضمن أفضل شروط الحماية لحاضر ومستقبل قسد، وأن جميع مسارات حلّ العقبات والتحديات التي تواجه قسد تمرّ من دمشق، وهو ما يبيّن حقيقة سياسات واشنطن تجاه حاضر ومستقبل النظام السوري، الذي تريد واشنطن أن تضع وكيلها تحت جناحه، وتكشف من جهة طبيعة العقبات التي ما تزال تواجه جهود التسوية السياسية الأمريكية في سوريا ، وبالتالي ” الإنسحاب الآمن”، وطبيعة أكاذيب دعايات الكونغرس :
” هناك مخاطر في الحالة السورية، في أن تجد الإدارة الذاتية نفسها محاصرة بين تركيا من جهة ودمشق وروسيا من جهة أخرى، وإيران أيضاً.. هذا ليس موقفاً تضع نفسك فيه، لذا أعتقد أنه سيكون من الأفضل للإدارة الذاتية أن تجد سبيلاً وتصل إلى اتفاق عبر الروس مع الحكومة في دمشق” .
” في تفاصيل العقبات ، وآليات حلّها:
العقبة الأولى هي ” الشكل الذي ستكون عليه العلاقات بين الحكومة في دمشق والإدارة الذاتية في قامشلو، وهو ما لا نعرفه الآن” .
العقبة الثانية ، هي العلاقة مع تركيا :
“أرادت الولايات المتحدة دوماً نوعاً من الاتفاق بين تركيا والإدارة الذاتية. ”
يؤكّد فورد أن سلطة دمشق هي عرّاب قسد :
“وأعتقد أن هذه أيضاً نقطة من الممكن أن تتفق قامشلو ودمشق بشأنها. فالطرفان، قامشلو ودمشق تريدان أن يوقف الأتراك هجماتهم الجوية، لذلك هناك نقطة يمكنهما العمل عليها معاً، وفي الحقيقة يقومون بذلك، وهذا الذي دفع الإدارة الذاتية إلى دعوة الجيش السوري وروسيا أن ينشرا قواتهما على طول الحدود التركية في شمال شرق سوريا، بل أن تسيّير روسيا دوريات عسكرية. إلا أن العلاقات بين قامشلو وتركيا ستكون صعبة، وستبقى صعبة لحين التوصل إلى اتفاق بين قامشلو من جهة ودمشق من جهة أخرى.
(٤)- يقدّم السيد وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، في مؤتمره الصحفي في القاهرة، ٢٦ أكتوبر، رؤية بلاده لطبيعة مشروع التطبيع :
” أن تقوم دول المنطقة بتطبيع علاقاتها، والتكامل، والعمل معًا لتحقيق هدف مشترك، ودعم وتعزيز حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني. …”
” تعمل الولايات المتحدة وشركاؤنا في جميع أنحاء المنطقة على بناء مستقبل أفضل للشرق الأوسط، مستقبل يكون فيه الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وأفضل ارتباطًا بجيرانه، وذلك من خلال مشاريع مبتكرة مثل السكك الحديدية بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. الممر الذي أعلنته هذا العام في قمة أكبر اقتصادات العالم. أسواق أكثر قابلية للتنبؤ بها، والمزيد من فرص العمل، وغضب أقل، ومظالم أقل، وحروب أقل عندما تكون متصلة. إنه يفيد الناس، ويفيد شعوب الشرق الأوسط، ويفيدنا أيضًا “(بايدن).
من نافل القول أنّه لايمكن لهذا المشروع الواعد أن يستثني النظامين الإيراني والسوري ؛ وقد باتا جزءا من النظام الإقليمي بفضل خطوات التطبيع على صعيد مسارات علاقاتها الثلاثية الاتجاه، الإيرانية الأمريكية – الإيرانية السعودية – السورية العربية ؛ وهي التي لا يدعو قرار الكونغرس إلى إلغائها، بالطبع .
يؤكّد صحّة هذه القراءة ” الدكتور سمير التقي” ( الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ) على موقع” ملتقى العروبيين السوريين “، خلال ندوة سياسية حول ” الملف السوري إلى أين ؟” يوم الجمعة ، ١٢ /٥/٢٠٢٣:
“يجب أن ندرك أنّه من الناحية الإستراتيجية أصبحت إسرائيل في أضعف أوقاتها..
لانّ الولايات المتّحدة، كما قلت في مقال سابق قبل حوالي أربعة أشهر، قد بدأت بفتح خطوط مع ايران، وقلت أنّ إيران هي التي تشكّل ” جوهرة التاج ” بالنسبة للشرق الاوسط ،” وأنّ ” الولايات المتّحدة مستعدّة لمسامحة الإيرانيين في الكثير من القضايا، بغضّ النظر عن كلام الإعلام، هذا كلّه شرط أن لا تذهب إيران إلى أحضان روسيا، وتتحالف روسيا وإيران في شرق آسيا والشرق الأوسط، ضدّ الولايات المتّحدة” . “الولايات المتّحدة تفكّر الآن في إمكانية مقاربة الوضع مع إيران، وقد ذكرت في عدّة مرات أنّه إيران ليست عدوا أصيلا للولايات المتحدّة..” فإنّ النظام الايراني، ودولته الاستبدادية ” لا تشكّل للولايات المتّحدة أي تهديد” .
ولأنّ النظام الايراني ” الأزعر ” ، وبعد تقلّص عدد زباينه دولته ، ” بعد حصار جدّي ” ،” أضطرّت تدخل بمفاوضات الملف النووي ..وأكثر من ذلك ، والآن ، تحت ضغط العقوبات ، إيران مستعدّة للتفاوض. تبدي استعدادا للتفاوض”.. ” يوجد ميل لدى الأمريكان ، خاصّة ” الديمقراطيين “، لأنّ تُستخدم دول الخليج ، خاصّة المملكة السعودية ،كأداة لدمج إيران في المنظومة الإقليمية ” .
” يمكن أن تُعفى الأموال التي تأتي إلى إيران من السعودية، مقابل الإعتراف بالعجز عن منع إيران من الاحتفاظ بقدرات العلمية النووية، وأنّها وصلت إلى مستوى الدول في حالة قنبلة على الرف ، وبالتالي سعي أمريكي أوروبا لمنع أن تتطوّر الأمور في الإقليم في اتجاه حصول سباق تسلّح نووي ..”!
(٥)-عوامل سياق مرحلة التسوية السياسية الأمريكية الشاملة سوريا وإقليميا، التي أطلقت الولايات المتّحدة صيرورتها منذ نهاية ٢٠١٩، هي التي تفسّر حرص الولايات المتّحدة على أن لا تقوّض نتائج الحرب الإسرائيلية الإجرامية على قطاع غزة “عمل الولايات المتّحدة الجاري لتحقيق المزيد من التكامل والسلام في المنطقة، بما في ذلك الأمن المستدام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء” (كما أكّد بلينكن في آخر اتصال مع وزير الخارجية السعودي .)، وهي بالتالي التي رسمت أهداف وحدّدت طبيعة جهود إدارة بايدن الديمقراطية في مواجهة عواقب هجوم الأقصى، و قد تمحورت حول هدفين رئيسيين :
أ- منع حليفها التاريخي “إسرائيل” وحكومة اليمين المتطرّف من توريط” شريكها” الإستراتيجي، أو ذراعه اللبناني الأقوى ، في حروب مباشرة واسعة النطاق ، في ظل موازين قوى وحيثيات لصالح “الحليف”.
ب-منع حكومة اليمين االمتطرّف، المعادية لاستكمال مسار أوسلو، من تقويض ” شروط التسوية السياسية الفلسطينية/ الإسرائيلية” – إعادة احتلال قطاع غزة بشكل مباشر وتقويض سلطة الضفة، وتهجيير ملايين المدنيين -، لما قد ينتج عنهما من عواقب وخيمة على خطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي – تلبية الشرط السعودي لاستكمال خطوات التطبيع مع ” إسرائيل”؟…وقد نجحت في ذلك عبر تركيز جهودها على مسارين سياسيين متوازيين ومتكاملين:
أ-” منع إنتشار النزاع إقليميّا”، وقد نجحت في تحقيق أهدافها عبر أسلوب ” العصا والجزرة “؛ تقديم دعم عسكري وسياسي مشروط لحروب نتنياهو، و”استحضار” أساطيلها، واستخدام غير مسبوق لأوراق الضغط المحلية والإقليمية والدولية على حكومة اليمين، وزعيمها… ولم توفّر حتى شريكها القابع في أقصى الجنوب الأفريقي !!!
ب- خطط” اليوم التالي” لنهاية الحرب العدوانية، وفرض توافقات “هدن إنسانية” والعمل على تحويلها إلى دائمه، وتطويرها إلى مفاوضات تسوية سياسية ..تمهّد للتسوية المطلوبة سعوديّا….
نزار بعريني،
فبراير ، ٢٠٢٤
الاراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر عن رأي الموقع
نزار فجر بعريني .
كلّ الاحترام والتقدير للأصدقاء الأعزاء في إدارة الموقع ، والصديق الكبير وسيم حسان .