تحت حطب لبنان عقل العويط
أنا خائف على بلدي وعلى أهل بلدي.
لو كان لي أن أُسلس أعنّة الكتابة لتصوّراتي الجحيمية، لكتبتُ، باختصارٍ شديد، أني أرى الآتي: النار تحت حطب لبنان، وهي ستندلع في كلّ مكان، وستأكل كلّ مكان.
في العادة، يُقال عن كلامٍ “قيامي” كهذا، إنه كلام أدبي، أو إن صاحبه مخبول. معليش. لكن، “اسمحولي فيها”. هذه التصوّرات ليست أدبية لإدراجها في بنية الأدب، وهي ليست هلوسات مَرَضية لإدراجها في أحوال المرضى. صدِّقوني، أنا لا أكتب كأديب، ولا أهلوس كمريض. الأدباء والمرضى، على كلّ حال، هم أصدق إنباءً، وأشدّ قدرةً على التعبير وإصابة المعنى من المشخِّصين الآخرين، وخصوصاً أساطين السياسة والقتل والأحزاب والمذاهب والطوائف.
ما سبق، إن هو سوى استنتاجات شخصية عاجلة، يمليها عليَّ إحساسٌ عميقٌ بالمواطنية (المنقرضة) التي تستشعر الخطر المحدق الداهم. أحدس أن الحريق يحيق بنا من الداخل والخارج، وهو يزداد اضطراماً ولفحاً، وأحدس أن لبنان لن ينجو هذه المرّة، وهو يهرب إلى الأمام، مكتفياً بالتحصن “الأدبي” وراء شعارات النأي بالنفس عن هذه النار. يجب أن يعرف الكلّ ذنوبه وخطاياه. بل يجب أن يعترف الكلّ بها علانيةً، وبدون مواربة.
هذا ليس وقت الإدانة بالطبع، بل وقت الاستشعار. أنتم جميعكم (جميعنا)، مسؤولون عن هذه الوليمة المحرقة.
الذنوب ليست متساوية. المذنبون ليسوا متساوين. لكنها محرقة الجميع.
لقد ارتكب “حزب الله” في الأعوام الأخيرة، بعد طرد العدوّ الاسرائيلي ومحو رجسه من أرض لبنان، أخطاء تصعيدية قاتلة لا تُغتفَر. لكنْ، لا يغرنّكم إدراج الجناح العسكري لـ”حزب الله” على لائحة الإرهاب. هذه قشرة موز دولية، فلا تزحطوا عليها. ثمّ، افترِضوا أنها ليست قشرة موز للتزحيط، هل تعتقدون أن العالم الذي يتفرّج منذ سنتين ونصف السنة على المذبحة السورية، وقبلها على المذبحة العراقية، وقبلهما على المذبحة اللبنانية، وقبل هذه كلها، وأثناءها، وبعدها، على المذبحة الفلسطينية، هل تعتقدون أن هذا العالم الكلبي الدنيء سينجّي لبنان من المحرقة؟
قولوا: هذا مجنونٌ يهلوس. قولوا إن كلامه محض أدب. معليش.
لن يبقى حجر على حجر. هذا ما أراه. فصدِّقوا أن ما أراه ليس توقّعاً.
خذوني كشخصٍ سليمٍ معافى. وصدِّقوا أني أرى بعينيَّ هاتين، وأعرف بعقلي، وأشعر بجوارحي.
لا تعتبِروني أديباً. ولا مريضاً. لا يغرنّكم أحدٌ. فليس معنا أحدٌ. ولا يحبّنا أحدٌ. فلا تصدِّقوا أحداً يا أهل لبنان.
بلدنا هو الفتنة الجامحة الماحقة المقبلة للتوّ. وهو أرض المحرقة.
تحت بلدنا حطبٌ كثير. فلا تشعلوه!
24/7/2013- النهار