الإسلام السياسي بين الدين والديمقراطية/ منير شحود

مقالات 0 admin

بعد تصدره نتائج الانتخابات البرلمانية لدورتين انتخابيتين في المغرب، ورئاسته الحكومة لعشر سنوات، انخفضت حصة حزب العدالة والتنمية الإسلامي من 125 نائباً في الانتخابات السابقة إلى 12 نائباً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة قبل أيام، وذلك لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار (الليبرالي). وكانت الحالة المغربية هذه قد تكررت بصورة ما في الأردن، النظام الملكي المشابه، فبالمقارنة مع الفترة ذاتها، انخفض تمثيل جماعة الإخوان المسلمين (جبهة العمل الإسلامي) في البرلمان الأردني من 15 نائباً عام 2016 إلى 9 نواب في عام 2020 (تحالف الإسلاميين). وكانت الجماعة قد حصلت على 22 مقعداً في انتخابات 1989 و17 مقعداً في عام 1993 و6 مقاعد فقط في عام 2007.

ومع أن النظام السياسي في المغرب والأردن لم يصل إلى درجة تجريد الملك من صلاحياته كالنموذج البريطاني، إنما ثمة ضرب من تقاسم السلطة بين البرلمان والملك، فإنه يمثل حالة متقدمة إذا ما قورن بالأنظمة العربية المطلقة، وهو يتيح ممارسة الديمقراطية في السياسات الداخلية والقضايا الخدمية بدرجة معقولة. كما أن تراجع شعبية التيارات الدينية لصالح الليبرالية مؤشر مهم، برأيي، لتبيان التوجه العام الذي ستسير عليه الانتخابات، على ندرتها وضعف نزاهتها، في منطقتنا ككل، وهذا يتطلب تجاوز بعض العقبات ومرور فترة زمنية معينة ليحصل فيها ضرب من “النضج الانتخابي”.

فالديمقراطية الوليدة تدفع للتعامل معها بالعاطفة على المستوى الشعبي، والعواطف ذات الأرضية الثابتة في بلداننا هي العواطف الدينية، ولو تمت مقاطعتها أحياناً بعواطف أخرى، قومية ووطنية. قد يستمر التعامل العاطفي مع الانتخابات عِقداً من الزمن، أقل أو أكثر، إلى أن يعي الناخب مسؤوليته ومصلحته فيها، ويتحول في التعبير عن خياراته من الدوافع العاطفية إلى الدوافع العقلية والعملية، طالما توفرت له حرية الاختيار بدرجة معقولة، وهذا لا ينطبق بالطبع على الانتخابات الصورية التي تحدث في ظل الأنظمة المستبدة.

لقد أفضت الانتخابات البرلمانية التي حصلت في معظم الدول العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، عند توافر درجة معقولة من النزاهة، إلى فوز الإسلاميين فيها، مستندين إلى تجربة وازنة في العمل الخيري، ليتراجع دورهم بعد ذلك وعلى نحوٍ متدرّج، ويظهر حجمهم ودورهم على حقيقتهما. إن ذلك، وبالتجربة، هو الطريق الأسلم لانقشاع الغمامة المحيطة بدورهم الإنقاذي المأمول، وبخلاف ذلك، قد يتحول الأمر إلى صراع دموي مرير، مثلما حصل حين رفضت السلطات الجزائرية نتائج الانتخابات النيابية في التسعينات. كما أن البلدان التي منعت الإسلاميين من التعبير عن ذاتهم سياسياً، كسورية وليبيا، دفعت ثمناً باهظاً في مراحل عدة من تاريخها السياسي، وبخاصة في أثناء أحداث الربيع العربي، حيث غرق البلدان في موجات متتالية من التطرف.

من مشاكل الإسلام السياسي طبيعة ارتباطاته، حيث غالباً ما تتجاوز مرجعياته حدود البلدان التي يعمل فيها، كمرجعية التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، فتبقى مسألة توطين حركاته في البلدان التي تعمل فيها إشكاليةً. لا تختلف جماعات الإسلام السياسي بذلك عن الأحزاب العقائدية الأخرى، كالشيوعية والقومية، في حين تعمل الأحزاب ذات المرجعية الليبرالية بعلاقات أكثر مرونة وتتناسب مع طبيعة تطور الاقتصاد العالمي والعلاقات القائمة على المنفعة والمصالح المتبادلة.

الأمر الآخر الذي يسِم حركات الإسلام السياسي هو رداء القداسة المزعوم الذي تحتمي به، ما يُفقر الدين والسياسة معاً، وينطلي ذلك على البسطاء، فيجمعون في لا وعيهم بينها وبين الدين والتدين وينحازون إليها بالفطرة، حتى تنكشف اللعبة، فالدين والتدين صفتان للفرد وليس للحزب أو المؤسسة، وقد يجدان انعكاساتهما في طريقة التعامل مع الآخرين وحسب. أما الحركات السياسية، وإن استندت إلى مرجعيات محددة، فهي ذات برامج واضحة وعملية في الدولة الحديثة، وتطرح حلولاً لمشاكل واقعية بهدف تحسين نوعية حياة الناس، وهي ليست مؤمنة أو متدينة، ولو رفعت ملايين الشعارات ذات الطابع الديني.

مشكلة أخرى تسِم حركات الإسلام السياسي، وهي وهم العودة إلى الماضي ومحاولة استنساخه في الحاضر، فقد كان المزج بين السلطتين الدينية والزمنية من سمات مرحلة تاريخية معينة ولن تعود، اللهم إلا كتحالف مؤقت بين طرفين مستبدين. وفي حين تجاوزت أوروبا هذه المرحلة، بعد حروب طاحنه سببها الاستثمار السياسي للدين في القرون الوسطى، فإن الإسلام لا يزال يعاني من محاولة قسره من قبل حركات الإسلام السياسي على أن يكون “دنيا ودين”، وما يترتب على ذلك من محاولات فاشلة للجمع بين الأمرين قسراً، في حين تحتاج الدول الحديثة إلى منظومات حوكمة معقدة، مدعومةً من قبل منظمات المجتمع المدني.

القصة ليست معقدة كثيراً، فالعمل من أجل المصلحة العامة والتنافس على برامج التنمية لا ينفي أن ينطلق الحزب، مطلق حزب، من مرجعية عقائدية ما، كخلفية، ويستلهم مرجعيته في إجراءات وممارسات محددة، بينما يشارك الآخرين العمل النافع من أجل المجتمع ككل، وهذا ما توفره الدساتير الديمقراطية، والمبادئ فوق الدستورية التي لا يجوز على أي طرف تجاوزها.

إن الإسلام السياسي، في محاولته الجمع بين الدين والسياسة، يوهم الآخرين بحقٍ ممنوح له من السماء سلفاً، ويتلاعب بعواطف غير ناضجة، ويبعث برسائل خاطئة إلى شركائه في الحياة السياسية، ويثير الشكوك حول نواياه وعدم قدرته على الانسجام مع الحياة الديمقراطية في الدولة الحديثة.

الإسلام السياسي بين الدين والديمقراطية .. (annasnews.com)

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة