السياسة الروسية هل تحمي الأقليات أم تساهم في تعقيد قضاياها؟ ـ د. خالد مدوح العزي
المطلع على السياسة الروسية يرى تقاسم الأدوار بين الخارجية والرئاسة لجهة التصعيد والتعاطي مع الملف السوري. تصادمية لافروف، ونعومة لهجة بغدانوف، وديبلوماسية بوتين، يُدل على عجز روسيا في إنتاج حل سياسي فاعل لأزمة سوريا بالرغم من تحول موسكو أخيراً إلى “مكة” سياسية لكل المعارضات والموالاة السورية، وكأن روسيا لم تعرف بأن زوارها المختلفين لا يمثلون المعارضة الفعلية التي يمكن التفاوض معها.
من يراقب الارتباك الذي يسيطر على الموقف الروسي السياسي، يرى من دون شك، مواقف متناقضة من القادة الروس، بالرغم من حراك الخارجية ووزير الديبلوماسية الروسية قاصداً الدول العربية التي قلل من شأنها والتعاطي معها بخصوص الملف السوري، بالرغم من مواقفه السياسية وخطبه النارية ألتي لا تخلو من التهديد والوعيد للمعارضة السورية والدول العربية بحال فكرت في تغيير النظام السوري، وكأن سوريا ليست لكل السوريين ويجب على روسيا التعاطي مع كافة مكوناتها!
ميخائيل بغدانوف نائب وزير الخارجية يصرح: “بأن الأسد انتهى وأضحت أيامه معدودة، ليترجم الاعتراف الروسي بالمعارضة معقباً على كلام لافروف بأن روسيا يمكن أن تجتمع مع ائتلاف المعارضة في أي دولة تريدها إذا لم تحب التوجه إلى موسكو، فيكون ذلك اعترافاً رسمياً بالمعارضة السورية السياسية والعسكرية.
ليجسد فلاديمير بوتين قوله بأنه يتفهم مطالب الشعب السوري الذي يطالب بالتغيير ولا يمكن لعائلة أن تحكم طوال 42 سنة، وعلى الشعب السوري أن يختار من سوف يخوله بالحكم ونحن لسنا متمسكين بالأسد وإنما بسوريا، فالتصريح الذي يحاول أن يفرض معادلة جديدة في السياسة الدولية التي لا تزعج أحداً سوى الشعب السوري نفسه من خلال “إبقاء الطائفة العلوية في الحكم وإعادة تشكيل الجيش والأمن والوحدات تحت إمرتها مجدداً، فالدولة السورية القادمة كما يحاولون تسويقها عالمياً من دون شخص الأسد، ولكن مع إبقاء شكل النظام الحالي من دون تعديل. وهذا ما كان يعمل على ترويجه في الاتفاق السري الأميركي -الروسي في مؤتمر جنيف 2 والهادف لإبقاء الأسد حتى عام 2014 مع تسليمه السلطة لتشكيل حكومة انتقالية، فالخلاف على اسم رئيس الحكومة الجديد للمرحلة الانتقالية وضمان المشاركة لكل المكونات السورية في الحكم “الانتخابات، الدستور الجديد وشكل الحكم القادم في سوريا، برلماني رئاسي”، فالروس أصروا على عدم التدخل في مؤسسة الجيش وتركيبته ونوعية تسليحه والأجهزة الأمنية والبنك المركزي. فالتوصل إلى حل ينهي الأزمة السورية يزعج روسيا لعدم قدرتها على فرض شروطها على قوى تتعارض معها بالشكل والمضمون وبالتالي موسكو فشلت بالتوصل لأخذ ضمانات مستقبلية لها في سوريا الجديدة من أطراف الصراع ما دفعها نحو الحل الأمني والعسكري الذي يفرض شروطها على طاولة المفاوضات من خلال القبضة الحديدية التي بدأت مع احتلال القصير والذهاب بمختلف الاتجاهات في سوريا بمشاركة عسكرية إيرانية وحماية روسية وموافقة إسرائيلية مما ساعد بتدخل حزب الله العلني في سوريا أمام الأعين الإسرائيلية فكان الضوء الأخضر الذي قد أعطاه بغدانوف في زيارته الطويلة الى لبنان وبعد عودته المباشرة من طهران قد بدأت روسيا تحركها الضاغط. فالخطاب الروسي الجديد بات يعتمد على حماية الأقليات في الشرق الأوسط وتحديداً من البوابة السورية، لأن روسيا ترى بأن الأسد هو حامٍ للأقليات في المنطقة والمحافظ عليها، ما شجع الأسد في مقابلته مع قناة تلفزيون “روسيا اليوم “بالعربي بتاريخ 10 نوفمبر 2012 وأعلن بأنه علماني وحامٍ للأقليات في سوريا مبتعداً عن خطابه المعهود “الممانعة والمقاومة “متناسياً بأنه حليف “إيران وحماس وحزب الله ودولة المالكي”. روسيا نفسها تعمل على تشريع حلف للأقليات في المنطقة من خلال تأمين الحماية الديبلوماسية والسياسية واللوجستية، لهذا الحلف الجديد في الشرق الأوسط لتكون الحامية له لأنه يخدم نفوذها ومصالحها.
روسيا قوة عالمية كبرى في مجال النفط والطاقة والغاز والسيطرة على طرقه والتحكم في استخراجه، لكن سوريا وشعبها ساحة صراع في ظل سيطرة التدمير والقتل الممنهج وغياب الحل السياسي. بالرغم من البحث في مؤتمر “جنيف 2” عن آفاق لتسوية سياسية فإن نضوجها لا يزال غائباً ومربوطاً بالشروط الروسية التي تؤمن عودتها الى الحلبة الدولية وتمكنها من إعادة نفوذها المفقود وبخاصة في الدول العربية التي باتت خارج سلطتها.
روسيا تخاف من تداعيات الربيع العربي وامتداد شرارته نحو حديقتها الخلفية، والإدارة الروسية في الكرملين تتخوف من الإسلاميين، والتخوف الأكبر من انتقال عدوى هذه الأحداث إلى الفضاء الروسي السابق مباشرة كمناطق القوقاز الشمالي أو غير مباشر إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى ولذلك تحاول موسكو إقناع المجتمع العالمي بجدوى القبضة الحديدة الأسدية ضد العصابات السورية، محاولة الفصل بين مأساة الشعب السوري والحل السياسي لأزمته، وتغيب المطالب المحقة التي ثار الشعب لأجلها، لأنها تحاول تأمين حق الرد للدول الخاضعة لسيطرتها.
فالعمليات التي نفذها الجيش الحر ضد سلاح الجو السوري والتي باتت تهدد سمعة روسيا بأن سلاحها الجوي يتآكل من ضربات الثوار، والذي أكده الجنرال ماكاروف رئيس الأركان الروسي بتاريخ 24 تشرين الأول 2012. المعارضة غير موجودة بنظر روسيا وفي تصريحات لافروف وإنها ترتكب إعمالاً إرهابية مختلفة، طالما تعارض بقاء الأسد، الذي لا يرى الوزير لافروف حلاً من دون وجوده، والذي يدعو دوماً للحوار وفقاً لشروط الأسد. روسيا تزود النظام السوري بالسلاح والعتاد والتقنيات الحديثة وتمانع من تزويد المعارضة بأي سلاح يفرض التوازن. لافروف يعترض على الانتهاكات من باب القانون الدولي وروسيا تنتهك القانون الدولي، والرئيس بوتين صرح بأن لا أحد يستطيع أن يفرض على روسيا أي حظر بتوريد السلاح للنظام السوري سوى مجلس الأمن الذي شلته روسيا برفع الفيتو فيه لحماية النظام السوري.
يحاول الروس بكل الطرق دعم النظام بشكل علني وإمداده بالسلاح والعتاد لأن الروس لم يقدموا للنظام السوري أي دعم سوى تحريك الأساطيل في البحار، واستخدام الفيتو في مجلس الأمن، والتصريحات النارية من بعض المسؤولين الروس الذين وضعوا روسيا في عين العاصفة، وبخاصة الوزير لافروف، وضعت روسيا استراتيجيها الجديدة بناء على تصورات نظرية ليست مرتبطة بأرض الواقع في التعامل مع سوريا، ما أدخلها في المستنقع السوري، وعليها إعادة حساباتها كي تستطيع الحفاظ على مصالحها في سوريا وعدم الخروج منها نهائياً.
سوريا موقع جغرافي لروسيا يمكن المشاكسة منه للإفراج عن ملفات أخرى، فإن تحقيق حلم القياصرة اليوم بالوصول إلى المياه الدافئة، يرتكز على إعادة النفوذ في الشرق الأوسط وعلى حساب التراجع للنفوذ الأميركي والأوروبي، وتطوير العلاقة المستجدة بين روسيا وإسرائيل، ليصل الأمر عند صقور الكرملين التركيز على حماية الأقليات والتصدي للمد الإسلامي وليس المتطرف والتنافس مع واشنطن على حماية أمن إسرائيل”. روسيا في ورطة الحرب على الشعب السوري. فالروس تناسوا التاريخ وأغاني الحرب الوطنية والتي أضحت أغاني الشباب بعد حرب التحرير العظمى عام 1945، “قسما بالزهر والسنابل بالعيون السود للجميع سنقاتل كلنا نقاتل ليسود السلم للجميع”. فالربيع العربي سوف تزهر حدائقه مهما تأخرت الزهور. لان شهيد ربيع العرب سمير قصير يقول: “إن ربيع العرب، حين يزهر في بيروت،إنما يعلن أوانه في دمشق”.
23/7/2013- المستقبل