ميلاد سوريا الحرة وسقوط الأبدية – رأي في الاسباب السريعة
مقالة رأي – وسيم حسان –
شهدت ليلة ٨ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٤ هروب ”بشار الأسد“ طاغية دمشق وانهيار كبير في معسكر ”المقاومة والممانعة“ الذي تورط في مغامرة ”حماس – السنوار“ الكبرى خلال طوفان الأقصى ٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣ وما نجم عنه من حرب اسرائيلية شملت دول وأذرع المحور سيئ الصيت، حيث نجم أن حققت اسرائيل بعد ١٤ شهراً تحطيم القدرة العسكرية الرئيسية لحماس ولحزب الله وهروب بشار الأسد وانهيار جيشه، فملئ مكانه مسلحو المعارضة الاسلامية وعلى رأسهم جبهة تحرير الشام بقيادة ”أبو محمد الجولاني“ الذي راح الى تبديل اسمه الى ”أحمد الشرع“ وتغيير زيه الجهادي الى الطقم والكرافيته إيذاناً ببدء تحول واسع الطيف لمشروعه في السلفية والجهادية نحو الاعتدال والتأقلم مع متطلبات ”رجل الدولة“، معلناً بذلك انتصار نهجه المختلف عن خط ”القاعدة” و“الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام“ وهي التي سقطت عسكرياً على يد ”التحالف الغربي“ وقوات ”قسد“ في مارس/آذار ٢٠١٩ فشهدنا بذلك نهاية ”دولة الخلافة“، لنشهد اليوم وبتسارع حثيث أفول مشروع ”الخمينية السياسية” الذي انتصر في إيران ١٩٧٩ فأنعش ما يسمى ب“الصحوة الاسلامية“ على معظم ساحات البلدان الاسلامية عموماً، لنشهد اليوم مرحلة جديدة أهم ما يميزها زوال الحقبة المليشياوية الفصائلية بدءاً من “حماس وحزب الله” واستكمالاً بالفصائل الاسلامية في سوريا وقريباً نهاية المليشيات الشيعية العراقية وربما حزب ”العمال الكردستاني“ و“الحوثي“، وإعادة بناء المنطقة على أسس الدول المنضبطة وذات الحدود النهائية والملتزمة بالقواعد والاتفاقات الدولية، ما ييسر عودة انتعاش الاسواق والاقتصادات بعد تعثرها فقدانها الكثير منذ جائحة الكوفيد وتفاقم الصراع الاقتصادي بين الصين وأمريكا، وبعد الحرب الروسية في أوكرانيا.
يتسائل كثيرون اليوم عن تلك الخلطة السحرية التي أدت –بعد طول صبر ومعاناة لنضالات السوريات والسوريين خلال العقود الخمس الماضية ونخص منها الأعوم الثلاث عشرة ثورة وما شهدتها من هول التحديات والتضحيات مع تعنت السلطة الطغمة وانسداد أفق الحل السياسي منذ قيام الثورة السورية في 2011 وما رافقها من مواجهة النظام لها بالحديد والنار والاعتقال والتغيب القسري والسجون والقتل والتدمير الممنهج والتهجير وتبعات ذلك على البلاد وعلى ازمة النظام وتعفنه من الداخل– وصولاً إلى النهاية الدراماتيكية السريعة والمفاجئة لعصر الأبدية الأسدية في سوريا، فخلال عشرة ايام من تحرك المسلحين من الشمال السوري نحو حلب والمدن وتدحرج سقوطها كقطع الدومينو وقبيل وصول الفصائل إليها أحياناً، حيث لم نشهد معارك حقيقية وذات معنى إلا في مواقع محددة كجبل زين العابدين على مشارف حماة وبعض القطعات، بينما انهار جيش الاسد قبيل القتال، ووصلت الجموع البشرية المدنية الى مراكز المدن لتستقبل الفصائل المسلحة وابناءهم المهجرين سابقاً الى الشمال والقادمين بفرح على عربات الدفع الرباعي التي جهزت خلال العام المنصرم في الشمال السوري ”المحرر“.
سأكتفي بتسليط الضوء على المباشر من الاسباب دون الغوص في عمق الاحداث وقد لا أضيف جديداً لعديد من التحليلات الواقعية والبعيدة عن المبالغات والوهم، إذ لا يخفى على أحد دور الحرب الاسرائيلية في غزة ولبنان وأثره الرئيسي على النتائج العملية في سوريا، فكان لدور التفوق العسكري والتقني الاسرائيلي والإجهاز على قيادات وعناصر الصف الأول والثاني في ”حزب الله“ الأثر البالغ على موقع الاسد حليف الحزب التاريخي، وتقهقر محور إيران وأذرعها في عموم المنطقة، حيث شهدنا ومازلنا نشهد تردي الوضع العسكري ل“حماس“ في غزة و“حزب الله“ في لبنان وسوريا ولازالت الماكنة العسكرية الاسرائيلية تهدد وتفعل في سعيها للقضاء على مليشيات الحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن، وتسطر مرحلة جديدة من محاولة انعاش الاتفاقات العربية الاسرائيلية والتي كانت قد بدأت برعاية أمريكية بما سمي ”الاتفاق الابراهيمي“ الذي ضم اسرائيل والامارات والبحرين والمغرب والسودان وليشمل –كما أظن– السعودية والاردن وسوريا وتركيا قريباً في مواجهة إيران الملالي مع تصاعد الاحتمال بإدراك حل ما للقضية الفلسطينية على حساب الوجود المسلح للفصائل والمليشيات (حماس، حزب الله، المليشيات العراقية…) في المنطقة عموماً.
وهنا لايمكننا إغفال أثر خسارة موارد وثروات الجزيرة السورية التي سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” وتراجع النمو في اقتصاد حرب الظالمة وتحوله الى اقتصاد الجباية فضلاً عن الدور الحاسم للعقوبات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً في نزع قدرات نظام الأسد الاقتصادية وما رافق ذلك من حصار عربي لاقتصاد المخدرات والكبتاغون الممانع ما انعكس شلل اقتصادي واسع النطاق على النظام ومؤسساته ومريديه، ورغم ان العقوبات لم تكن العامل الوحيد الذي أدى إلى سقوطه المدوي، بل نجحت فقط عندما تزامنت مع عوامل داخلية وخارجية ضاغطة، كتفاقم السخط الشعبي من حاضنة السلطة، وتراجع دعم الحلفاء المنشغلين بهموم مستجدة (الروسي والإيراني). حيث أثمرت أخيراً –بعكس تصورات الكثيرين وادعاءاتهم ب(فشل العقوبات)– وسقط الطاغية بالضبط كما حصل في تجربتي جنوب إفريقيا ويوغوسلافيا فأسفرت تاريخياً عن سقوط مدوي للأنظمة المستبدة فيها. وهي العقوبات التي ستؤدي –كما أعتقد– الى سقوط تدريجي للنظام الايراني وربما الروسي بعد حين.
ومن زاوية ثانية يمكننا تسجيل تحولاً نوعياً في العقيدة الجهادية الاسلامية عند الجولاني ومجموعته، وهي التي كانت قد قطعت مع ”القاعدة“ ومع وهم بناء ”دولة الخلافة“، لينفتح أفق جديد لها من التأييد الغربي، أمام تصاعد الاحتمال بتطور مفهوم اسلامي معتدل مبني على براغماتية قيام الدولة الوطنية الحديثة على أساس واقعية كاحترام حدود الدول والقانون الدولي وضبط التطرف والإرهاب من التمدد خارجاً والاكتفاء بتغيير النظم المحلية، مستفيدين من فشل ”داعش“ وتعثر تجارب ”الاخوان المسلمون“ في بلدان الربيع العربي مصر وليبيا وحتى في تونس واليمن مروراً بعداء دول الخليج والأردن لتلك البرامج الاسلاموية والسلفية.
ولا شك بمساهمة الدور التركي والقطري بدعم المعارضة التي أحسنت اقتناص اللحظة خير اقتناص، لكن الدور الأعظم الخفي كان الأمريكي وهيمنته على القرار في الاقليم وهذا لايخفى على أحد، حيث لا يمكننا بالطبع اغفال أثر ما يحصل على مساعي تقويض النفوذ الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي حصار مبادرة الصين (الحزام والطريق) لتقليل المفاعيل الصينية على الاقتصاد العالمي، فإذا سار الحكم الجديد في سوريا نحو اسلام معتدل وبراغماتي –كما هو متوقع– فقد تميل سوريا إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية، مما يدعم النفوذ الأمريكي في المنطقة ويُضعف تأثير الصين. وفي جميع السيناريوهات، ستكون سوريا نقطة ساخنة في الصراع الجيوسياسي بين الصين وأمريكا ولها انعكاسات واسعة النطاق على المنطقة والعالم. فسيسعى الحكم الجديد إلى بناء علاقات مع تركيا وقطر التين مدتا يد العون الكبير له ودول خليجية والغرب المراقبة والداعمة له بآن، مما يعيد تشكيل التوازنات في منطقة الشرق الأوسط.
ختاماً ستبقى الاسئلة الملحة والتحديات قائمة، من عيار: هل سنشهد قيامة سوريا الحديثة على يد شخصيات وفصائل مسلحة لطالما اتهمت بالجهادية وتعرضت لتصنيفها بالارهاب، وهل ستنطوي الحقبة الجديدة على براغماتية وتطوير للعقل والخطاب السياسي الاسلامي وتبنيه بالتالي قيم حداثوية جديدة كالديمقراطية وحقوق الانسان وإشراك النساء بالقرار؟ وكيف سيكون تعاطيه مع ملف الفلول وإخماد أية فتنة طائفية محتملة؟ وما تأثير الانتصار على بقاء شبح التقسيم أو زواله بإمكانيات الاتفاق مع الإدارة الذاتية و“قوات سوريا الديمقراطية“ ومساعي ادراجها في الجيش السوري الجديد؟ وما احتمال انسحاب القوات الأمريكية بعد تحقق مصالحها وإدراج حقوق الكرد والأقليات والنساء ومفاهيم المواطنة والديمقراطية في الدستور السوري القادم؟ وهل سنشهد أخيراً انفتاحاً ما على اسرائيل أو عقد اتفاقات للسلام معها؟
وهل ستشهد المنطقة أقلها من أنقرة حتى عدن جنة عدن الموعودة؟ أم أن هذا سيبقى هدفاً بعيد المنال؟
وسيم حسان – ٢٥–١٢–٢٠٢٤
الاراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
📮 You have received 1 message(-s) # 458. Go >> https://telegra.ph/Message--2868-12-25?hs=7bed84688794f50af64a7a573c375b84& 📮
gfwgof