حلب اليوم.. برلين الأمس ـ بيتروس بيتروسيان
بات الحسم الذي يحكى عنه من جميع الاطراف محكوم بمن سوف يحكم حلب ويسيطر عليها، مع أن الحسم غير وارد وبعيد جداً من رؤيتي الشخصية، مع هذا الكم الهائل من القتل والتهجير ومن الدمار والخراب والمتلهفين المزيفين في حل هذه الأزمة.. اصبحت هذه المدينة مقسمة، ولكن.. من دون جدار حجري، بل، مقسمة بجدار بشري وبأسلحة وقناصة منتشرة على طول هذا الجدار، لا تميز بين أحد، “لا معارض ولا موالي” هذا المصطلح الذي درج.. قناصة تمنع مواطني هذه المدينة من الانتقال لأبسط الاسباب، للتسوق أو للعلاج، والتسوق هنا بمعنى التزود بالخبز لا أكثر.. ولكن لماذا، وما الغاية من هذا الحصار والتجويع، ومن هذا التقسيم؟..
يعاد ما جرى في العاصمة الألمانية ولكن هذه المرة في حلب الشهباء، في أقدم مدن العالم وقلب حضارتها، في أشرس المعارك التي شهدها الصراع في سوريا، وبطرق وحشية أكثر بكثير من الطرق المتبعة في برلين، ومن قبل النازيين وعلى ضفاف المنطقتين الشرقية والغربية، التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة مع تواطؤ دولي لتدمير هذه المدينة وهذه الدولة وهذا الشعب..
حلب اليوم، لها ألف حكاية وحكاية، غير الحكايات التي سمعناها في يوم ما، في ما قبل الأزمة.. والحكاية لاتشبه الأخرى، من قتل وذبح واغتصاب، من سرقة وخطف وعذاب، قصص وحكايات من الواقع، تفوح منها رائحة الموت، غلافها الظلم، وعناوينها الألم، أوراقها وصفحاتها أجساد الانسان، وكلماتها مكتوبة بدماء نسائها وأطفالها وأبطالها، في كل حكاية هناك خنجرا يطعن في ظهر هذا الشعب، وفي كل يوم يهدم بيت جديد، ويقتل طفل آخر…
هناك من يقول أن هناك فشل دولي في إدارة الأزمة السورية، ولكنني أقول، أن هناك نجاح دولي في تدمير هذه الدولة وقتل هذا الشعب، نجاح لمن تواطأ في جر الأطراف إلى ما نحن عليه اليوم، أو ما كان يريد هو أن يوصلها إليه، نجاح لمن أكتفى بالخطب المزيفة وتكلم عن الإنسانية وحقوقها وأغمض عينيه على الإجرام المستمر ضد هذا الشعب، نجاح لمن عمل على الخصخصة وتوزيع الكعكة في الشرق الاوسط على حساب الشعب السوري وشعوب المنطقة وتاجر بدماء ابنائهم..
اتهامات ترمى وتتوالى من هنا وهناك، وتشريعات من هذا أو ذاك، ومؤتمرات في هذه الدولة أو تلك، والمناظرات لا تنتهي… وفي كل طرف هناك ألف طرف، بينما ليس هناك أي شيء يتغير، لا بل كل شيء يتصاعد والموت يتزايد، وحرب الشوارع تتوسع والشعب يجوع…
خوفي من أن يكون هذا كله، ليس إلا البداية!!.. وخوفي من أن تصل الأمور في حلب إلى درجة اللاعودة، ويوم بعد يوم تكبر هذه الهوة، وتصبح ممارسة العنف في هذه المدينة
بشكل خاص وفي سوريا بشكل عام، سبيل العيش والبقاء والحفاظ على الوجود…
فهل سيستطيعوا قتل الإنسان في قلب الحلبي والسوري، ومن ثم قتل الإنسان نفسه؟.. أم سيتغلب هذا الشعب ويعود لبناء مدنه ووطنه ووطنيته، وإعادة الهيبة لدولته، وإعادة الكرامة الإنسانية لمواطنيه؟..
وهل ستكون حلب نقطة التحول والمنعطف المفصلي في هذا الصراع المدمر، والحرب المصيرية في سوريا؟
أم سيمتد هذا الجدار ليشمل باقي سوريا؟
19/7/2013 – ايلاف